تونس أمام حتمية التصدي لأزمة الإسكان المزمنة

فرضت أزمة الإسكان المزمنة في تونس نفسها على المسؤولين للإسراع في ضبط إستراتيجية أكثر فاعلية بعدما أثبتت الخطة السابقة أنها غير مجدية، وذلك تجاوبا مع الظروف الراهنة والتي جعلت من امتلاك منزل أمرا شبه مستحيل جراء التكاليف الباهظة.
تونس - يعطي تأكيد المسؤولين في تونس على ضرورة مراجعة الإستراتيجية السكنية، التي يعود آخر تحيين لها إلى 2014، إقرارا بأهمية تطوير هذا القطاع الذي ظل يعاني من الصعوبات والتعقيدات في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
ويتطلع البلد، الذي مر بسلسلة من الأزمات على مدار 13 عاما إلى إحداث اختراق في جدار هذه المشكلة المزمنة من بوابة تغيير ديناميكية سوق الإسكان بمشاريع جديدة علها تسد جزءا من الفجوة الكبيرة في ظل النمو الديموغرافي للبلاد.
وتظهر التقديرات أن ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكنا، أي ما يعادل نحو 750 ألف أسرة في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، مما دفع الخبراء مرارا إلى التأكيد على أن هذا المأزق يتطلب رؤية لتنشيط العقارات والبناء والقيام بإصلاحات شاملة.
واعتبرت وزيرة الإسكان سارة زعفراني أثناء ورشة تحت شعار “حوار حول السكن” الاثنين الماضي أن الارتفاع الجنوني لكلفة العقارات السكنية وندرة الأراضي الصالحة للبناء أحد العوامل الكثيرة التي أثرت على امتلاك التونسيين للمنازل.
وقالت في مداخلة لها أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية إن “ذلك يستدعي عمل الأطراف المعنية لإيجاد الحلول العملية قصد إعادة صياغة إستراتيجية لتمكين الفئات الاجتماعية متوسطة ومحدودة الدخل من حقها في السكن اللائق بكلفة معقولة وفي المتناول”.
وكانت الوزارة قد أعلنت في نوفمبر الماضي أنها تتجه لإقرار خطة لتطوير القطاع تركز على دعائم رئيسية تتعلق بالجوانب التنظيمية والقانونية والتشريعية والتخطيط العمراني لتخطي التحديات التي تعرضت لها هذه الصناعة المتعثرة خلال السنوات الأخيرة.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 في حل الأزمة أو على الأقل الحد من مشاكل الإسكان على اعتبار أن سوق العقارات ظل رهينا للمضاربات وارتفاع التكاليف وعدم قدرة الكثيرين على تحمل أعباء إضافية لتدهور قدراتهم الشرائية مما حد من زخم التملك.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد فحسب، حيث يبدو أن تضخم أسعار الاستهلاك والفائدة المرتفعة، التي توظفها البنوك على القروض السكنية كانت أحد الأسباب الأساسية لخمول القطاع، وبالتالي عزوف الناس عن التفكير أساسا في مسألة الشراء.
وتتمثل إستراتيجية السكن في إيجاد آليات لمساعدة الفئات الضعيفة والمتوسطة الدخل على توفير منازل لائقة ومقاسم بأسعار مدروسة من جهة وبتوفير وسائل النهوض بالسكن القائم وبتهيئة الأحياء وإدماجها في حدود الإمكانيات المتاحة من جهة أخرى.
كما تشمل توفير السكن الاجتماعي والميسر الموجه للفئات الضعيفة والمتوسطة الدخل، فضلا عن توفير المقاسم المعدة لبناء مساكن اجتماعية.
ويتم بناء المساكن الاجتماعية فقط على الأراضي، التي هي على ملك الدولة أو على ملك مجلس الولاية (المحافظة) أو المجلس البلدي أو إحدى المؤسسات العقارية المكلفة أصلا ببناء هذا النوع من المساكن.
وتتضمن الإستراتيجية كذلك تحسين ظروف العيش داخل الأحياء السكنية مع تأهيل المراكز العمرانية القديمة، فضلا عن تحسين المحيط السكني عبر تطوير البنية التحتية الطرقات والمرافق الأخرى داخل المناطق البلدية.
