تونس تحد من غلواء النقابات الأمنية تطويقا لفوضى العشرية الماضية

موقف الرئيس سعيد يهدف إلى طمأنة التونسيين بأن حرية التعبير مضمونة، وبأن الجهاز الأمني مؤسسة في خدمة التونسيين لا غير.
الأربعاء 2022/08/17
الأمن في خدمة الدولة

تونس – كشف إعلان وزارة الداخلية عن تتبعها القضائي لعدد من الناشطين في النقابات الأمنية توجها رسميّا للحد من غلواء هذه النقابات التي صارت تتصرف وكأنها صاحبة القرار في القضايا الأمنية ودون الرجوع إلى الجهات الرسمية في الوزارة.

ويعتقد مراقبون أن هذا التحرك هو تنفيذ لما سبق أن أعلنه الرئيس قيس سعيد من ضرورة توحيد النقابات الأمنية في هيكل واحد يكون دوره متابعة الأوضاع الاجتماعية لمنتسبيه، وهو مؤشّر واضح على أن المرحلة الجديدة لن تقبل باستمرار الفوضى في مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات السيادية مثل وزارة الداخلية.

ويرى المراقبون أن الأمر ليس توجها خاصا بالنقابات الأمنية بل هو توجه عام يهدف إلى التصدي للفوضى والإضرابات والاعتصامات والاستهانة بدور الدولة أيا كانت الجهة التي تقف وراء هذه التحركات.

وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيانها الثلاثاء “إنه على إثر ما صدر مؤخرا عن بعض أعوان الأمن من المنتسبين إلى النقابات الأمنية من تجاوزات تمس بالسير العادي للعمل وواجب الانضباط والجدية، وحرصا على تكريس المساواة أمام القانون وصون الحقوق والحريات، تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين وتتبعهم تأديبيا وجزائيا”.

وكانت النقابات الأمنية قد أثارت جدلا بعد أنْ أعلنت أنّ الأمنيين المنضوين تحت لوائها لن يؤمّنوا العروض الخادشة للحياء. وكان الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي شكري حمادة قد قال في تصريح لقي رواجا واسعا “من هنا فصاعدا أي عرض فني يمسّ من الذوق العام سننسحب منه وسنرفض تأمينه؛ الفصل 226 من المجلة الجزائية يجرّم الخدش بالحياء”.

ورسم الرئيس التونسي حدودا واضحة لتحركات النقابات الأمنية من خلال توجيه القوات الأمنية بالالتزام بحماية الأشخاص والممتلكات وتأمين حرية التعبير، وذلك على خلفية انسحاب رجال شرطة من حماية عرض مسرحي في مدينة صفاقس للممثل لطفي العبدلي بزعم أنه تضمّن كلمات وإشارات تخدش الحياء، ما اعتبره الكثير من التونسيين إشارة إلى تغول النقابات وتدخلها في اتخاذ قرارات ليست من مشمولاتها.

ووصف محللون سياسيون موقف الرئيس سعيد بأنه جاء في وقته لطمأنة التونسيين بأن حرية التعبير مضمونة، وبأن الجهاز الأمني مؤسسة في خدمة التونسيين، وليس من صلاحياته اتخاذ قرارات من مشمولات مؤسسات أخرى في الدولة أو المس من قيم الديمقراطية وحرية التعبير بشكل مزاجي.

وأكد الرئيس سعيد خلال استقباله الأربعاء الماضي وزير الداخلية توفيق شرف الدين على أن الحق النقابي بالنسبة إلى الأمنيين حق معترف به دستوريا ولكن الدستور ذاته ينص على أن هذا الحق لا يشمل الإضراب، وأن عدم تأمين أي تظاهرة تحت أي ذريعة كانت هو إضراب مقنّع وإخلال بالواجب المهني.

الأمر ليس خاصا بالنقابات الأمنية بل توجه عام للوقوف ضد الفوضى والإضرابات والاستهانة بدور الدولة

ونوه قيس سعيد بالجهود التي تبذلها قوات الأمن للحفاظ على الأشخاص والممتلكات، وللحفاظ أيضا على حرية التعبير.

وجدد دعوته إلى توحيد نقابات الأمن الداخلي في هيكل واحد يقوم على أساس الانتخاب ويقتصر على الجوانب الاجتماعية دون سواها، لافتا إلى أنه كان قد تقدم بهذا المقترح منذ سنة 2012 لإنشاء هيكل نقابي موحد هو الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي.

وأشار المحللون إلى أن الرسالة التي تضمنها كلام الرئيس سعيد خلال لقائه بوزير الداخلية كانت واضحة، وهي عودة الأمنيين إلى دورهم الطبيعي، والقَطْع مع حالة التسيب الموروثة عن العشرية الماضية، والتي جعلت النقابات الأمنية تلعب دورا أقرب إلى السياسي منه إلى الأمني، وأنه لا أدوار استعراضية للأمنيين سياسيا وقطاعيّا.

ولفتوا إلى أن هناك إشارة دقيقة تفيد بأن قيس سعيد سيحد من أنشطة النقابات الأمنية وسيدفع نحو توحيدها في هيكل واحد بمهمة واضحة وهي الدفاع عن البعد الاجتماعي ومطالب أهل القطاع بعيدا عن الصراعات والأجندات الشخصية.

ورفضت النقابات الأمنية دعوة الرئيس سعيد إلى توحيدها وعبرت في بيان عن معارضتها التدخل في العمل النقابي بأي شكل من الأشكال، في إشارة إلى موقف قيس سعيد.

وقالت نقابة قوات الأمن الداخلي إن “هدف سعيد تركيع النقابات بضمها إلى هيكل واحد وجعلها نقابة إدارية بامتياز تتحكم فيها السلطة”.

وتأسست النقابات الأمنية في 2011 بعد أن أصدر الرئيس الانتقالي الأسبق فؤاد المبزع مرسوما متعلقا بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي وينص على أن “لأعوان قوات الأمن الداخلي الحق في ممارسة العمل النقابي (…) وتكوين نقابات مهنية مستقلة عن سائر النقابات المهنية واتحاداتها”.

1