تونس تحارب الاتجار بالبشر في ذكرى إلغاء العبودية

تقرير هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص يقر زيادة في الانتهاكات، وتوصيات بنشر ثقافة مكافحة الاتجار بالبشر في المجتمع.
الخميس 2019/01/24
لا كرامة في غياب عدم المساواة

اختارت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص في تونس تقديم تقريرها السنوي الثاني بالتزامن مع احتفال البلاد بالذكرى 143 لإلغاء العبودية، ويأتي ذلك بعد إقرار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي يوم 23 يناير من كل عام يوما وطنيا لإحياء ذكرى إلغاء الرق والعبودية في البلاد. لكن المعطيات التي كشفت عنها الهيئة تبين ارتفاعا ملحوظا في ممارسات الاتجار بالبشر والتي تقول الهيئة إنها لا تعني ارتفاعا في الممارسات بقدر ما تعني نسقا تصاعديا في تلقي الإشعارات.

تونس - أثبتت تونس عزمها الجاد في مكافحة كل أشكال الاتجار بالبشر بوضع الآليات اللازمة لذلك والتي تمكنها من رصد هذا النوع من الانتهاكات مما يساعدها في تنفيذ برامج التصدي لها التي دشنتها منذ فترة بإحداث هيئة وطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والتي قدمت الأربعاء تقريرها السنوي الثاني تزامنا مع إحياء البلاد لذكرى إلغاء العبودية.

تترجم تونس التزامها بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي تنخرط في حرب معلنة ضد كل الممارسات التي تندرج في إطار الاتجار بالبشر باعتباره جريمة ضد كرامة الإنسان وسلامته وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.

وأكد وزير العدل التونسي محمد كريم الجموسي، في كلمة ألقاها خلال ندوة خصصت لعرض التقرير السنوي لهيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص، أن الاتجار بالبشر جريمة تستوجب زجر مرتكبيها ودعم الجهود المحلية والدولية للتصدي لهذه الظاهرة وحماية الضحايا.

ويأتي تقديم تقرير هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص بالتزامن مع احتفال تونس بالذكرى 143 لإلغاء العبودية وهي من الدول الأولى على مستوى العالم التي أقدمت على هذه المبادرة.

وأقر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الثلاثاء، يوم 23 يناير من كل عام يوما وطنيا لإحياء ذكرى إلغاء الرق والعبودية في تونس. قرار الرئيس السبسي كان استجابة لطلب تقدمت به الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص.

التونسيون أغلب الضحايا الذين تعهدت بهم الأجهزة الأمنية، يليهم مباشرة المهاجرون من الجنسية الإيفوارية

وفي أكتوبر الماضي، أقرت تونس قانونا جديدا بموجبه تم تجريم كل أشكال التمييز والعنصرية.

وورد في التقرير السنوي الثاني للهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص في تونس أن عدد ضحايا الاتجار بالأشخاص خلال العام الماضي بلغ 780 ضحية، وهو ما يعني ارتفاعا في عدد هذه الحالات بنسبة 5.1 بالمئة مقارنة بالعام السابق، عندما كان العدد 742 حالة.

واستندت هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص على معطيات رسمية في رصد الحالات المتضررة من هذه الممارسات. وبين التقرير أن 578 ضحية من الفتيات والنساء أي بنسبة 74.1 بالمئة من ضحايا الاتجار بالأشخاص خلال العام الماضي وهو ما يعني ثلاثة أرباع الضحايا.

وفي نفس الفترة تم تسجيل 377 طفلا ضحية اتجار بهم، ما يعني نسبة 48 بالمئة من الحالات التي وثقها تقرير الهيئة.

ويبرز التقرير أن 3 من أصل 7 حالات اتجار بالأشخاص تتعلق بالرعايا الإيفواريين، وأرجع التقرير سبب ذلك إلى  مشاركتهم الكبيرة في التشغيل القسري.

جريمة يضبطها القانون

3 من أصل 7 حالات اتجار بالأشخاص تتعلق بالرعايا الإيفواريين
3 من أصل 7 حالات اتجار بالأشخاص تتعلق بالرعايا الإيفواريين

أقرت تونس قانونا خاصا ينص على منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته في العام 2016، حيث قدمت تعريفا واضحا لهذه الجريمة يفيد بأنها “استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه”.

كما أن “استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيا كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله”، يعتبر كذلك ضمن جريمة الاتجار بالأشخاص.

ومن بين المجالات التي يمكن أن يتم فيها استغلال الأشخاص نشاطات الدعارة والتسول والعمل قسرا والاسترقاق أو كل ممارسة شبيهة بالرق والعبودية، ونزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأجنة.

ويتصدر التشغيل القسري قائمة جرائم الاتجار بالأشخاص في تونس خلال العام الماضي، حيث يمثل نسبة 49 بالمئة من مجموع هذه الجرائم يليه الاستغلال الاقتصادي بنوعيه الأنشطة الهامشية والتسول بنسبة 34.1 بالمئة. وفي المرتبة الثالثة يأتي الاستغلال الجنسي بنسبة 11.9 بالمئة، ثم أخيرا استخدام الطفل في أنشطة إجرامية بنسبة 5 بالمئة.

