تونس تحاول تدارك أزمتها المالية بخطة إصلاحية تمتد حتى 2024

فاتورة الأجور والدعم والضرائب وهيكلة الشركات محور الأولويات العاجلة.
الخميس 2022/02/10
دقق جيدا في الحسابات فالوقت ليس في صالحنا

تسعى تونس لتدارك أزمتها الاقتصادية الحادة عبر خطة إصلاحية طموحة تمتد حتى 2024 ويُتوقع أن تكون أحد مفاتيح مفاوضاتها المقبلة مع صندوق النقد الدولي للحصول على خط ائتمان يمنحها متنفسا لكي تعالج الاختلال في توازناتها المالية.

تونس - كشفت وزارة المالية التونسية عن تفاصيل خطة إصلاحية للسنوات الثلاث المقبلة تتمحور حول أربع أولويات عاجلة تتمثل في مراجعة فاتورة الأجور المرتفعة ونظام الدعم الحكومي وإعادة هيكلة القطاع العام والشركات المملوكة للدولة ونظام الضرائب.

ولئن كان توقيت إعلان الخطة متأخرا بالنظر إلى حجم التحديات المالية المتزايدة للبلد، فإن الملاحظين يرون أنها قد تساعد في إرسال إشارات طمأنة للمانحين الدوليين بأن السلطات جادة في إدخال إصلاحات عميقة تخفف أزمات البلاد تدريجيا.

وبحسب وثيقة رسمية نشرتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية فإن الهدف من الخطة يتمثل في “التحكم بشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية للانتعاش الاقتصادي”.

وزارة المالية: هدفنا ضبط التوازن المالي وإعداد أرضية لإنعاش النمو

ويتضمن إصلاح فاتورة الرواتب ثلاث ركائز، الأولى تتعلق بعدم الزيادة في الأجور وتجميد التوظيف في القطاع العام وحصره في قطاعات معينة، مع مراجعة الاتفاقية المبرمة في فبراير الماضي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد.

أما الركيزة الثانية فتتعلق بإطلاق برنامج لتسريح موظفي القطاع العام يشمل التقاعد المبكر مع إمكانية استحداث برنامج للمغادرة الطوعية. وتتعلق الركيزة الثالثة بتطوير التصرف في الموارد البشرية وفي نظام التأجير.

وتحذر الوثيقة من أن فاتورة الأجور ستواصل اتباع منحى تصاعدي سيزيد من إثقال الموازنة العامة إن لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات.

وتظهر البيانات الرسمية أن فاتورة الأجور بلغت العام الماضي نحو 20.3 مليار دينار (7.1 مليار دولار)، أي ما يعادل 59 في المئة من موارد الموازنة، مقارنة مع نسبة تقدر بحوالي 53 في المئة خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2010 و2019.

ويشكل قرار رفع الدعم، والذي يعد من أبرز مطالب المانحين الدوليين وخاصة صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج إصلاح مؤلم لتعديل أوتار الاختلالات المالية، بندا من بنود الخطة.

ورغم أن هذا البند ليس بحجم الإنفاق على فاتورة الرواتب الذي يلتهم ثلث الموازنة كل عام، فإن تقليص الدعم يمكن أن يوفر أموالا للدولة هي في أمس الحاجة إليها.

واعتبرت الوثيقة أن إصلاح نظام الدعم لا يكون إلا عبر إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض عبر المرور من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر “مما يمكّن من توفير اعتمادات إضافية موجه للاستثمار العام”.

وسيستهدف برنامج دعم الوقود بلوغ الأسعار الحقيقية بحلول العام 2026 مع اتخاذ إجراءات موازية لحماية الفئات الفقيرة وتطوير قطاع الطاقة عبر مواصلة تطبيق التعديل الآلي للأسعار بالنسبة إلى المشتقات النفطية.

وتتضمن الخطوة رفعا تدريجيا لدعم الوقود بتعديل جزئي للأسعار في مرحلة أولى ثم رفع الدعم كليا مع تخصيص تحويلات مباشرة لفائدة المستحقين، إضافة إلى إرساء التعديل الآلي للأسعار بصفة دورية ومحددة حسب الاستهلاك بالنسبة إلى الكهرباء والغاز.

