تونس تبدأ خطة ترحيل المهاجرين الأفارقة بتفكيك خيامهم وإخلاء الساحات

عمليات الترحيل نُفذت بالقوة من مخيمات أمام مقر منظمات الأمم المتحدة ومن حديقة بمنطقة البحيرة العاصمة إلى حدود الجزائر.
السبت 2024/05/04
ملف المهاجرين يقلق أوروبا وتونس على حد السواء

تونس – يبدو أن خطة ترحيل المهاجرين المتحدّرين من أفريقيا جنوب الصحراء من تونس قد انطلقت، بعد أن قامت قوات الأمن بإجلاء المئات منهم، الجمعة بالقوة من مخيمات أقاموها أمام مقر منظمات الأمم المتحدة في العاصمة التونسية ومن ثم "تم ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية"، وفق متحدث باسم منظمة غير حكومية.

وقال المتحدث باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إنه "تم إجلاء ما لا يقل عن 300 مهاجر، بينهم لاجئون وطالبو لجوء، بالإضافة إلى نساء وأطفال، بالقوة الليلة الفائتة".

وأخلت الشرطة ثلاثة مخيمات موقتة أقيمت منذ الصيف الفائت أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة وكذلك في حديقة بمنطقة البحيرة في تونس العاصمة، وفق المنظمة.

ونقُل المهاجرون "نحو الحدود الجزائرية"، وفق شهادات جمعتها المنظمة.

وأقام ما بين 500 و700 شخص في هذه المخيمات الموقتة، بعد طرد العديد منهم من منازلهم ووظائفهم في الأشهر التي أعقبت خطابا ألقاه الرئيس قيس سعيّد في فبراير 2023، ودان فيه وصول "جحافل من المهاجرين غير الشرعيين" من دول أفريقيا جنوب الصحراء في إطار "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية" للبلاد.

ومن دون تأكيد عمليات الإخلاء، أصدرت وزارة الداخلية بيانا أشارت فيه إلى "عمليات أمنية" تهدف إلى التصدي لاعتداءات "على الأمن العام وحماية الممتلكات العامة والخاصة".

كما نشرت الوزارة مقطعا مصورا يظهر شرطيين يُخرِجون مهاجرين من خيام ويهدمون بعضها، وعمال نظافة يلتقطون قمامة وينظفون حديقة. وفي مقطع آخر، يسير عشرات المهاجرين في صفوف متقاربة في منتصف الليل في أحد الشوارع، باتجاه جهة مجهولة، تحت رقابة مشددة من الشرطة.

وأكدت منظمات أخرى عملية الإخلاء أمام مقر المنظمة الدولية للهجرة، حيث صورت وكالة الصحافة الفرنسية عمليات تنظيف الأماكن التي لا تتوافر فيها المياه أو الصرف الصحي أو المراحيض.

وبحسب مصادر من الشرطة، تمت العملية في هذا الموقع في الساعة الثالثة فجرا (02:00 صباحًا بتوقيت غرينتش).

وتتصاعد أزمة المهاجرين في عدد من المدن من بينها العاصمة تونس وولاية صفاقس جنوب شرق البلاد، مع ارتفاع أعداد طالبي اللجوء الذين يطالبون بترحيلهم نحو وجهات أخرى أو تسوية وضعية إقامتهم في تونس.

وتمثل تونس أحد أهم مناطق انطلاق المهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الإيطالية عبر البحر الأبيض المتوسط.

وفي يوليو الماضي، قدّرت وزارة الداخلية أعداد المهاجرين الموجودين في تونس بأكثر من 80 ألفا، من بينهم 20 ألفا في محافظة صفاقس.

وقبل شهرين وجّهت مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء ممن يعيشون داخل الخيام في منطقة البحيرة نداء استغاثة مطالبين بحمايتهم.

وقال المهاجرون في بيان لهم إنهم "فروّا من الحرب في السودان بحثاً عن الحماية والأمن غير أنهم وجدوا أنفسهم دون مأوى ولجأوا إلى حديقة عمومية في منطقة البحيرة في ظروف مناخية وإنسانية قاسية محرومين من الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية".