التقرير يعتبر الفشل والتسرب المدرسي سببا وأرضية لتعريض الطفل لخطر الاستغلال الجنسي والاقتصادي والانحراف

وتراجع عدد الأطفال المستغلين في التسول، وفق التقرير الذي يفسر ذلك بتركيز السلطات الرسمية على مشكلة استغلال الأطفال خاصة في التسول خلال العام الماضي، والتصدي له. كما تراجع الاستغلال الجنسي للأشخاص خلال العام الماضي مقارنة بعام 2017.

فيما ارتفع عدد الأشخاص المستغلين اقتصاديا في أنشطة هامشية وفي التشغيل القسري، وهو ما لا يعني بالضرورة ارتفاعها في الممارسات وفق تقرير الهيئة بل يعكس تطورا في عدد الإشعارات.

وأحدثت تونس الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص بموجب القانون المتعلق بتجريم هذه الظاهرة. ومن صلاحيات هذه الهيئة وضع استراتيجية وطنية لمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته واقتراح الآليات الكفيلة بتنفيذها، إلى جانب تنسيق الجهود لتطبيق إجراءات حماية الضحايا والشهود والمبلغين. كما أوكلت إلى الهيئة مهمة تلقي الإشعارات حول عمليات الاتجار بالأشخاص وإحالتها على الجهات القضائية المختصة، بالإضافة إلى جمع المعطيات والإحصائيات المتعلقة بالاتجار بالأشخاص لإحداث قاعدة بيانات في هذا الشأن. ومن مهام الهيئة أيضا اقتراح الآليات والإجراءات الكفيلة بالحد من الطلب الذي يحفز جميع أشكال استغلال الأشخاص، ونشر الوعي الاجتماعي بمخاطر الاتجار بهم.

ملفات بيد السلطات

تقرير الهيئة يحتفي بوثيقة إلغاء الرق في تونس
تقرير الهيئة يحتفي بوثيقة إلغاء الرق في تونس

تعهدت الأجهزة الأمنية بـ383 ضحية اتجار بالبشر من بينهم 39 ضحية تم استغلالها جنسيا، وهو ما يعني نسبة 10.2 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا. فيما بلغ عدد ضحايا التشغيل القسري 211 ضحية بنسبة 55 بالمئة من مجموع الضحايا، الذين تعهدت بهم وزارة الداخلية. وفي مجال الاستغلال الاقتصادي تولت السلطات الأمنية ملف 126 طفلا ضحية أي بنسبة تقدر بـ32.9 بالمئة والممارسات الشبيهة بالرق كاستغلال الأطفال في أنشطة إجرامية (7 ضحايا وهو ما يعني نسبة 1.9 بالمئة).

وبحسب تقرير الهيئة يمثل التونسيون أغلب الضحايا الذين تعهدت بهم الأجهزة الأمنية، حيث بلغ عددهم  211 ضحية أي بنسبة 55.1 بالمئة مقابل 172 ضحية أجنبية أغلبهم من الجنسية الإيفوارية. كما تم تعهد نفس الأجهزة بـ16 ضحية أجنبية في مجال التشغيل القسري بأحد الملاهي الليلية من الجنسية الروسية والأكرانية والبلاروسية بالإضافة إلى ضحية من الجنسية الكوبية.

وذكر التقرير أن عدد المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر بلغ 301 متورط خلال العام 2018 من بينهم 199 معروفون لدى السلطات الأمنية.

وبحسب البيانات الرسمية المتوفرة فإن 4 شركات توظيف تورطت في جرائم التشغيل القسري، من بينها إرسال فتيات للعمل في بلد عربي بعقود وهمية ليتم بعد ذلك استغلالهن جنسيا واقتصاديا أو التحرش الجنسي بهن، إلى جانب نشر عروض شغل بطرق غير قانونية ومشبوهة.

ويقر القانون التونسي عقوبات زجرية تجاه من تورطوا مباشرة في جرائم الاتجار بالأشخاص، تتمثل في أحكام بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامات مالية تقدر بخمسين ألف دينار (ما يعادل 18 ألف دولار). وتشمل الأحكام القضائية والعقوبات الزجرية المتورطين في الجريمة بشكل غير مباشر كالتحريض على ارتكاب الجريمة مثلا.

ووفق القانون المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص “تكون العقوبة أقسى إذا كانت الضحية طفلا أو امرأة حاملا أو شخصا فاقد للأهلية أو صاحب إعاقة”.

وتلقت وزارة المرأة والأسرة 429 إشعارا بالاستغلال الجنسي للأطفال ذكورا وإناثا خلال العام الماضي، بحسب تقرير الهيئة السنوي، بالإضافة إلى 22 إشعارا بشأن استغلال الأطفال في الإجرام المنظم، في حين بلغ عدد الإشعارات بتعريض أطفال للتسول أو استغلالهم اقتصاديا 102.

وبهدف التصدي لاستغلال الأطفال وغيره من الممارسات التي تنضوي ضمن الاتجار بالأشخاص، أعدت وزارة المرأة استراتيجيات لتنمية الطفولة المبكرة وحماية الأطفال من مخاطر سوء استعمال الإنترنت والتصدي للعنف المسلط على الطفل داخل الأسرة.

