تونس تبحث فتح نوافذ تمويلية بديلة مع البنك الدولي لدعم الزراعة

قضية الأمن الغذائي تشكل عاملا أساسيا لتحقيق الاستقرار في البلاد.
السبت 2023/10/28
عدنا بخفي حنين!

تعمل الحكومة التونسية من خلال مفاوضات جديدة فتحتها مع البنك الدولي لتعزيز الأمن الغذائي على إرسال إشارات طمأنة بأن أي ائتمانات إضافية ستحصل عليها سيتم ضخها في القنوات المخصصة لها أملا في كسب ثقة المانحين ببرنامج الإصلاحات.

تونس - شكلت مساعي تونس لفتح نوافذ تمويلية بديلة مع البنك الدولي لدعم قطاع الزراعة والأمن الغذائي فرصة للمسؤولين التونسيين لإثبات جدوى الإصلاحات الاقتصادية بأن القروض لن تذهب إلى دعم الميزانية.

وبحث مسؤولون تونسيون عن ثلاث حقائب وزارية ووفد من البنك الدولي الخميس الماضي وضع خطة عمل للمحافظة على ديمومة الأمن الغذائي وتركيز الآليات الضرورية لمقاومة مواسم الجفاف المتتالية، فضلا عن مساعدة المزارعين.

وذكرت وزارة المالية في بيان نشرته على حسابها في فيسبوك أن الاجتماع ناقش سبل مكافحة “تداعيات التغيرات المناخية على قطاعات الزراعات الكبرى وخاصة منظومة الحبوب وآفاق التعاون المشترك”.

ولم يرشح الكثير عن الاجتماع الذي شاركت فيه مديرة التنمية المستدامة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالبنك الدولي مسكارام براهان ووزيرة المالية سهام البوغديري ووزير الفلاحة عبدالمنعم بلعاتي ووزيرة التجارة كلثوم بن رجب.

مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022 يصنف تونس في المركز 64 بين 113 بلدا وفي المرتبة التاسعة عربيا

لكن المتابعين يشيرون إلى أنه يأتي ضمن اللقاءات الدورية بين الطرفين خاصة وأن البنك الدولي لم يتوقف عن دعم تونس في الكثير من المجالات بما في ذلك الحماية الاجتماعية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ومع ذلك فإن اللافت أنه يأتي في ظروف صعبة يمر بها الاقتصاد التونسي لاسيما وأن تونس لم تتوصل بعد إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما يعني أن الحصول على خط ائتماني من البنك سيكون أسهل.

ولطالما طالب خبراء بضرورة استثمار التمويلات الجديدة التي تحصلت عليها تونس من البنك الدولي في مشاريع استثمارية لتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد، وانتقدوا زيادة الاقتراض وتبديد تلك الأموال دون خدمة الاقتصاد.

وكانت تونس قد صادقت في أغسطس الماضي على اتفاقية قرض مع بنك الإنشاء والتعمير التابع لمجموعة البنك الدولي تتيح لها تعبئة 130 مليون دولار لتمويل مشروع التدخل العاجل من أجل الأمن الغذائي.

وستقوم تونس بسداد القرض على 18 عاما منها خمس سنوات إمهال وبنسبة فائدة قدرها 1.71 في المئة، بحسب وزارة الاقتصاد والتخطيط.

وفي صيف العام الماضي وافق البنك الدولي على تمويل جديد بقيمة 130 مليون دولار لتونس للتخفيف من تأثير الحرب في أوكرانيا عبر تمويل الواردات الحيوية من القمح الليّن وتقديم مساندة طارئة لتغطية واردات البلاد من الشعير اللازم لإنتاج الألبان.

وسيذهب جزء من التمويل إلى دعم المزارعين التونسيين من أصحاب الأراضي الصغيرة بالبذور.

وتواجه الدولة، والتي مرت بالكثير من الصعاب منذ 2011، أزمة اقتصادية شاملة. وأغلب ديونها داخلية لكن أقساطا لقروض أجنبية يحل موعد استحقاقها في وقت لاحق هذا العام. وقالت وكالات تصنيف ائتماني إن تونس ربما تتخلف عن السداد.

وتعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر بقيمة 400 مليون دولار ومنحة بقيمة 100 مليون دولار، لكن لا يزال الاقتصاد التونسي المعتمد على السياحة يعاني نقصا في مواد غذائية وأدوية مستوردة.

وعرض الاتحاد الأوروبي دعما بنحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) لكن يبدو أن ذلك مرتبط في معظمه باتفاق صندوق النقد أو الإصلاحات.

وظهر تقصير الحكومات التونسية المتعاقبة تجاه الزراعة خصوصا في الإرشاد الزراعي بوضوح أكبر مع الأزمة الصحية ثم الحرب في أوكرانيا بالنظر إلى ما يعانيه القطاع أصلا مع استمرار موجة الجفاف في منطقة شمال أفريقيا.

وعانت البلاد شحا في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.

وتشكل قضية السيادة الغذائية عاملا أساسيا لتحقيق الاستقرار من خلال القطع مع كل أشكال الهيمنة والتبعيّة ودعما لاستقلاليّة القرار وتحديد الخيارات والإستراتيجيّات الضّامنة لمقوّمات التحرّر.

وبحسب تصنيف مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022 فإن تونس تأتي في المركز 64 بين 113 بلدا، متقهقرة عن المرتبة 51 التي كانت تحتلها في عام 2018. فيما تأتي في المرتبة التاسعة عربيا.

وتحتل الزراعة مكانة محورية في الاقتصاد التونسي، إذ تساهم بنسبة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما بين 9 و10 في المئة من مجموع الصادرات سنويا، وتستقطب 8 في المئة من مجموع الاستثمارات.

130

مليون دولار ستحصل عليها تونس لتمويل مشروع التدخل العاجل من أجل الأمن الغذائي

ويشكل القطاع أهم الركائز الأساسية لتنمية الاقتصاد وتحقيق مبدأ السيادة الغذائية، إذ تمتد الأراضي الصالحة للزراعة على مساحة 10 ملايين هكتار، نصفها قابلة للزراعة.

ويشغل القطاع الحيوي نحو 16.3 في المئة من اليد العاملة، أي ما يقارب 5.1 مليون شخص وتشهد النسبة تقلصا واضحا بعد أن كانت تقارب 80 في المئة من اليد العاملة بعد الاستقلال.

وتتخصّص الزراعة التونسيّة في قطاعات إنتاجيّة مهمّة كزيت الزيتون والتمور والقوارص والصيد البحري، وباتت بذلك من أبرز المصدّرين العالميّين فيها على حساب باقي أنماط الإنتاج الأساسيّة لشعبها كالقمح والشعير واللّحوم الحمراء والبيض والحليب.

وتشير الأرقام إلى أن البلاد تستورد قرابة 70 في المئة من احتياجاتها من القمح من الأسواق العالميّة، وهو ما يكلّف ميزانيّة الدولة قرابة ملياري دينار، فضلا عن ارتفاع الاستهلاك الداخلي من الزيوت النباتيّة.

وأكّدت دراسات سابقة حول الأمن الغذائي والسيادة الغذائية في تونس على أهمية الزراعة رغم انخفاض نسبة الأراضي الصالحة لذلك.

وأشارت كذلك إلى اعتمادها الهيكلي على الواردات وانعدام العدالة والمساواة في ملكية الأراضي، إلى جانب تجلّي مظاهر التبعية في البذور وتعزيزها عبر المعاهدات التجارية مع دول أخرى.

11