 وطالبوا بما وصفوه بـ"حقوقهم وفق معاهدة جنيف التي وقعت عليها تونس"، مؤكدين أن "المفوضية السامية تتباطأ في دراسة مطالبهم ولا توفر أي مساعدة تذكر".

وأوضح المهاجرون أنهم أطلقوا نداء الاستغاثة بعد "تهديدهم من الشرطة التونسية بإخلاء الحديقة بالقوة وطرد اللاجئين إلى الحدود"، وأكدوا مطالبتهم بالضغط لإيقاف هذا القرار وتوفير الحماية لهم بإعادة توطينهم في بلد ثالث آمن."

وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة بتونس، الخميس، على صفحتها الرسمية أنها شرعت في تسجيل المهاجرين الذين يرغبون في العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية بشكل يومي من خلال برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج.

وقالت المنظمة إنّ التسجيل في البرنامج سيتم عبر الاستشارة الفردية، ويمكن للمهاجرين العودة إلى ديارهم بطريقة آمنة وكريمة، حيث سيحصلون على مساعدة إعادة الإدماج لبناء حياة جديدة.

وذكرت أن عملية التسجيل انطلقت في منطقة الحزق التابعة لمحافظة صفاقس، وأنه جرى تسجيل مجموعة من المهاجرين ضمن العودة الطوعية وإعادة الإدماج وتم نقلهم إلى تونس حيث سينتظرون سفرهم إلى بلدهم الأصلي".

ويثير ملف الهجرة قلقا أوروبيا متصاعدا يظهر جليا في بعثاتها الدبلوماسية لدى تونس من خلال لقاءات المسؤولين الإيطاليين والفرنسيين بنظرائهم التونسيين للتباحث حول مجابهة هذه الظاهرة المتفاقمة.

وتفتقر تونس إلى منظومة حماية واستقبال وإغاثة للمهاجرين، لأنها لا تتوفر على الإمكانيات المادية واللوجستية لاستقبال وحماية وعلاج المهاجرين الوافدين على أراضيها بشكل غير قانوني، لتصبح مجبرة على ترحيلهم ومنعهم بمقاربتها الأمنية في التعامل مع أزمة الهجرة، أو أن تتحول إلى منصة دولية للهجرة.

ونظم عشرات النشطاء والمنظمات وقفة احتجاجية أمام السفارة الإيطالية في العاصمة التونسية، منذ أسبوعين، احتجاجا على زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس، وطالب المتظاهرون بكشف حقيقة المهاجرين المفقودين في إيطاليا، وخاصة الذين ماتوا منهم في ظروف غامضة في مراكز الاحتجاز الإيطالية، بعد تأكد وصولهم.

وجددت المنظمات الحقوقية في تونس، رفضها سياسات الهجرة الأوروبية، التي تُغذيها الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية لاستمالة أصوات الناخبين، من خلال مزيد دعم المنظومة الأمنية في تونس وإقناع السلطات بإقامة مراكز احتجاز للمهاجرين على الأراضي التونسية.

وتطرق الرئيس التونسي إلى موضوع الهجرة غير النظامية، في ثلاث مناسبات خلال أقل من أسبوع، مؤكداً أن "تونس التي تعامل المهاجرين معاملة إنسانية، ترفض أن تكون لا معبرا ولا مستقراً".

وأضاف "نعاملهم معاملة إنسانية لأنهم ضحايا، ولكن تونس لن تكون ضحية لمن قرروا أن تكون مقراً لهؤلاء".

وأشار قيس سعيد، إلى أن هذه الظاهرة التي تتفاقم كل يوم لم تكن تونس أبداً سبباً من أسبابها، بل بالعكس، فهي تتحمل تبعات نظام عالمي أدى إلى هذه الأوضاع غير الإنسانية، كما أن المنظمات الدولية المتخصصة التي كان من المفترض أن تقف إلى جانب تونس، تكتفي في أغلب الأحيان بالبيانات أو تحاول فرض أمر واقع لن يقبله التونسيون أبداً.