عدد المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر بلغ 301 متورط خلال العام 2018 من بينهم 199 معروفون لدى السلطات الأمنية

كما اعتمدت الوزارة استراتيجيات للتمكين الاقتصادي للمرأة في المناطق الريفية، إلى جانب ضمان مشاركة الفتيات والنساء في الحياة العامة، وكذلك مناهضة التمييز والعنف ضد المرأة والتمكين الاقتصادي للأسر ذات الوضعيات الخاصة أو المهاجرة.

من جانبها، تشارك وزارة التربية في الخطة التي وضعتها الحكومة لمكافحة الاتجار بالأشخاص بمعالجة مشكلات الفشل المدرسي أو الانقطاع المبكر عن الدراسة. ويعتبر تقرير هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص التسرب المدرسي أرضية لتعريض الطفل لخطر الاستغلال الجنسي والاقتصادي والانحراف واستغلاله من قبل العصابات المنظمة في أعمال التسول وترويج المخدرات والدعارة، بالإضافة إلى أنه من بين أبرز أسباب انتشار الأمية وفشل الاندماج في سوق الشغل.

يذكر أن تونس انضمت في العام الماضي إلى اتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص. وأفاد بيان لوزارة العدل صدر تعليقا على موافقة مجلس وزراء مجلس أوروبا على طلب تونس بالانضمام للاتفاقية بأن “هذه الخطوة جاءت بفضل الجهود التي بذلتها الجمهورية التونسية في مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص”.

وإلى جانب قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته وإحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، عززت تونس مبادراتها في هذا الشأن بإرساء الهيئة استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الاتجار بالأشخاص.

وتهدف اتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة الاتجار بالبشر إلى الوقاية من هذه الممارسات وحماية الضحايا ومتابعة المتاجرين قضائيا والنهوض بتنسيق الأنشطة الوطنية والتعاون الدولي. وتشمل الاتفاقية مختلف أشكال الاتجار بالبشر سواء على مستوى وطني أو على المستوى العابر للحدود، إلى جانب أنها تعالج كل أشكال الاستغلال جنسيا كان أو عملا قسريا أو رقا أو استعبادا أو استئصالا للأعضاء ونزعها.

ويحق لضحايا الاتجار بالبشر وفق هذه الاتفاقية الحصول على المساعدة القانونية والمعلومات المتعلقة بحقوقهم باللغة التي يفهمونها. كما يمكن إصدار رخصة إقامة قابلة للتجديد لفائدة الضحايا إذا كان وضعهم الشخصي يتطلب ذلك أو إذا كانوا بحاجة إلى البقاء في البلاد من أجل التعاون مع السلطات في التحقيق في جريمة الاتجار بالأشخاص.

الاتجار بالبشر هو الاستغلال
الاتجار بالبشر هو الاستغلال

وتوفر الاتفاقية حماية الحياة الخاصة وهوية الضحايا والحماية أثناء التحقيق والإجراءات القضائية والحصول على التعويضات والإعادة إلى الوطن والعودة.

وتمنح للأطفال ضحايا الاتجار بالبشر علاوة على الحقوق المذكورة سابقا حقوقا أخرى وفقا لظروفهم الخاصة واحتياجاتهم. كما لا تقع إعادتهم إلى وطنهم إلا إذا كان ذلك من أجل المصلحة العليا للطفل.

وتبين اتفاقية مجلس أوروبا الفرق بين الاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص، فإذا كان الهدف من وراء تهريب البشر هو النقل غير المشروع عبر الحدود من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مادية أخرى، فإن الغرض من الاتجار بالبشر هو الاستغلال. علاوة على  ذلك فإن الاتجار بالبشر لا ينطوي على عبور الحدود، بل يمكن أن يتم داخل البلد الواحد.

وبمناسبة تقديم التقرير السنوي لهيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص، أكدت رئيسة الهيئة روضة العبيدي أن الهيكل الذي تشرف عليه يشكو من قلة الإمكانيات التي لا تسمح بإنجاز المهام الموكلة له على أحسن وجه. ويوصي التقرير السنوي للهيئة لعام 2018 بتفعيل ما نص عليه القانون المحدث للهيئة وتخصيص الاعتمادات المالية اللازمة للهيئة.

كما يطالب بالإسراع في سن القانون المتعلق بمؤسسات التوظيف بالخارج، واستكمال المصادقة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص ومن بينها اتفاقية حقوق اللاجئين وأسرهم والاتفاقية الدولية للعمل المتعلقة بحماية الأمومة والاتفاقية المتعلقة بالعمل المنزلي واتفاقية تفقدية الشغل في القطاع الفلاحي.

ويوصي التقرير كذلك بنشر ثقافة مكافحة الاتجار بالأشخاص في المؤسسات التربوية وفي كل مناطق البلاد. كما تطالب الهيئة بالتسريع في سن الأمر الحكومي المتعلق بمجانية العلاج لضحايا الاتجار بالأشخاص.

13