تونس تتطلع إلى توسيع دروب التنمية مع أسواق أفريقيا

تعلق تونس آمالا على مؤتمر الاستثمار والتجارة في أفريقيا في نسخة 2023 لتعزيز حضورها ضمن دائرة اهتمام المستثمرين من القارة، حيث تسعى إلى رسم صورة جديدة لها بالترويج لمناخ الأعمال خلال هذا الحدث لدى شركائها في القارة مع تعزيز التجارة.
تونس - تراهن تونس على إعطاء شراكاتها مع قارة أفريقيا جرعة تحفيز جديدة لإنعاش اقتصادها المتعثر ومعالجة مشاكل الاستثمار التي تواجه المشاريع في فترة يتسم فيها الاقتصاد العالمي بالكثير من التقلبات بفعل انعكاسات التوترات السياسية والتغيرات المناخية.
ويعمل المسؤولون بكل جهد لطي صفحة الخمول في تنمية الاستثمارات لاستغلال موقع تونس في القارة على النحو الأمثل لمنافسة المغرب، بهدف الدخول في أسواق دول وسط وجنوب أفريقيا وعدم الاقتصار على الشريك التقليدي الاتحاد الأوروبي.
ومنذ سنوات تتعالى الأصوات المنادية بالتقليص من التبعية للأسواق الأوروبية، وأيضا تركيا، والتوجه إلى فتح أسواق جديدة صاعدة كأفريقيا والصين.
واحتضنت العاصمة التونسية على مدار يومين الدورة السادسة لمؤتمر تمويل الاستثمار والتجارة في أفريقيا بتنظيم من مجلس الأعمال التونسي - الأفريقي، في خطوة تعكس طموح البلد لتعزيز حضوره الاقتصادي في القارة وربط شراكاته التجارية مع أسواقها الصاعدة.
ويهدف المنتدى الذي جاء هذا العام تحت شعار “أفريقيا في مواجهة الأزمة العالمية ودور القطاع الخاص في التحول الاقتصادي المستدام والمندمج” إلى معالجة إشكاليات التمويل التي تواجه الشركات والمشاريع الأفريقية الناشئة.
ويتطلع المشاركون إلى تقديم حلول تمويل فعالة توفرها الصناديق الاستثمارية والقطاع المصرفي وبنوك التنمية لإنعاش الاقتصادات الأفريقية لاسيما بعد تعثر التمويل والأزمات التي خلفتها الجائحة ثم الحرب في أوكرانيا.
واعتبر أنيس الجزيري رئيس مجلس الأعمال التونسي - الأفريقي الذي تأسس عام 2015 بغية وضع أفريقيا ضمن أولويات اهتمامات الحكومة التونسية، أن الدورة تأتي في ظرف محلي وعالمي استثنائي يتسم باضطرابات متعددة وأزمات اقتصادية عديدة.
وقال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية “نهدف إلى توجيه العديد من الرسائل منها إعادة الأمل لشباب أفريقيا العاطلين عن العمل”، وحث هؤلاء على البقاء في بلدانهم ومواجهة مختلف المشاكل والتحديات.
وشهدت الدورة التي اختتمت فعالياتها الخميس مشاركة حوالي 750 رجل أعمال أجنبيا و70 عارضا، وتم خلالها عقد أكثر من ألفي لقاء ثنائي لمناقشة سبل زيادة التصدير وتطوير المؤسسات التونسية عبر موقعها في القارة.
وقال كاتا كاسونغو دولي الذي يمثل إحدى المنظمات الاقتصادية من الكونغو الديمقراطية إن “المبادلات التجارية بين مختلف دول القارة مهمة جدا”.
وأضاف “أفريقيا جنة مستقبل العالم ويجب توجيه الاستثمارات إليها”. وأكد أن من المهم أن يتم تنظيم هذا الملتقى في بقية قارات العالم للترويج للفرص التي تتيحها أفريقيا.
واعتبر الهادي بن عباس ممثل غرفة التجارة والصناعة التونسية – اليابانية أن “تنظيم حدث من هذا النوع يعيد تونس إلى الساحة الأفريقية بشكل كبير”.
وقال إن “الأفارقة عليهم أن يدركوا أن تونس جزء مهم من القارة، كما أن على رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين التوغل أكثر في أسواق القارة بالنظر إلى القيمة المضافة التي يمكن تسويقها هناك”.
