تونس أمام حتمية تغيير نموذج تحفيز سوق العمل

الحكومة تؤكد أن بطالة خريجي الجامعات بلغت حوالي 30 في المئة.
الأربعاء 2022/09/21
ألو.. هل عثرت على وظيفة؟

تعطي ضغوط خريجي الجامعات بتونس للإسراع في تنفيذ الحكومة التزاماتها حيال توظيفهم بالقطاع العام مؤشرا على أن السلطات أمام حتمية القيام بمراجعة جذرية لسوق العمل وإعادة التقييم والبحث عن حلول مستدامة لتحسينها وجعلها محفزا للنمو الاقتصادي.

تونس – تواجه الحكومة التونسية ضغوطا متزايدة من مجتمع الخبراء لتغيير نموذج التوظيف السائد باعتباره إحدى أدوات مكافحة البطالة، خاصة إذا تعلق الأمر بخريجي الجامعات وربط التخصصات التعليمية بالطلب الذي تحتاجه السوق فعليا.

وتطفو أزمة البطالة مجددا على السطح رغم تراجع المعدل العام، خلال الربع الثاني من 2022، إلى 15.3 في المئة بعد أن بلغت أقصاها في الربع الثالث من العام الماضي لتصل إلى 18.4 في المئة جراء ظروف الأزمة الصحية.

‏ عبدالستار السحباني: عدم الملاءمة بين التدريب والتعليم زاد مشاكل سوق العمل

لكن تبدو نسب البطالة عالية في صفوف خريجي الجامعات حيث يمارسون ضغوطا خلال هذه الفترة بهدف تفعيل قانون أقر قبل عامين لتوظيف من طالت بطالتهم وألغاه الرئيس قيس سعيد.

ويتعلق القانون الصادر في شهر يوليو 2020 بالأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع العام أو ما يعرف بـ”قانون الانتداب في القطاع العمومي لمن تجاوزت بطالتهم 10 سنوات”.

وتعزو أوساط اقتصادية تعليق الرئيس سعيد لهذا القانون إلى برنامج الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي والذي يتمثل جانب منه في تجميد التوظيف للضغط على فاتورة الرواتب التي تلتهم ثلث الميزانية السنوية.

ومع ذلك فإن الخبراء مقتنعون بأن ثمة عوامل هيكلية مرتبطة ببقاء أرقام البطالة عند مستوياتها المرتفعة بالنسبة إلى هذه الشريحة.

ويرون أنه من الصعب معالجتها ما لم توضع رؤية محكمة للنهوض بالاقتصاد والاتكاء على الخريجين لتحريك عجلة التنمية عبر إطلاق مشاريعهم الخاصة أو تشجيع القطاع الخاص على توظيف نسبة منهم.

وكان وزير التربية فتحي الوسلاتي قد أكد في مايو الماضي أن البطالة في صفوف الخريجين تبلغ 30 في المئة، بينما تشير بيانات معهد الإحصاء إلى أنها كانت قبل 2011 تحوم حول 22 في المئة في المتوسط، مما يعني أنها باتت أزمة مستعصية في ظل الوضع القائم.

وعادة ما يلجأ بعض الخريجين إلى العمل في مهن لا تلبي طموحاتهم، ويعتبرونها مرحلة مؤقتة حتى يظفروا بفرصة عمل في المجال الذي يناسب تخصصهم، أو الحصول على وظيفة إدارية باعتبارهم من أصحاب المؤهلات الجامعية.

وخلال السنوات الأخيرة سارت حملات ترويج الحكومات المتتالية لجدوى آليات توفير فرص العمل لهذه الفئة، والتي تم اتخاذها في سياق برنامج شامل يتضمن تمويل المشاريع الحكومية في المناطق المهمشة وتشجيع الشباب على إطلاق مشاريعهم الخاصة، ببطء شديد.

ويرى الباحث وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة التّونسية عبدالستار السحباني أن هناك “عدّة أسباب تقف وراء تزايد أزمة البطالة، من بينها منظومة تدريب وتشغيل الذين لا تتلاءم تخصصاتهم مع حاجيات السوق والعمل”.

وأوضح لوكالة الأناضول أن “وزارة التربية أصبحت غير قادرة على التوظيف في تلك التخصصات”.