ويعتبر المختصون تونس "شريكاً في نفس الوقت"، من خلال عدم حمايتها للمهاجرين وسياساتها التي تلتقي في جوهرها مع سياسات الاتحاد الأوروبي، المتمثلة في غلق الحدود ومنع العبور والإعادة القسرية، لتتحول تونس إلى حدّ ما، إلى "سجن مفتوح بغلق مزدوج"، أمام التونسيين غير القادرين على الوصول من ناحية، وأمام المهاجرين الأجانب الذين يسعون إلى المغادرة نحو السواحل الأوروبية.

ويتمثل الضغط المسلط على تونس، في اضطرارها إلى حماية حدودها البرية والبحرية، لتتأكّد صفة الشريك لديها من خلال إرجاعها للمهاجرين من عرض البحر وخدمتها لأهداف تخدم مصالح البلدان الأوروبية في تقليص عدد عمليات الإنزال على سواحلها قدر المستطاع، ليمثل مصدراً إضافياً رابعاً للوافدين بشكل غير نظامي على أراضيها، عبر مسارين برّاً، وجواً عبر مطاراتها، وبحراً وفق ما تؤكده بلاغات خفر السواحل التونسي أسبوعياً، من إحباط لعشرات محاولات عبور الحدود البحرية وإنقاذ مئات المهاجرين من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء.

التزام تونس بشراكتها مع دول الجوار الأوروبي في شمال المتوسط، حوَّلها إلى "ضحية أساسية للهجرة في المنطقة"، حيث أدى ارتفاع أعداد المهاجرين إلى ضغط على بعض المدن التونسية، بلغ في بعض الأحيان حد تسجيل توترات ولّدت مشاعر الكراهية وعدم قبول الآخر لدى المجتمعات الأهلية، والاعتداء على بعض الأجانب في أحيان عدّة.

ينتظر المئات من المهاجرين غير النظاميين في غابات الزيتون على تخوم سواحل محافظة صفاقس، فرصة للعبور نحو السواحل الأوروبية في ظروف معيشية قاسية، صادقت دول التكتل الأوروبي، في أبريل الماضي على ما سمته "ميثاق الهجرة واللجوء" الذي يمثل جملة اللوائح والسياسات المتعلقة بالتدفقات الهجرية، بعد مناقشات ومحادثات دامت عشر سنوات.

يشمل قانون الهجرة الجديد إجراءات وصفت "باللا-إنسانية"، حيث تلقى رفضاً واسعاً في أوروبا من المنظمات الحقوقية، بلغت ذروتها مع رفع دعاوى قضائية مستعجلة في باريس لتطعن فيها.

وتنص اللوائح الجديدة على الترحيل القسري للمهاجرين، وسرعة البت في طلبات اللجوء، ولكن يعدّ أخطرها بالنسبة لدول الجوار، إقامة مراكز احتجاز جديدة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية بهدف تبسيط وتسريع عملية البت في طلبات اللجوء.

رفض سياسات الهِجرة في أوروبا، لم يشمل فقط القوانين المصادق عليها حديثاً في بروكسل، بل بلغت في إيطاليا، عبر رفع قضية مستعجلة ضدّ مرسوم التمويل الذي مكن من منح تونس 4.8 مليون يورو لنقل ستة قوارب سريعة، قالت جمعيات إيطالية إنه يفتقد للشرعية، وطالبت بحظره، وطعنت في مشروعيته، وفق وسائل إعلام إيطالية، ينتظر أن تنظر فيها المحكمة يوم 30 أبريل الجاري.

أجرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني زيارتها الرابعة إلى تونس في الأشهر العشر الأخيرة، ضمن سلسلة من اللقاءات المخصصة لبحث أزمة الهجرة التي أفضت إلى توقيع مذكرة تفاهم مع تونس في يوليو الماضي، ثم إلى قمة إفريقية-إيطالية حول الهجرة في روما كان قد دعا إليها الرئيس التونسي.

وتواجه ميلوني تحديات كبرى لإنجاح اتفاقية الشراكة مع تونس، التي تعرضت لانتقادات واسعة بين الشركاء الأوروبيين في إطار تنافسهم على النفوذ الخارجي، قبل خصومها السياسيين في الداخل الإيطالي.