تونس تختبر الصين كشريك جديد لمعالجة أزمة قطاع النقل

تونس- تسلمت تونس الأربعاء أول دفعة من الحافلات الصينية لدعم قطاع النقل العمومي في خطوة هي الأولى من نوعها حيث درجت تونس على استيراد وسائل النقل من الدول الأوروبية وخاصة فرنسا.
ولا تحمل الصفقة المتوسطة دلالات إستراتيجية كبرى ولكنها تأتي ضمن سلسلة من التعاملات الاقتصادية مع الصين في مجالات أخرى مثل البنية التحتية والطاقة، ما يعكس توجه تونس إلى تنويع شركائها وعدم الارتهان لشريك وحيد خصوصا في ظل المنافسة الدولية المتزايدة على شمال أفريقيا.
وتسارع نسق الزيارات الرسمية بين مسؤولين رفيعي المستوى من الحكومة التونسية ونظرائهم الصينيين خلال العامين الأخيرين ترجمت بإبرام عدة صفقات بالغة الأهمية بالنسبة إلى تونس الساعية إلى تحديث البنى التحتية مع مزيد تمتين التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وفي المقابل تعكس هذه الصفقة، ولو في رمزيتها، جانبا من تراجع نفوذ أوروبا الاقتصادي في الجارة الجنوبية، حيث اكتفت العواصم الأوروبية بموقف المتفرج على أزمة تونس الاقتصادية والاجتماعية من دون تقديم مبادرات ملموسة وهو ما استغلته قوى صاعدة مثل الصين التي تقدم حلولا عملية وسريعة.
ويقول مراقبون إن الصين لا ترى في هذا التقارب تونس فقط، بل تعتمد عليها كبوابة للمتوسط والمغرب العربي، بالإضافة إلى أنها تفتح الباب لتتبعها قوى أخرى مثل روسيا، لافتين إلى أن تجاهل أوروبا لمشاكل حلفائها فإنها بذلك تسلمهم عمليا لمنافسيها الجيوسياسيين.
ويأتي هذا التقارب مع الصين في وقت تشهد فيه العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي فتورا بسبب صفقة الهجرة التي تم إبرامها قبل نحو سنتين، فرغم توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين لم تترجم الاتفاقات إلى تعاون مالي فعلي بالحجم الذي كانت تنتظره تونس.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “قطاع النقل في تونس مهترئ وهو في قلب الدور الاجتماعي للدولة،” لافتا إلى أن “الصفقة تم إبرامها منذ أشهر وهو عرض وطلب وكما سبق التعامل مع فرنسا يتم الآن استيراد الحافلات من الصين“.
وأكد لـ”العرب” أن “المنتجات الصينية شهدت قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، وربما تم التعامل معها وفق مقاييس المردودية والكلفة المناسبة“.
ووصلت 111 حافلة إلى ميناء حلق الوادي الأربعاء من بين 300 حافلة تشملها الصفقة. وقال وزير النقل رشيد عامري إن باقي الشحنات ستصل تباعا إلى تونس على مدى أسبوعين أو ثلاثة.
ويواجه قطاع النقل العام عبر الحافلات ضغوطا شديدة في ظل التخلي عن حوالي نصف الأسطول المستخدم في العقد الأخير بسبب الأعطاب وندرة قطع الغيار وأزمة المالية العمومية.
وستوجه هذه الصفقة بالكامل إلى العاصمة بينما يجري الترتيب لصفقة ثانية من نفس المزود الصيني “كينغ لونغ” تشمل 419 حافلة مخصصة لباقي المدن، حيث من المتوقع أن يبدأ شحنها إلى تونس في الربع الأخير من العام الجاري.
واستعانت تونس في الأعوام الأخيرة أيضا بالمئات من الحافلات المستخدمة في العاصمة الفرنسية باريس لسد النقص في الأسطول.
وأفاد الخبير المالي والاقتصادي محمد صالح الجنادي أنه “من المفروض أن يتم تأسيس مصانع لخلق النمو والثروة، وتوريد الحافلات كان أساسا من الاتحاد الأوروبي، والآن يتم الاعتماد على الصين، لكن أعتقد أن الكلفة هي ذاتها“.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك توجه دولة يقوم على فتح الباب أمام سوق جديدة، ربما تكون فيها الكلفة أقل، لكن من الضروري إجراء دراسة للملف“.
وتابع الجنادي “ربما هناك امتيازات جديدة في التعامل مع الصين،” لافتا إلى أنه “قبل 2011 كان هناك 1700 حافلة في تونس والآن في حدود 400 حافلة، دون اعتبار الحافلات غير الصالحة للاستعمال “.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى ” ضرورة بناء مصنع للحافلات في تونس بالشراكة مع الصين أفضل من توريد الحافلات للضغط على الكلفة“.