وأضاف أن “الاقتصاد العالمي تغير وتطور، فيما لا يزال نظام التعليم في تونس غير ملائم للمتغيرات، والدليل أنّ التعليم عن بعد مثلا مازال بدائيا”.

فؤاد الغربالي: أزمة البطالة مرتبطة أساسا بالمنوال الاقتصادي القديم

وسعت السلطات على مدار أعوام دون جدوى للخروج من عباءة منظومة العمل القديمة، التي تقوم على العمالة غير الكفؤة، حيث أنها كانت من بين الأسباب التي أدت إلى زيادة معدلات البطالة إلى جانب التوترات السياسية.

ورغم برامج الحكومات المتعاقبة لدعم سوق العمل مازال الكثير من التونسيين لا يشعرون بتحسن الأوضاع الاجتماعية، بل يقولون إنها ازدادت سوءا.

ويعتبر الباحث في علم الاجتماع فؤاد الغربالي أن “أزمة البطالة التي تعاني منها تونس هذه الأيام مرتبطة بمنوال الاقتصاد المعتمد في البلد منذ سنوات”.

وقال “نحن أمام نموذج اقتصادي قائم على مهن صغيرة هشة، كما أنّ الدولة قامت باختيارات اقتصادية قائمة على الكم عبر تخرج عدد كبير من أصحاب الشهادات العليا يصل سنويا إلى 80 ألف متخرج، مقابل سوق عمل ضيقة ليست لها آفاق كبيرة”.

وأضاف الغربالي أنّ “خريجي الجامعات يعتقدون أنه على الدولة تشغيلهم وتوفير الوظائف لهم، في حين أن الدولة لم تعد قادرة على ذلك، كما أن مؤسساتها استوفت طاقة الاستيعاب المطلوبة”.

ويؤكد خبراء البنك الدولي أن مشكلة البطالة في تونس عميقة للغاية وأنه لا يمكن حصرها في عدد فرص العمل التي يفترض توفيرها كل عام لأنها ببساطة مرتبطة أساسا بارتفاع معدل النمو.

وطالب خبراء البنك في تقرير نُشر في يناير الماضي بضرورة إجراء إصلاحات هيكلية حاسمة وتحسين مناخ الأعمال ليتمكن من وضع أقدامه على مسار نمو مستدام، وتوفير فرص عمل للشباب بأعدادهم المتزايدة.

ومن بين تلك الإجراءات دعم المؤهلات المهنية وعدم الاكتفاء بمواءمة سوق العمل مع ما تضخه الجامعات من خريجين كل عام.

ويقول الغربالي إن التدريب المهني ساهم سابقا في حل عدة مشاكل ولكنه انتهى نتيجة سياسة تعليمية اعتمدت على دعم المعدل السنوي لطالب الباكالوريا في نتيجة الاختبار النهائي ما ساهم في ارتفاع أعداد الحاصلين على هذه الشهادة رغم تدني مستوياتهم التعليمية.

ويعتقد أنه من الضروري دعم قطاع التدريب المهني حتّى يتوجه من هم في مستويات تعليمية متوسطة إلى المدارس المعنية بتأهيلهم لامتلاك مهارات العمل في أي حرفة.

وسبق أن دعا صندوق النقد الحكومة التونسية إلى إجراء “إصلاحات عميقة جدا، لاسيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم”.

j

ويعتقد السحباني أن احتجاجات حاملي الشهادات العليا محدودة ومتفاوتة من منطقة إلى أخرى؛ فبعض المناطق تشهد احتجاجات واسعة لأنها تفتقر إلى ثقافة الاستثمار، في المقابل تشهد انتشارا ملحوظا للاقتصاد الموازي وتوسع ظاهرة تهريب السلع.

وفيما يتعلق بالقانون المذكور اعتبر السحباني أن “القضية ليست قضية قانون وإنما هي متعلقة بمدى تمكن القطاع العام من استيعاب المزيد من العاطلين عن العمل”.

وتابع “بغض النظر عن القانون، فإن المؤسسات الحكوميّة ستصبح مجبرة في هذه الحالة على منح أجور لأشخاص لا يؤدون وظائفهم وليست لهم مردودية”.

وقال إن “هذه التحركات لا أفق لها إذ أصبح من الضروري أن تفكر الدولة في هذه المسألة وأن تخصص القروض التي تحصل عليها لإطلاق مشاريع جديدة”.

10