تونس تائهة بين وعود إنقاذ الاقتصاد والتصنيفات السلبية

تونس - يتأكد للمحلّلين يوما بعد يوم أن التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي تتفاقم بوتيرة متسارعة مع انسداد آفاق التمويل حتى الآن لإعادة تحريك عجلات النمو المتعثر والذي زادت من أوجاعه الأزمة الصحية مما عمّق المخاوف بشأن مستقبل البلاد بعد أن بات تائها بين وعود الإصلاح والغرق في التقييمات الدولية السلبية.
وشكلت أحدث التقييمات السلبية حول نشاط الاقتصاد التونسي وتنامي مخاطر عدم توفير السيولة الضرورية للخروج من الأزمة المالية، صدمة أخرى للمسؤولين والأوساط الاقتصادية والشعبية بعد موجة من التقلبات شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة.
وخفضت وكالة رايتنغ آند انفستمنت تصنيف تونس والبنك المركزي التونسي إلى بي+ مع آفاق سلبية بعد أسابيع قليلة من تحذيرات وكالة فيتش من خطر تآكل أصول البنوك التونسية مع اقتراب تطبيق القطاع المصرفي بالبلاد للمعايير المحاسبية الدولية المتعلقة بتقييم الأصول والقروض والأدوات المالية.
وحذرت رايتنغ آند انفستمنت في مذكرة هذا الأسبوع أنها ستخفض التصنيف بدرجة أكبر في حال طالت عملية التفاوض بين تونس وصندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة.
وتسعى تونس للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد حتى يتسنى لها مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي كبّلتها التجاذبات السياسية وزادت من أعبائها المشكلة الصحية الناجمة عن تفشي الجائحة.
واعتبر خبراء الوكالة اليابانية أن الوضع الراهن في تونس يدعو إلى الاحتراز خصوصا في ما يتعلق بقدرة تونس على سداد الديون.
ولئن رأت الوكالة في استئناف الحكومة التونسية المحادثات مع صندوق النقد أمرا إيجابيا، إلا أنها قالت إنه “لا يزال من الصعب توقع موعد توصلهم إلى اتفاق” بسبب “حالة من عدم اليقين” لاسيما منذ أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد.
وبينما لا يتوقع خبراء الوكالة وجود صعوبات في السيولة على المدى القصير، فإنهم يعتبرون المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي ضرورية لزيادة احتمالية سداد الديون على المدى المتوسط.
وتأتي هذه التقييمات السلبية مع إعلان الحكومة أن العجز في الموازنة السنوية لهذا العام حوالي سيصل إلى نحو 9.79 مليارات دينار (3.42 مليارات دولار). وكانت الحكومة تتوقع أن يبلغ العجز 2.48 مليار دولار.
ويشهد ميزان الدفوعات الخارجية عجزا مزمنا، رغم أنه تقلص العام الماضي إلى ما يناهز 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بفضل تراجع عجز الميزان التجاري نظرا لمحدودية الطلب المحلي.
ولكن من الوارد باعتبار العوامل الهيكلية أن يتعمق عجز ميزان المدفوعات بمجرد استعادة الوتيرة المعهودة في التعاملات الاقتصادية.
ويمثل الاقتراض الخارجي حوالي 60 في المئة من الدين العام لكن السياسة النقدية الحذرة للمركزي ومحافظته على مستوى معين من احتياطي العملة الأجنبية قد تكون جدار أمام احتمال حدوث اضطرابات في سداد الدين الخارجي على المدى القصير.
وتظهر الأرقام الرسمية أن حجم الاحتياطات النقدية بلغت بنهاية الشهر الماضي حوالي 7.4 مليار دولار مقارنة مع نحو 7.3 مليار دولار قبل عام.
ونظرا إلى أن تونس مطالبة بسداد أقساط كبرى في السنوات القادمة، فإنه من المرتقب أن تقوى الضغوط على السيولة إذا لم تحصل تونس على خط ائتمان عاجل، وفق الوكالة التي أكدت أهمية هذه المساعدة لحل المشاكل الهيكلية للاقتصاد أبرزها البطالة التي تفاقمت مع الجائحة.
ووفق بيانات المركزي، فقد ارتفعت خدمات الدين الخارجي المتراكمة بنسبة 20.4 في المئة لتبلغ قرابة ثلاثة مليارات دولار في الأشهر العشر الأولى من هذا العام.
وراكمت تونس مع نهاية العام الماضي ديونا بلغت مستوى قياسيا يقدّر بحوالي 92.8 مليار دينار (33.8 مليار دولار)، أي بارتفاع يناهز 11.3 في المئة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعني أنها اقتربت من 90 في المئة بعدما كانت عند نحو 37 في المئة في العام 2010.
وتوقع صندوق النقد أن يسجل الاقتصاد التونسي نموا بنسبة 3.3 في المئة سنة 2022، باعتبار عودة الطلب المحلي وتحسن نسق النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، الوجهة الرئيسية للصادرات في البلاد.