ويسعى مجلس الأعمال المشترك إلى تطوير ومرافقة أعمال المؤسسات التونسية للتمركز في القارة ودفع المبادلات التجارية مع الشركاء الأفارقة قدما.
ورصد المجلس إقامة 160 شركة تونسية أعمالا لها في كوت ديفوار بعد أن كانت 20 قبل ثماني سنوات، مع وجود أرقام ملفتة متعلقة بالاستثمارات التونسية في كل من السنغال والكاميرون.
ومع ذلك لا يزال الانتشار التونسي في أفريقيا ضعيفا بسبب العديد من العوامل التي انتقدتها الأوساط الاقتصادية مرارا رغم وجود فائض تجاري بأكثر من مليار دينار (450 مليون دولار) لصالح تونس.
وشدد الجزيري على أن تونس بإمكانها المساهمة في تطوير العلاقات الاقتصادية مع دول جنوب الصحراء، وتفادي الصعوبات القائمة منها غياب خط بحري مباشر يربطها بكوت ديفوار والسنغال، وتلك المتصلة بقانون الصرف.
واضطرت الحكومة التونسية مطلع هذا العام إلى البحث عن مسار جديد لتغيير قانون الصرف بعد تزايد الضغوط من أصحاب الأعمال لتخفيف قيود تحويل الأموال إلى الخارج لإنعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار الأجنبي.
ويشكل القانون الحالي عقبة كبيرة، وبالتالي باتت السلطات أكثر إدراكا بأهمية تحفيز المستثمرين بالسماح بتحويل أموالهم دون قيود.
ومع ذلك لا يوجد حتى الآن ما يوحي بأن ثمة اختراقا جوهريا، وهو ما يرجعه البعض إلى كمية المناقشات والتعديلات التي يجب أن تحظى بموافقة كافة المتداخلين في هذه الملف.
وتتمثل عوامل الضعف أيضا في نقص التغطية الدبلوماسية لدول القارة، وكذلك الربط الجوي الذي يرى خبراء أنه لا بد أن يتدعم من خلال زيادة وجهات الخطوط التونسية الحكومية.
ويبلغ عدد السفارات التونسية في أفريقيا، التي تضم 54 بلدا، 15 سفارة فقط، بعد أن تم فتح سفارتين في كل من كينيا وبوركينا فاسو في نوفمبر 2016.
ويتمثل العامل الثالث في دفع البنوك التونسية إلى تركيز فروع لها في أفريقيا خاصة أن المغرب يقوم بالاستحواذ على البنوك الأفريقية، وهو ما يسهّل الصادرات والمعاملات التجارية مع القارة.
وتتوخى تونس إستراتيجية أكثر انفتاحا على أسواق القارة بعد دخولها السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) التي تضم 480 مليون نسمة، من بينها خط بحري و13 خطا جويا مباشرا إلى وجهات مع القارة.
وتعد الكوميسا، التي انضمت إليها تونس صيف 2018، واحدة من أبرز الأسواق المشتركة التي تغطي 19 بلدا من دول شرق أفريقيا، وتنص الاتفاقية الإطارية على تحرير المنتوجات الزراعية والصناعية والخدمات، بين الدول الأعضاء.
ويتيح انضمام تونس إلى هذا التكتل الاقتصادي تصدير منتجاتها في قطاعات، كالصناعات الغذائية وصناعة الأدوية ومواد البناء والإنشاء والصناعات الميكانيكية والكهربائية.
وحتى الآن لا يتجاوز حجم التجارة التونسية مع دول القارة نحو 2.7 في المئة من حجم المبادلات التجارية، بينما تبلغ أكثر من 50 في المئة مع دول أوروبا، وفق مركز النهوض بالصادرات.
وأكد الجزيري أن الاقتصاد التونسي بإمكانه تحقيق ما بين 5 و10 في المئة من حجم المبادلات الاقتصادية مع أسواق أفريقيا جنوب الصحراء، التي تهتم بشكل مطرد بالسلع التونسية.
وكانت تونس قد أقرت خلال 2017 برنامجا للنهوض بالصادرات في اتجاه أسواق أفريقية جديدة يهدف إلى دعم نفاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى القارة في إطار شراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي.