تونس تبدأ طريقا طويلا لإشاعة منظومة النقل الذكي

قطاع النقل يتلمس خطواته في مجال النقل الذكي من خلال إدراج كاميرات مراقبة داخل الحافلات لضمان أمن المسافرين والموظفين.
الاثنين 2019/07/08
جيل جديد من الحافلات

لا تخفى المشكلات التي تعانيها وسائل النقل العمومية في تونس عن المسؤولين ولا على المواطنين، ولمواجهة التحديات المختلفة يوفر التطور التكنولوجي فرصا كبيرة لتونس حيث بدأت في تركيز منظومة إلكترونية تساعدها على تحسين خدمات وسائل النقل، من بينها إتاحة خدمة الإنترنت المجاني داخلها وضمان أكبر قدر ممكن من السلامة لموظفي شركات النقل وللمواطنين إلى جانب السيطرة على ظاهرة عدم دفع ثمن خدمة النقل.

تونس – لا تزال تونس تتلمس خطواتها في مجال النقل الذكي حيث بدأت للتو في تثبيت تقنيات حديثة تمكن السلطات من مراقبة أداء وسائل النقل وتسيير حركة النقل ومراقبة المحطات.

وتستجيب هذه التقنيات لتطلعات المسؤولين من أجل مجابهة المشكلات المالية والتنظيمية التي تؤرقهم إلى جانب تأمين وسائل النقل وتوفير خدمات بجودة عالية للمسؤولين.

ورغم كل الجهود تبقى هناك أشواط كثيرة لقطعها في سبيل تحسين مستوى خدمات وسائل النقل العمومية في هذا البلد الصغير الواقع في شمال أفريقيا والذي يعيش تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة ومؤثرة على كل القطاعات وحتى على أسلوب عيش التونسيين.

وبداية الشهر الحالي، تم  إدراج عدد من الحافلات العمومية ضمن نظام مراقبة وتسجيل بالكاميرا في العاصمة وعدد من المدن الكبرى، حيث بدأت الحكومة في استغلال ما يقارب 200 حافلة جديدة كل منها مجهزة بكاميرا للمراقبة وآلة تسجيل والتي قالت عنها رئاسة الحكومة إنها ستضمن “سلامة المسافرين وموظفي شركة النقل”.

وكانت تونس قد اشترت 494 حافلة في العام 2016 تستلمها على مراحل، كانت المرحلة الثانية منها مطلع الشهر الماضي عندما استلمت 97 حافلة، وكان الإعلان عن إنطلاق العمل بهذه الحافلات الجديدة بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير النقل هشام بن أحمد.

ووفق معطيات نشرتها وزارة النقل في وقت سابق يقدر حجم أسطول الحافلات العمومية المتجولة بـ497 حافلة ويؤمن هذا الأسطول سفرات يومية لحوالي 310 آلاف مسافر، فيما ساهمت الحافلات الجديدة في زيادة عدد المسافرين بنسبة 60 بالمئة.

وتهدف هذه المنظومة التكنولوجية التي بدأت تونس على العمل عليها منذ العام 2016 إلى السيطرة على ظاهرة السرقة والعنف والاعتداءات المادية والمعنوية سواء على المسافرين أو على موظفي وسائل النقل العمومية بمختلف أنواعها.

وتم تثبيت هذه الأجهزة الحديثة بداية في محطات التنقل العمومي البري في تونس (الحافلات والميترو).

وكانت تونس قد اعتمدت قبل سنوات وبشكل محدود تقنية المراقبة عن طريق الكاميرا داخل البعض من عربات الميترو.

وقال محمد الشملي، مدير قسم الاتصال في شركة نقل تونس، إن الكاميرات التي تم تركيزها حاليا في الحافلات تعمل بنظام تسجيل لمدة 72 ساعة موضحا أن ذلك يمكّن من العودة إلى تسجيلات الكاميرات إذا ما جدت أي حادثة داخل الحافلة.

التكنولوجيا تساهم في التخفيف من خسائر القطاع العام في تونس بسبب التهرب من دفع ثمن تذكرة ركوب وسائل النقل

وصف الشملي، في تصريح لـ”العرب”، الإجراء الجديد بأنه “وسيلة ردعية” لكل سلوك عدائي بين الراكبين في ما بينهم أو حتى الاعتداءات ضد سواق شركة النقل وغيرهم من الموظفين بهدف تقديم خدمة أفضل “لزبائن الشركة وموظفيها” بتقليص مختلف الحوادث التي تطالهم. وبين أنه في المستقبل ستكون كل الحافلات مجهزة بكاميرات مراقبة. كما كشف الشملي أن الشركة تخطط لإرساء وسيلة متابعة عبر الأقمار الصناعية لتعتمد هذا المشروع مستقبلا.

وأكد الشملي أنه احتراما لقانون حماية المعطيات الشخصية في تونس لا يحق لموظفي ومسؤولي شركة النقل الاطلاع على تسجيلات كاميرات المراقبة الموجودة في الحافلات بل تقتصر وظيفتهم على تمكين السلطات القضائية من القرص المضغوط (سي.دي) الموصول بالكاميرا. وشدد على أن فرق التحقيق هي الطرف الوحيد المخوّل له الاطلاع على تسجيلات هذه الكاميرات بعد صدور إذن قضائي بذلك.

ووضعت وزارة النقل التونسية الخطوط العريضة لاستراتيجيتها إلى غاية العام 2040 لتطوير قطاع النقل في البلاد، في دراسة حديثة أكدت الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة لتطوير النقل الذكي ووضع منظومة لوجستيك لتجميع البضائع وتفادي إهدار الوقت والمسافات الطويلة لنقلها، وكذلك إرساء منظومة الأمن والسلامة وتعصير الموانئ والمطارات وتعزيز مساهمة القطاع في النمو والتشغيل.

وتسلط الدراسة الضوء على التحديات التي يواجهها قطاع النقل كما تحدد البرامج والمشاريع المستقبلية بهدف توفير منظومة نقل شاملة ومندمجة ومتكاملة من أجل تحسين ظروف النقل، لاسيما في ما يتعلق بالسلامة والأمن والكلفة وجودة الخدمات والحفاظ على البيئة.

وتساعد التقنيات والإمكانيات التي توفرها مختلف وسائل وأدوات التكنولوجيا الحديثة في مواجهة التحديات التي تعطل عملية تطوير قطاع النقل العمومي وتحسين خدماته وضمان أكبر قدر ممكن من السلامة.

وكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة الانتقال إلى أنظمة نقل ذكي لما توفره من معطيات ومعلومات أولية وفورية حول أداء وسائل النقل ورفع قدرته وكفاءاته التشغيلية والحالات التي تستوجب التدخل العاجل والتحكم في طاقة الاستيعاب وترشيد استهلاك الطاقة وتحسين مستويات السلامة وجودة الخدمات.

ويحاول القطاع العام في تونس الاستفادة من التقنيات الحديثة للتصدي للبعض من الظواهر والمشكلات التي تشكل عبئا عليه ومن بينها ظاهرة التهرب أو العزوف عن دفع ثمن تذكرة ركوب وسائل النقل العمومية.

أشواط كثيرة  لتحسين مستوى خدمات وسائل النقل العمومية
أشواط كثيرة  لتحسين مستوى خدمات وسائل النقل العمومية 

وأعلنت شركة نقل تونس عن خطة لمحاربة ظاهرة عدم دفع ثمن الخدمات التي توفرها وسائل النقل العمومية من خلال الاعتماد على منظومة إلكترونية تسهم في السيطرة على هذه الظاهرة.

وتعتمد المنظومة الإلكترونية الجديدة على مجموعة بطاقات ذكية تسمح للزبون بالدخول إلى محطة النقل كما تضمن له الركوب في الحافلة أو المترو وتغلق أبواب وسيلة النقل آليا أمام الزبون الذي لم يفعّل بطاقته الذكية. وتعزز منظومة الدفع الإلكترونية لبدل خدمات النقل العمومي بأجهزة كاميرات تثبت في المحطات.

وتتبع شركة نقل تونس القطاع العام وتؤمن سير وسائل النقل العمومي في تونس الكبرى والتي تعني العاصمة والولايات الثلاث المحيطة بها وهي أريانة ومنوبة وبن عروس.

وبفضل التكنولوجيا الحديثة يمكن التخفيف من خسائر شركة النقل بتونس بسبب ظاهرة التهرب من دفع ثمن تذكرة ركوب الحافلة أو القطار، والتي قدرتها الشركة في العام 2011 بحوالي 20 مليون دينار ( حوالي6.97 مليون دولار). وفي العام 2017 قالت وزارة النقل إن 50 بالمئة من راكبي الميترو الخفيف في تونس العاصمة استقلوه دون شراء تذكرة.

وكانت هذه الخسائر ثقيلة على ميزانية الوزارة التي تخصص مبالغ طائلة لصيانة الأسطول وشراء قطع الآلات وشراء وسائل نقل جديدة لتعويض القديمة المهترئة، وفق ما ذكرت مصادر من وزارة النقل لـ”العرب”. وأكدت المصادر أن الخسائر المالية التي تتكبدها الوزارة تهدد القدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية.

ووفق ذات المصادر فإنه من المتوقع أن تضمن المنظومة الإلكترونية وأجهزة المراقبة الحديثة داخل المحطات السلامة لموظفي الرقابة التابعين لوزارة النقل الذين تعرضوا في مناسبات عديدة لاعتداءات لفظية ومادية من قبل زبائن لم يدفعوا ثمن تذاكرهم.

وتستعد تونس لطرح هذه المنظومة الإلكترونية التي تتمثل في استبدال التذاكر الورقية التقليدية بأخرى إلكترونية قريبا. ولإرساء هذه المنظومة تعمل السلطات المشرفة على تهيئة محطات النقل العمومي في العاصمة التونسية على أن يتم في مرحلة لاحقة تركيز حواجز إلكترونية مخصصة للتعامل مع التذاكر الإلكترونية.

لم يقتصر اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة فقط على مراقبة وسائل النقل والمحطات ودفع ثمن التذاكر بل شمل أيضا توفير خدمة الإنترنت داخل عدد من الحافلات في البعض من المدن التونسية ومن بينها القيروان وصفاقس ونابل وسوسة. وكشف الشملي أن مشروع التذاكر الإلكترونية سيتم اعتماده في غضون العام 2020، مبينا أن الأشغال الأولية على مستوى البنية التحتية متواصلة وحاليا يتم ربط الأجهزة والمعدات على مستوى المحطات.

ويرى مواطنون وخبراء أن توفير خدمة “الواي فاي” بالمجان داخل وسائل النقل العمومية سيمكن الركاب من توفير المال، كما سيساهم في تحسين جودة النقل العمومي الحضري أو بين المدن، وهو ما سيمكن من مزيد الإقبال عليها خاصة في ظل تسجيل شكاوى كثيرة من هذا القطاع ما جعل الكثيرين يبحثون عن حلول بديلة وجدوها في ظاهرة “الكوفواتوراج” التي تعتمد على مشاركة شخص ما لسيارته الخاصة مع آخرين مقابل مشاركة التكاليف.

12