تونس بؤرة التنسيق الأوروبي لمواجهة الهجرة

منظمات وأحزاب في تونس ترفض المحادثات الجارية مع الاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة.
الأربعاء 2023/06/21
تونس، تحد مشترك

تحولت تونس إلى بؤرة تنسيق أوروبي لمواجهة الهجرة غير النظامية من خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الثلاثاء في باريس، فيما أعلنت أحزاب تونسية ومنظمات وشخصيات مستقلة، رفضها للمحادثات الجارية منذ أيام بين تونس وأطراف من دول الاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة.

تونس - مثلت تونس جزءا من المحادثات التي جرت، الثلاثاء، بباريس بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بعد سلسلة من الأزمات بين البلدين بشأن ملف الهجرة. واستغل ماكرون فرصة لقائه بضيفته الإيطالية ليؤكد أنه يشارك إيطاليا وجهة نظرها بشأن الحاجة الماسة إلى تقديم مساعدة اقتصادية لتونس في ضوء مشاكل الديون التي تواجهها البلاد.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية إن "علينا التحرك بشكل عملي وجاد على مستوى الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول لتونس". ولم يتم الكشف عن طبيعة التحرك العملي والجاد لإيجاد الحلول، لكن الثابت أن تونس أصبحت تستقبل العديد من زعماء ومسؤولي بعض الدول الأوروبية.

وبعد الزيارة التي أدتها رئيسة الوزراء الإيطالية إلى تونس قبل أيام عادت الأحد الحادي عشر من يونيو لتقابل الرئيس التونسي قيس سعيد رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته.

ثم كانت لوزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايز، ووزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، زيارة، نهاية الأسبوع الماضي، إلى تونس حيث تحادثا أيضا مع الرئيس التونسي حول ملف الهجرة غير النظامية، وسط جدل محلي بشأن توطين اللاجئين المرحلين في تونس.

محسن النابتي: قدرة تونس التفاوضية محدودة بسبب وضعها الاقتصادي الصعب
محسن النابتي: قدرة تونس التفاوضية محدودة بسبب وضعها الاقتصادي الصعب

وعبرت أحزاب وجمعيات وشخصيات سياسية وحقوقية، الثلاثاء، في بيان مشترك، عن رفض أي اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي قوامه مقايضة وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي الصعب بحزمة من ”المقترحات المذلة والمهينة” مقابل ترحيل اللاجئين من جنوب الصحراء بأوروبا لتوطينهم بـ”محتشدات” على أرض تونس وإرجاع التونسيين الذين دخلوا أوروبا عن طريق الهجرة غير النظامية.

وعبرت الأطراف، الموقعة على البيان، عن مخاوفها من إبرام "صفقة" قد تجعل تونس أرضا لاستقبال المرحلين من أوروبا من المهاجرين غير النظاميين، لاسيما في ظل مصادقة البرلمان الأوروبي على "إحداث بلد جنوب المتوسط واعتباره آمنا لتوطين المهاجرين غير النظاميين"، وما تلاه من زيارات متواترة لوفود من الاتحاد الأوروبي لتونس والإعلان عن استعدادها لإبرام اتفاق محتمل في نهاية شهر يونيو 2023 مع السلطة التونسية.

ووقع على البيان كل من ائتلاف صمود ومرصد الدفاع عن مدنية الدولة والجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات والحزب الاشتراكي وحزب آفاق تونس وحزب المسار الديمقراطي والاجتماعي وحراك درع الوطن والحزب الاجتماعي التحرري. كما وقعت عليه شخصيات سياسية وحقوقية.

ويستعد البرلمان الأوروبي لمناقشة إصلاح نظام الهجرة واللجوء، والذي تضمن إشارات غير رسمية إلى إمكانية ترحيل من رُفضت طلبات لجوئهم إلى بلد ثالث "آمن"، وهو ما ينطبق نظريا على تونس من بين دول أخرى.

وكانت تقارير أوروبية تحدثت عن رغبة بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا واليونان والنمسا، في إعادة المهاجرين الذين يتم رفض مطالب لجوئهم في أوروبا إلى "بلدان ثالثة" تعتبرها "آمنة" مثل تونس أو ألبانيا حتى في حال عدم وجود روابط خاصة (أسرية أو علاقة عمل.. إلخ) بين المهاجر المرفوض في أوروبا والبلد الثالث (الآمن)، لكن بعض البلدان مثل فرنسا وألمانيا عارضت هذه الفكرة.

وفشلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى الآن في الاتفاق على قائمة مشتركة للبلدان الثالثة “الآمنة”، ومع هذا تستبق بعض الأحزاب والجمعيات إمكانية اتفاقها بالتعبير عن رفض أي اقتراح يعتبر تونس واحدة من “البلدان الثالثة” المعنية.

وقال الموقعون على البيان إنهم يرفضون اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي يقوم على مقايضة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب لتونس بحزمة من "المقترحات المذلة والمهينة". كما أعلنوا رفضهم ترحيل لاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء وتوطينهم في تونس، وترحيل تونسيين دخلوا أوروبا عبر الهجرة غير النظامية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد التقى في الفترة الماضية مسؤولين أوروبيين سامين آخرهم وزيرا داخلية فرنسا وألمانيا، الاثنين، لبحث ملف الهجرة غير النظامية، وأكد أمامهما أن تونس "لن تقبل أبدا بأن تكون حارسة لحدود أي دولة أخرى كما لن تقبل بتوطين المهاجرين في ترابها".

ودعا إلى اعتماد مقاربة جديدة بخصوص ظاهرة الهجرة غير النظامية تقوم على القضاء على الأسباب لا على محاولة معالجة النتائج، وإلى "تكاتف الجهود لوضع حدّ لهذه الظاهرة غير الطبيعية وغير الإنسانية". وعرض الاتحاد الأوروبي خطة لمساعدة تونس بتمويلات تفوق مليار يورو لإنعاش الاقتصاد المتعثر والمالية العامة مقابل جهود أكبر في مكافحة الهجرة غير النظامية وتسريع عمليات الترحيل وتوسيع نطاقها.

◙ الموقعون على البيان يرفضون اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي يقوم على مقايضة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب لتونس بحزمة من "المقترحات المذلة والمهينة"

وطلبت المنظمات في تونس من السلطة "كشف فحوى المحادثات التي تمت مع الجانب الأوروبي، وإطلاع الرأي العام على ما تعتزم إبرامه من اتفاقات باسم الدولة التونسية". وقالت إن معالجة ملف الهجرة غير النظامية بما يحمله من طابع إنساني وحقوقي لا يمكن التعاطي معه باعتماد مقاربة أمنية خالصة وذات طابع عنصري، بل يتوجب أن يكون ذلك في إطار مقاربة تنموية وإنسانية وديمقراطية شاملة باعتبارها قضية تتجاوز فيها المسؤولية الإطار المحلي إلى المجتمع الدولي بأكمله.

وتواجه السلطات في تونس ضغوطا لمناقشة حرية التنقل وتخفيف القيود على تأشيرات الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي. وأوضح الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي، الثلاثاء، أن تكرار زيارات المسؤولين الأوروبيين لتونس مؤخرا عنوانه الرئيسي "الهجرة غير النظامية"، إضافة إلى الملف الاقتصادي لتونس.

وقال في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية إن "القدرة التفاوضية لتونس محدودة بسبب وضعها الاقتصادي الصعب، وهو ما دفع الدول الأوروبية إلى محاولة فرض شروطها على تونس، لكن الدولة التونسية لم تخضع للابتزاز وعليها الذهاب قدما في المحافظة على سيادتها ومصالحها". وتابع أن "رئيس الدولة لم يخضع للابتزاز" وأن "موقفه حول رفض الإملاءات كان واضحا ومعلنا.. "، وأن "الأمور تسير إيجابيا".

وأردف أن "شروط الدول الأوروبية في علاقة بملف الهجرة مرفوضة تماما، وتونس ليست حرس حدود ولا يجب أن تتحمل تداعيات الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون في حق شعوب العالم". وبيّن أن "على الشعوب الأوروبية أن ترد للشعوب الأفريقية جزءا مما نهبته عبر وضع برامج تنمية واضحة لمكافحة الهجرة غير النظامية". كما أوضح أن الحد من الهجرة غير النظامية يجب أن يندرج ضمن مقاربة مشتركة، دون تعسف وفوقية وإملاءات مجحفة.

وقال إن "على تونس عدم المراهنة على الأموال الممنوحة من الاتحاد الأوروبي لاستيعاب الملايين من الأفارقة”، مؤكدا أن "المقاربة يجب أن تكون شاملة، خاصة في علاقة بدول جنوب الصحراء التي يجب عليها العمل على تقليص تدفق اللاجئين".

4