توقيف قيادات من مناطق مختلفة: هل عادت النهضة إلى العمل السري

تونس - أثار توقيف العشرات من عناصر النهضة، قيادات جهوية ومنتسبين من أغلب محافظات تونس، التساؤل عما إذا كانت النهضة التي توقف نشاطها كحزب علني قد اختارت العودة إلى العمل السري في تكرار لتجاربها خلال الثمانينات والتسعينات، والتي قادتها إلى مواجهة مع نظامي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وما إذا كانت تخطط لتكرار الأسلوب نفسه مع قيس سعيد بعد أن فشلت في مواجهته سياسيا عبر الانتخابات ومن داخل مؤسسات الدولة.
وفيما لم تكشف الجهات الرسمية عن أسباب هذه الحملة، ولماذا استهداف هذه العناصر دون غيرها، فإن إحالة القضية إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب قد تفسَّر بوجود تحرك منظم على مستوى الجهات ربما يتعلق بالانتخابات، في وقت حث فيه قيس سعيد قبل أيام على المزيد من”اليقظة والانتباه والاستشراف لإحباط كل محاولات المس بأمن الدولة وأمن المواطنين”.
وقررت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في بن عروس التخلي عن ملف الأبحاث المتعلقة بعدد من قياديي حركة النهضة، الذين تم توقيفهم بداية الأسبوع، لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، “بعد أن قدّرت أن هناك صبغة إرهابية في الوقائع المنسوبة إليهم”، وفق ما نقلته إذاعة موزاييك عمن أسمته “مصدرا مطلعا”.
واستبعد مراقبون أن تقوم الجهات الأمنية بتوقيف عناصر من جهات مختلفة دون وجود مسوغ قانوني يبرره، معتبرين أن الأمر قد يكون خطوة استباقية من الجهات الأمنية لقطع الطريق على أي محاولة لإرباك الانتخابات بأساليب تتجاوز الأساليب المسموح بها قانونيا.
وأكدت نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن “جميع الحركات والأحزاب لم تتوقف عن النشاط، حتى ولو زجّ بقياداتها في السجن، ومن المؤكد أن قواعد النهضة تنسق للقيام ببعض التحركات في الشارع”.
ولم تصدر حركة النهضة دعوة واضحة لمقاطعة الانتخابات أو التصويت لأحد المرشحين، لكن أنصارها على مواقع التواصل الاجتماعي يدعون إلى تصويت عقابي ضد قيس سعيد، ومعظمهم يدعم التصويت للمرشح الموقوف حاليا العياشي زمال، وفي حال الاضطرار قد يدعو إلى تصويت لصالح زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب القومية المناوئة للإسلاميين.
ولا تزال حركة النهضة معزولة سياسيا رغم سعيها للتعاون مع المجموعات السياسية والمدنية التي تنتقد وضع الحريات أو تتظاهر ضد قرار هيئة الانتخابات الذي يقضي بتجاوز حكم المحكمة الإدارية بإعادة ثلاثة مرشحين إلى السباق الرئاسي؛ كما وقع في مسيرة مساء الجمعة، حيث رفضت مختلف الجمعيات مشاركة النهضة في التظاهرة الاحتجاجية.
وقالت الزموري في تصريح لـ”العرب” إن “مشاركة حركة النهضة في المسيرة المنظمة غير مرغوب فيها، وانتقادنا لمسار 25 يوليو لا يعني بالضرورة أننا راضون عما حدث في العشرية الماضية”.
وأضافت أن “النهضة معروفة منذ زمن بركوبها على الأحداث، وهناك دعوة للقواعد إلى إكساب الحركة نفسا جديدا من أجل العودة إلى الحياة السياسية”.
وكانت حركة النهضة قد أصدرت الثلاثاء بيانا أعلنت فيه عن توقيف عدد من قيادييها، من بينهم عضو المكتب التنفيذي للحركة محمد القلوي وكاتبها العام الجهوي بمحافظة بن عروس محمد علي بوخاتم. ثم أصدرت الخميس بيانا ثانيا قالت فيه إن “سلطات الأمن اعتقلت العشرات من منتسبيها في مختلف أنحاء البلاد”.
وقالت النهضة في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي مساء الخميس “مرّة أخرى وفي ظرف أيام قليلة، تشنّ السلطة حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من مناضلي حركة النهضة في مختلف جهات البلاد”.
وأضافت أنها “تندّد بما يتعرّض له مناضلوها ومناضلاتها من اعتقالات تعسفية وظالمة”، وطالبت بـ”وقف الملاحقات والتنكيل بمناضليها وإطلاق سراح كل من طالهم الاعتقال”.
واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي أنه قد “اتضح جليّا لدى الشعب التونسي أن الحركة انتهت سياسيا وشعبيا، وقد انقسمت حتى قبل الإعلان عن تلك الاعتقالات”، مشيرا إلى أن “هناك ملفات مفتوحة لدى القضاء تخص بعض القيادات، وهي قضايا قديمة”.