أما بالنسبة إلى دعم السلع الأساسية فتقترح الخطة اعتماد نظام جديد يرتكز على دعم الأجور والتحويلات النقدية المباشرة للمستحقين وفق مسار يمتد إلى 2026.

الأجور تثقل عاتق الدولة
الأجور المرتفعة تثقل عاتق الدولة

وكانت وزيرة التجارة فضيلة الرابحي قد قالت الأسبوع الماضي إن “البدء بمراجعة نظام الدعم الحكومي سيكون بعد 2022”. وأكدت أنه يجري التحضير لذلك عبر إجراءات مثل تحديد بيانات الفئات المستهدفة على منصات إلكترونية.

وخلال العشرية الأخيرة التهم بند الدعم نحو 1.24 مليار دولار في المتوسط منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود من موازنة سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار.

ومع أن هذه المخصصات تبدو ضئيلة لأنها لا تشكل إلا 12 في المئة تقريبا من حجم الموازنة قياسا ببنود أخرى إلا أنها باتت تثقل كاهل الدولة التي لم تعد لديها مصادر دخل مستقرة.

وتكمن مشكلة نظام الدعم الحالي في غياب الحوكمة وعدم القدرة على إدارة أموال الدعم بحيث يتم توجيهها بكفاءة وفاعلية إلى الطبقة الفقيرة بشكل مباشر.

وتؤكد تقارير محلية استنادا على بيانات المعهد الوطني للاستهلاك أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وهذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة وتزيد من الشكوك حولها.

ويبدو أن التحدي الأبرز أمام الحكومة هو فتح ورشة كبيرة لإعادة هيكلة شركات القطاع العام والتي تبلغ نحو 216 كيانا تعمل في نحو 21 قطاعا تشمل الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات كالنقل والاتصالات والكهرباء والماء وغيرها.

وقالت الوثيقة إن “الوضعية الحالية للمؤسسات والمنشآت العامة، التي باتت تشهد تدهورا لوضعيتها المالية وارتفاعا لحجم ديونها وما له من انعكاسات اقتصادية ومالية واجتماعية محتملة، تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة”.

الوثيقة الرسمية التي نشرتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية تنص على ضرورة “التحكم بشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية للانتعاش الاقتصادي”

وتتضمن خارطة طريق إصلاح الشركات ثلاثة اتجاهات رئيسية، الأول مراجعة مساهمة الدولة في رأس مال تلك الكيانات مع بيع حصصها غير الاستراتيجية فيها، إلى جانب تعزيز دور الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

كما ستقوم الحكومة بالعمل على تسوية ديون الشركات ضمن الاتجاه الثاني، الذي ستعتمد من خلاله تدابير تشمل إعادة تقييم الأصول والتخلص من الأصول غير الضرورية، إضافة إلى إرساء سياسة لتغطية مخاطر السوق مع منح ضمانات.

وتعتبر إعادة النظر في شروط تعيين المديرين التنفيذيين وكذلك الفصل بين وظائف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام وتطوير قوانين استقدام الموظفين وإنشاء نظام ترقية ومكافآت قائم على أساس الكفاءة والجدارة والأهداف من أهم بنود الاتجاه الثالث.

وسيكون الإصلاح الضريبي من بين محاور الخطة والتي يتوقع أن تُحسن قدرة الدولة على تعبئة الموارد مع تعزيز رقمنة الإدارة لقطع الطريق أمام عمليات فساد محتملة مستقبلا.

وذكرت الوثيقة أنه تم تحديد حزمة تدابير للتوجه نحو نظام ضريبي أكثر كفاءة وإنصافا من خلال السعي لتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ودمج السوق الموازية في القنوات الرسمية بما يحسن مناخ الأعمال.

ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ عجز الموازنة التونسية هذا العام نحو 5 في المئة نزولا من 7.6 في المئة العام الماضي، لكنه حذر من أنه سيعود إلى الارتفاع في العام المقبل ليصل إلى 7 في المئة.

وثمة مؤشرات تدل على أن تعافي الاقتصاد التونسي سيتباطأ هذا العام بعدما سجل نموا في 2021 بنحو 3 في المئة، وسط قلق متزايد من ارتفاع نسبة البطالة.

11