تونس تبحث في رهانات الفنون التشكيلية العربية المعاصرة

انتظمت ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس، والذي عقدت دورته الـ29 من 25 يوليو الماضي وإلى غاية 4 أغسطس الجاري، في مدينة المحرس، واستضاف خلالها 64 فنانا تشكيليا عربيا وأجنبيا، ندوة بحثية حملت عنوان “الفنون التشكيلية العربية المعاصرة، الاصطلاح، الرهانات، والتحديات”، شارك فيها ثمانية من الباحثين، كتابا وأكادميين، من كل من تونس، المغرب، مصر والعراق.
الجمعة 2016/08/12
عمل تركيبي لمنى حاطوم

أقيمت على هامش الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس (300 كم جنوب العاصمة تونس) المنتهية مؤخرا، ندوة فكرية عربية بعنوان “الفنون التشكيلية العربية المعاصرة، الاصطلاح، الرهانات، والتحديات”، مقدمة قراءة متعددة بمخرجاتها لواقع الفنون التشكيلية العربية في نسختها المعاصرة، مع ما يطرحه اصطلاح “الفن العربي المعاصر” من العديد من الإشكالات الجمالية والثقافية، في ظل ما يواجهه الإبداع العربي من تحولات في الممارسات التشكيلية والبصرية، والتي باتت ذات طبيعة عابرة للخصوصية، الشيء الذي يجعله قادرا على إحياء ملامح أزمة تعيشها الفنون في بلداننا اليوم، وهو الأمر الذي يحفّز طبيعة الرهانات والتحديات التي تطرحها هذه الفنون وتجعلها موضع تساؤل ومعاينة وتفّكر.

وفي تقديمه لمداخلة تعريفية للندوة، علل منسقها، سامي بن عامر، وهو فنان وأكاديمي تونسي، أن ما يضفي شرعية على تساؤلاتنا حول الفنون التشكيلية العربية المعاصرة، تضمنها لعبارة الفن المعاصر لما ينطوي عليه من معنى بات مرتبطا بصنف جمالي، أفرز فنا شديد التنوع، اقترن بالتوجهات الفنية التي ظهرت في الغرب مع بدايات منتصف القرن الماضي، وختم بن عامر مداخلته، متسائلا “هل يمكن الحديث اليوم عن فنون تشكيلية عربية، في عالم بات يتداخل فيه الإبداعي والثقافي والاقتصادي والعلمي معا؟”.

ويتساءل الناقد فاروق يوسف (العراق)، من خلال العنوان الذي حملته ورقته “ألا يزال هناك فن عربي؟”، حيث أنه قد جرى الاتفاق، على أن المقصود بالفن العربي هو فن ينتجه فنانون عرب، تفسير يمكن القبول به على الرغم من منطقه التبسيطي، لكن الذي يهم مساءلة الفن المنتج عربيا عن حقيقة وجوده فنا معاصرا، فاعلا وحيويا ومؤثرا وصالحا للتداول، وهنا نتساءل “ما الذي يفعله الفن في الأوقات العصيبة؟”، ما يربك في هذه الفرضية، أنها تغمض عينيها عن واقع الفن، لتجعل منه شاهدا خارجيا. ويذكر الناقد يوسف، أن المجتمعات العربية تعيش اليوم حالة سياسية غير مسبوقة في العصر الحديث، فهل من المطلوب كما هو متوقع نظريا أن يظل الفن وحده، الناجي الوحيد من الانهيار؟ لذا لا بد من البحث عن الجدل الخفي بين الإنسان والفن، وهو جدل لا يبقي الأشياء في مكانها ثابتة وخالدة، فالمطلوب من الفن أن يستعيد القدرة على أن يكون إنسانيا.

فاروق يوسف: الجدل الخفي بين الإنسان والفن، جدل لا يبقي الأشياء في مكانها ثابتة وخالدة

فيما حملت مداخلة الكاتب أحمد الجنايني (مصر) عنوان “التشكيل بين التاريخ الثابت والجغرافية المتحركة نحو مخرج افتراضي لإشكالية الناسخ والمنسوخ”، للإشارة إلى أهمية تداخل التاريخ والجغرافيا، واللذين يرسمان طرق الممارسة الثقافية في الواقع، ما يجعلهما قادرين على بناء ذاكرة جمعية، تكون فيها الذاكرة البصرية مؤثرة في مستقبل المجتمعات لجهة تمثلها لمخزون جمالي ثقافي وفكري، يصبح محفزا ومتداخلا مع احتياجاتها ومتطلبات حياتها الإبداعية، تلك التي تشتبك مع صلب ما نحن بصدد الحديث عنه.

وفي ذات الشأن تحدثت أيضا الباحثة دلال صماري (تونس، جامعة قابس)، من خلال ورقتها البحثية التي عنونتها بـ”مطلب الخصوصية والكونية في الفن التشكيلي العربي المعاصر، جدلية الاغتراب والمقاومة”، كما دعا الباحث برهان بن عريبية (تونس، جامعة صفاقس)، إلى ضرورة النظر إلى المعاصرة، بوصفها تحولا في أشكال ومفاهيم العمل الفني، كما أن الفنون التصويرية والبصرية تبقى في ماهيتها إنتاجا إنسانيا وثقافيا يتعالى عن التحديدات، على الرغم من محاولات توظيفه واستعماله في شبكات عالمية ذات أهداف غير جمالية.

وفي قراءته لمفهوم الفن المعاصر، بالعلاقة مع الفنون التشكيلية العربية، ذكر الفنان التشكيلي أحمد جاريد (المغرب)، أننا لسنا أمام قطيعة يتجاوز فيها الفن مرحلة حداثته، بل أمام أزمة، لذلك لا غرابة في أن تكون حلقة الفن المعاصر هي أضعف حلقة يشهدها تاريخ الفن.

وتطرقت الباحثة ليلى الدو (تونس، جامعة قابس) عبر ورقتها التي جاءت بعنوان “رهانات الصورة الفنية المعاصرة في ظل التطور التكنولوجي والتقني”، إلى موضوع الصورة الفنية وما شملها من تغيرات في إطار المستجدات الفنية والتكنولوجية التي أحدثت بدورها تغييرا في بنية الممارسات الفنية المعهودة، بكونها صورا رقمية هجينة وتفاعلية.

وقدمت الدو في ورقتها نماذج لأعمال معاصرة لفنانين عرب مثل منير القاضي، منى حاطوم ورائدة سعادة، الذين ولج بعضهم سوق الفن الدولية والتظاهرات الفنية العالمية ما بعد أحداث سبتمبر عام 2001، وتساءلت الباحثة هل أن وجود تجارب لفنانين عرب معاصرين، حاملة لمغزى أيديولوجي، وتلاقي اهتمام المؤسسات الدولية المنظمة لعالم الفن المعاصر، يعتبر تمهيدا لتوجه استشراقي جديد؟

17