30
في المئة نسبة الارتفاع في أسعار العقارات خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية
ومن بين الحلول، التي تعتزم وزارة الإسكان المضي فيها على المدى القريب، وفق زعفراني، تمكين الوكالة العقارية للسكنى من شراء أراض بأسعار تفاضلية والسعي قدر الإمكان إلى القضاء على البناء الفوضوي والعشوائي، بغاية التنظيم العمراني في البلاد.
ولتحقيق ذلك، قالت الوزيرة إنه ستتم مطالبة البلديات بالإسراع في “تقديم مخططات في أقرب الآجال لتنظيم المساحات العمرانية، مما سيخول للوكالة العقارية شراء الأراضي من الجماعات المحلية وأملاك الدولة بأسعار معقولة”.
وأوضحت أن هذه الخطوة ستساعد في خفض التخفيض من كلفة المساكن في مرحلة لاحقة، لكنها ربطت هذه الجهود بمعاضدة وزارة المالية والقطاع المصرفي عبر توفير التمويلات اللازمة بتكاليف ميسرة.
ويبدو من الصعب تحقيق هذا الأمر على المدى القريب، إذ أن القيود المشددة على الإقراض في خضم وضع اقتصادي يتسم بالخمول قد لا يشجع التونسيين على تحمل أعباء إضافية خاصة مع تدهور القدرة الشرائية والأجور التي لم تعد تلاءم التزاماتهم المعيشية اليومية.
وتفاقمت معاناة التونسيين خلال السنوات الأخيرة الذين وجدوا أنفسهم أمام صعوبات لامتلاك مساكن بعدما دخلت السوق في حالة من الركود الحاد جراء الارتفاع الجامح في أسعار العقارات والأراضي ومواد البناء.
وزارة الإسكان تسعى لتمكين الوكالة العقارية للسكنى من شراء أراض بأسعار تفاضلية والسعي قدر الإمكان إلى القضاء على البناء الفوضوي والعشوائي
كما واجه الكثيرون منهم صعوبة في الحصول على قرض سكني نتيجة ارتفاع نسب أسعار الفائدة الموظفة على الائتمانات البنكية التي تصل أحيانا إلى 12 في المئة أو أكثر.
ويقدر خبراء في السوق المحلية حجم الارتفاع في أسعار العقارات خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية بأكثر من 30 في المئة، لكنّ آخرين يرون أنه أكثر من ذلك.
وشدد مدير عام الإسكان بالوزارة نجيب السنوسي خلال مداخلته في الورشة على أهمية مراجعة التشريعات والقوانين وآليات الانجاز والتمويل، والتي تم تنفيذ العديد منها.
كما لفت إلى وجوب مواكبة العديد من الاحتياجات ومراجعتها لتقييم مدى تنفيذ آخر إستراتيجية وصياغة خطط عمل جديدة بغاية توفير السكن لكافة فئات الشرائح دون استثناء في ظل ارتفاع كلفة المساكن والتمويل مقابل نقص الوحدات والأراضي.
وكشف السنوسي أن الوكالة العقارية اتخذت حزمة من التدابير من بينها مراجعة آلية تمويل صندوق النهوض بالمسكن (فوبرولوس) لصالح الموظفين والعمال والتي ستمكنهم من شراء مسكن أو توسعته أو شراء قطعة أرض.
وفضلا عن ذلك، سيتم العمل مع وزارة المالية على تفعيل صندوق ضمان القروض الذي تم إنشائه منذ عام 2018 ويستهدف الفئات التي ليس لها دخل مستقر.
وسيتيح الصندوق لهذه الشريحة من التونسيين إمكانية النفاذ إلى القروض البنكية بهدف تمويل بناء مساكن أو شرائها عبر الضمان في التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل القطاع المصرفي.
وتشمل الخطة أيضا تحفيز المطورين العقاريين وخاصة الشركات الصغيرة على المساهمة أكثر في إنتاج السكن الاجتماعي من أجل الضغط على التكاليف لجعلها تتماشى مع إمكانيات محدودي الدخل.