تونس تتوجس من دور غربي بالضغط الدبلوماسي أو عبر العمل الجمعياتي

تونس – ندّد الرئيس التونسي قيس سعيّد الخميس بما اعتبره “تدخلا سافرا” في شؤون بلاده، عقب انتقادات أوروبية وأميركية لتوقيفات طالت محامين وإعلاميين، ما يكشف عن توجس تونسي من ضغوط غربية بشكل مباشر من خلال البيانات والتصريحات أو من خلال تحريك الجمعيات.
وكشف حديث الرئيس التونسي في لقائه ليل الأربعاء – الخميس كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج منير بنرجيبة، ودعوته إلى تحذير السفراء الأجانب، عن توجه تونسي إلى التصعيد في ملف لا يقبل فيه قيس سعيد التدخلات الخارجية ويعتبرها مسا من السيادة الوطنية.
وقال قيس سعيد “ادع في أقرب الأوقات سفراء عدد من الدول وممثلي بعض الجهات في تونس وبلّغهم احتجاجا شديد اللهجة بأن ما يفعلونه هو تدخل سافر في شؤوننا الداخلية وبلّغهم أن تونس دولة مستقلة متمسكة بسيادتها”.
وتابع “لم نتدخل في شؤونهم عندما اعتقلوا المحتجين… لأنهم نددوا بحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”، مضيفا “بلّغهم بكل وضوح بأن تونس لم تصب بالقلق ممن صرح بأنه يشعر بالقلق فسيادتنا حقيقة وليست حبرا على ورق”.
واقتحمت الشرطة التونسية الاثنين مقر هيئة المحامين للمرة الثانية خلال 48 ساعة واعتقلت المحامي مهدي زقروبة بعد اعتقال المحامية سنية الدهماني على خلفية إدلائها بتصريحات ساخرة حول الوضع في البلاد على صلة بظاهرة الهجرة غير النظامية.
وشملت التوقيفات كذلك المعلّق مراد الزغيدي ومقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية برهان بسيّس نهاية الأسبوع الفائت إثر تصريحاتهم وتدويناتهم المنتقدة للوضع في البلاد.
وكان تصعيد الخطاب الرسمي متوقعا ليس فقط من قبَل التونسيين، الذين يعرفون حساسية قيس سعيد تجاه التدخلات الخارجية، وإنما أيضا من طرف الدوائر الدبلوماسية الغربية التي بادرت إلى انتقاد التوقيفات الأخيرة.
وسبق أن أعاد الرئيس سعيد الخطاب نفسه الرافض لأيّ تدخل خارجي في شؤون تونس، وذلك عقب لقائه بمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف حين زارت تونس، حيث أكد “تمسّك تونس بسيادتها ورفض التدخل في شؤونها الداخلية”، معربا عن “الاستياء من التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الأميركيين في المدّة الأخيرة”.
رد فعل الغرب على التوقيفات موقف روتيني لا يتجاوز البيانات والتصريحات التي يدلي بها مسؤولو الصف الثاني
وعبّر الاتحاد الأوروبي الثلاثاء عن قلقه إزاء موجة اعتقالات طالت عدة شخصيات من المجتمع المدني وصحافيين وناشطين سياسيين في تونس، وطالب بتوضيحات.
وأعربت فرنسا عن “قلقها” بعد توقيف المحامية الدهماني بتهمة نشر “معلومات كاذبة بهدف الإضرار بالسلامة العامّة” وفق وسائل إعلام تونسية.
وفي واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إن المداهمات “تتعارض مع ما نعتقد أنها حقوق عالمية مكفولة صراحة في الدستور التونسي وكنا واضحين بشأنها على جميع المستويات”.
وقلل مراقبون من رد فعل الأوروبيين والأميركيين على كلام تونس، معتبرين أن موقفهم من توقيف محامين وإعلاميين هو تسجيل موقف روتيني ليس أكثر، وأن من الصعب أن يتجاوز البيانات أو التصريحات التي يدلي بها مسؤولو الصف الثاني، وأن قيس سعيد يتصرف وفق هذه القناعة.
والولايات المتحدة مشغولة بمسائل أهم منها الترتيبات الأمنية في شمال أفريقيا وتمركزات روسيا في ليبيا ودول جنوب الصحراء، وتحتاج إلى تونس في مقاربتها الأمنية وفي أنشطة القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).
أما أوروبا فإن ما يهمها هو أن تونس طرف رئيسي في مقاربتها لمواجهة الهجرة غير النظامية، وهي تعمل على إقناع قيس سعيد بتعاون أكبر من خلال وعود الدعم والتمويلات الخاصة بتحسين كفاءة قوات الأمن التونسية في مواجهة تدفقات المهاجرين، وليس من مصلحتها إرباك هذا التوجه من أجل موضوع ثانوي.
ويمكن أن يلجأ الغرب إلى الضغط عبر الجمعيات من خلال تنويع التقارير والانتقادات وتحويل الأحداث والمواقف المعزولة إلى توجه، مثل الحملة التي شُنت على تونس بسبب المهاجرين الأفارقة واتهامها بالعنصرية كما حصل قبل عام. لكن ذلك لن يوقف قيس سعيد الذي ينظر إلى هذه الجمعيات على أنها جزء من مؤامرة خارجية لاستهداف تونس، وسيكون الهدف الأول هو مراقبة التمويلات، وهو ما طلبه الرئيس التونسي من وزيرة المالية الأربعاء.
ويلاقي موقف قيس سعيد المتشدد تجاه الضغوط الخارجية، وخاصة موضوع التمويلات، دعما شعبيا واسعا، ما يسهّل عليه فتح ملف الجمعيات.
وبلغت القيمة الجملية للتمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها جمعيات تونسية حوالي 316.2 مليار دينار (الدولار يساوي 3.1 دينار) بين سنتي 2011 و2023، وفق ما تم الكشف عنه خلال لقاء الرئيس سعيد بوزيرة المالية سهام البوغديري نمصية الأربعاء بقصر قرطاج، استنادا إلى لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي.
وقال الرئيس سعيد إن “هذا الرقم لا يتعلق إلا بالجمعيات التي تحصلت على مبالغ من الخارج تفوق 500 ألف دينار، وهذه الأموال التي توزع في تونس فضلا عن الأموال التي دخلت خلسة”.
وأضاف “حتى يعلم الشعب التونسي أي تدخل في شؤوننا باسم المجتمع المدني”، متابعا “مرْحبا بالمجتمع المدني، ولكن لا نريد مجتمعا مدنيا يمثل امتدادا لقوى ودول من الخارج ويجب ضبط الأمور في هذا المستوى”.
وشهدت تونس طفرة في تأسيس الجمعيات منذ 2011 من 9 آلاف جمعية إلى أكثر من 23 ألف جمعية في السنتين الأخيرتين حسب إحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، أغلبها ذات توجهات يمينية، كما توجد قرابة 15 ألف جمعية يصعب التثبت في مصادر تمويلها.
وبلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية، منها 155 جمعية مقرها في ولاية (محافظة) تونس و14 جمعية في ولاية أريانة، فيما تتوزع بقية الجمعيات الأجنبية على ولايات أخرى.
وأكد قيس سعيد في تصريحات سابقة أن إحدى المنظمات تحصلت على تمويلات من الخارج بقيمة 7.615 مليون دينار (2.5 مليون دولار) من 2016 إلى 2023 باسم المجتمع المدني، مُقِرّا بحدوث العديد من التجاوزات في ملف الجمعيات ما يهدد السيادة الوطنية.