تونس.. المناصب قبل الخبز أحيانا

الاتفاق على الفشل الاقتصادي والاجتماعي لحكومة الشاهد تحول إلى نقاش عقيم حول عمر الحكومة وجدارة رئيسها، ولم يرتق إلى نقاش حول سبل الخروج من الأزمة
السبت 2018/07/21
البلاد تحتاج إلى عقل سياسي يرتبُ الأزمات

تركيز الطبقة السياسية التونسية، بمختلف أحزابها، ومختلف مؤسساتها، على الانتخابات القادمة في العام 2019، وإدارة ظهرها لما يسود البلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية وأمنية متردية، لا يمثل فقط هرولة نحو المناصب بما تعنيه من امتيازات ومكاسب، بل هو تنكر لما تقتضيه المسؤوليات السياسية في درجاتها الدنيا.

المعنى من إدارة الطبقة السياسية التونسية ظهرها لوضع البلاد، والتفرغ للاستعداد للانتخابات القادمة، لا يسحب من هذه القوى حقها في أن تتهيأ لاستحقاق سياسي بحجم انتخابات 2019 الرئاسية باعتبار أن هدف كل حزب سياسي هو الوصول إلى السلطة، ولكن التهيؤ للاستحقاق السياسي القادم لا يفترض أن يكون البوصلة الوحيدة التي تقود كل الفاعلين السياسيين، على حساب إدارة الشأن العام والتفكير في حلول لمشاكل الناس.

الصراع الدائر بين الأحزاب السياسية، والتجاذب الدائر بين المؤسسات السياسية (الرئاسة ومجلس النواب والحكومة)، والانشقاقات الحاصلة داخل العديد من الأحزاب، لم يكن منطلقها الاختلاف في تشخيص الوضع الاقتصادي والاجتماعي أو التباين في تصور الحلول، بل كان منطلقها الوحيد هو المواقع، راهنا ومستقبلا؛ الموقف من يوسف الشاهد والاختلاف حول ضرورة استقالته من عدمها، والموقف من الانتخابات الرئاسية القادمة وما يترتب على ذلك من التجاذب حول أحقية الترشح من عدمها.

الوضع الراهن بما يحتويه من وجه وقفا؛ بين استفحال أزمات البلاد، وبين طبقة سياسية خيرت التركيز على ما يعنيها من العمل السياسي والحزبي، بقدر ما قدم صورة ممجوجة للفاعل السياسي، فإنه زاد من تعميق الأزمة واستفحالها.

استعراض ما يسود السجال السياسي التونسي يكفي لتبين المسافة الكبيرة الفاصلة بين مشاغل الناس على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وبين اهتمامات الطبقة السياسية وأحزابها. حزب نداء تونس يعرفُ اعتمالا كبيرا بين شقوقه ومراكز قواه، بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبين مديره التنفيذي، حافظ قائد السبسي، وهو اعتمال تجلت أصداؤه في تباين المواقف من الحكومة ومن رئيسها، وتشظت مفاعيله إلى التساؤل عن دور رئيس الجمهورية وصلاحياته في هذه الفترة، ومدى قدرته على إدارة الخلاف بين مؤسسات الدولة، وداخل حزبه، وتعززت أصداء الخلافات والانشقاقات بخروج مجموعة من المنشقين سابقا عن النداء، وانشقاقهم عن أحزابهم للعودة إلى النداء.

تغيب المعارضة التونسية عن انتظارات الناس ولا تلعب الدور المناط بها في هذه المرحلة، بأن تذهب بأفكارها وبدائلها صوب المشاغل الحقيقية

المفارقة التونسية في هذا الصدد، أن منطلق تقييم فشل حكومة يوسف الشاهد كان اقتصاديا واجتماعيا، ولئن كان الإقرار بالفشل الحكومي متفاوتا حسب الأحزاب وحسب التوقيت، إلا أنه كان يمثل إجماعا لدى غالبية الفاعلين السياسيين بما في ذلك الائتلاف الحاكم، وظهيره السياسي، لكن الاتفاق على الفشل الاقتصادي والاجتماعي لحكومة الشاهد تحول إلى نقاش عقيم حول عمر الحكومة وجدارة رئيسها، ولم يرتق إلى نقاش حول سبل الخروج من الأزمة.

تمسك النهضة بيوسف الشاهد رئيسا للحكومة، مع إضافة تكتيكية قوامها وجوب عدم ترشحه للانتخابات القادمة، لم ينبع من قراءة تقول بضرورة مواصلته العمل في الحكومة لدعم المكاسب القليلة التي تحققت، بل كان ناتجا عن قراءة النهضة للتوازنات السياسية الراهنة داخل النداء، وفي الساحة عموما، وهو أتاح لبعض القراءات لأن تعتبر الموقف النهضوي يمثل ضربا من تكريس الشقاق لدى الخصم الحليف نداء تونس.

القول بأن البلاد تحتاج إلى عقل سياسي يرتبُ الأزمات ويتصدى لإيجاد حلول لها، ليس قولا شعبويا فاقدا للوجاهة، فما يسود البلاد من حرب مواقع، عمق الأزمة وزاد من نفور الشعب وعزوفه عن الطبقة السياسية، وهو ما سيزيد من انقطاع الشعب عن الشأن العام، سواء بالعزوف أو بالاحتجاج.

تغيب المعارضة التونسية عن انتظارات الناس ولا تلعب الدور المناط بها في هذه المرحلة، بأن تذهب بأفكارها وبدائلها صوب المشاغل الحقيقية، وهو ما سيعني تعرية العجز الحكومي وبيان مدى التنكر للمسؤوليات التي ادعت النخبة السياسية أنها جاءت للاضطلاع بها من جهة، وتقديم صورة مغايرة عن الفاعل السياسي الذي يولي الأهمية لهموم الناس من جهة ثانية، لكن المغيب الحقيقي هو برنامج سياسي يخفف من وطأة الصيف التونسي المشوب بغلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية والانقطاعات المتواصلة للماء والكهرباء. القائم اليوم هو التراشق السياسي حول المواقع وفي ذلك فقط يتنافس المتنافسون.

9