توقيع الميثاق السياسي في نيروبي يغيّر معادلة الصراع بالسودان

تدشين تحالفات تطغى عليها الصفة السياسية بين قوات الدعم السريع وحركات مسلحة يشي بأن معالم الانقسام أضحت أكثر وضوحا في السودان.
الاثنين 2025/02/24
الأزمة في السودان تدخل مرحلة جديدة

نيروبي/ بورتسودان – دخلت الأزمة في السودان مرحلة جديدة عقب التوقيع على ميثاق سياسي لتشكيل سلطة موازية، بعد أن تشكلت على نحو أكبر طبيعة التحالفات التي دشنتها قوات الدعم السريع مع حركات مسلحة وعدة قوى سياسية، في مواجهة الجيش الذي شكل في المقابل تحالفات أخرى، ما يشير إلى اتساع رقعة الصراع وتغيير معادلة القوة، بما يدفع نحو الجنوح إلى السلام أو الاستمرار في الحرب.

ووقعت قوات الدعم السريع و23 كيانا، مساء السبت، ميثاقا تأسيسيا لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تخضع لسيطرتها، وجرت مراسم التوقيع في نيروبي وسط تعتيم إعلامي وإجراءات مشددة، بعد أن أثارت الخطوة جدلا واسعا في السودان.

وشارك في التوقيع عبدالرحيم دقلو عن قوات الدعم السريع، وجوزيف توكا عن الحركة الشعبية شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، وعن حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس، ووقّع أيضا عليها كل من رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، والقيادي بالحزب الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني.

وأكد الموقعون على الميثاق السياسي أن دافع الخطوة هو “إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، والحفاظ على وحدة السودان الطواعية،” وتهدف إلى “استرداد مسار الحكم المدني الديمقراطي، واستعادة الحقوق الدستورية لكل المواطنين دون تمييز، وتأسيس جيش جديد.”

أحمد خليل: مسألة علمانية الدولة حظيت بنقاش مستفيض
أحمد خليل: مسألة علمانية الدولة حظيت بنقاش مستفيض

وتجاوز المجتمعون خلافات قادت إلى إرجاء التوقيع على الاتفاق أكثر من مرة بسبب عدم التوافق على مبدأ علمانية الدولة. ونص الميثاق، الذي هو دستور مؤقت، على تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة.

وقال المحلل السياسي السوداني أحمد خليل، وكان حاضرا خلال مراسم التوقيع على الميثاق في نيروبي، إن مسألة علمانية الدولة والفصل بين الدين والسياسة حظيت بنقاش مستفيض في الأيام الماضية، وظهرت مخاوف من فشل التحالف بين الدعم السريع والحركة الشعبية، أسوة بالعديد من التحالفات التي دعمت مسألة العلمانية سابقا ولم تتحقق على أرض الواقع.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مشاركة أحزاب دينية ضمن التحالف السياسي للوثيقة الدستورية، مثل الحزب الاتحادي الأصل وحزب الأمة القومي اللذين دعيا من قبل للاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، عرقلت التوقيع على الميثاق واستطاعت الحركة الشعبية في النهاية أن تفرض رؤيتها، وتم تجاوز النقطة الخلافية على المستوى النظري.

وأشار إلى أن التوقيع على الميثاق شهد اعتراضات بسبب عدم وجود تمثيل للمرأة بين القوى الموقعة عليه، ودار النقاش حول كيفية إتمامه في حين أن الأحزاب والحركات والمكونات الموقعة عليه منشقة من قوى أخرى، وكان هناك اقتناع بأن إطالة أمد الصراع قادت إلى هذه الوضعية، وعلى الجميع البحث عن حلول.

وأشار الميثاق إلى حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو قيام أي حزب أو تنظيم بالدعاية السياسية على أساس ديني أو عنصري، وضرورة كفالة الحريات والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان الدولية.

وتوقع أحمد خليل أن يغير التوقيع على الميثاق معادلة الصراع القائم حاليا على المستوى العسكري ويعطي إمكانية امتلاك طيران ومنظومة دفاعية ستزود بها السلطة الجديدة، وسوف تنتفي فكرة تزويد الدعم السريع بالسلاح لأنه سيوجه إلى مؤسسات قائمة على أسس شراكة بين مكونات مختلفة، مؤكدا أن التوقيع على الميثاق جاء بعد “اتصالات جرت مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قبل مراسم التوقيع.”

ويرى مراقبون أن تدشين تحالفات تطغى عليها الصفة السياسية بين قوات الدعم السريع وحركات مسلحة وقوى أخرى يشي بأن معالم الانقسام أضحت أكثر وضوحا في السودان، فمنذ أن بدأ الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع ظلت المسألة محصورة في قدرتهما على حسم الصراع لصالح أحدهما.

ويشير هؤلاء إلى أن الواقع تغير، وإذا استقر الميثاق السياسي واستطاع المتحالفون ترميم الخلافات بينهم والمضي قدما باتجاه تشكيل حكومة موازية فستكون هناك حلول تفاوضية، وأن الأطراف السياسية المتحالفة مع كل من الجيش أو الدعم السريع ستحاول جني مكاسب بشكل أكبر لكونها اتخذت خطوات طغت عليها صفة المغامرة لخدمة طرفي الصراع الرئيسيين.

مرتضى الغالي: ميثاق نيروبي هو جزء من الحراك لوقف الصراع
مرتضى الغالي: ميثاق نيروبي هو جزء من الحراك لوقف الصراع

وترى أحزاب وحركات مسلحة تحالفت مع قوات الدعم السريع أنها أضحت في موضع اتهام وتساعد على تمرير مشروع تقسيم السودان، وتحالفت مع قوى يتهمها المجتمع الدولي بارتكاب جرائم حرب، ما يؤثر عليها حاليا، لكنها قد تحقق مكاسب سياسية أكبر مستقبلاً.

وفي المقابل ترى التيارات الإسلامية والحركات المسلحة في دارفور التي تحالفت مع الجيش أنها شاركت بعناصرها في الحرب وساعدت الجيش على تحقيق تقدم ملحوظ مؤخرا ومنيت بخسائر بشرية وهي أيضا تنتظر جني المكاسب.

وأوضح المحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي أن ميثاق نيروبي هو جزء من الحراك الدائر بسبب استمرار الحرب ويصب في اتجاه محاولات وقف الصراع، لكن يبدو أن القوى المدنية منقسمة حول الوسيلة المناسبة لوقف الحرب، فهناك من يرى أن حالة التوحد التي كانت عليها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) هي سبيل الضغط للعودة إلى الحكم المدني، في حين يقول فريق آخر إنه لوقْف الحرب لا مفر من الدخول في شراكة مع أحد الأطراف العسكرية التي تملك السلاح، وقد تفرض السلام بالقوة، لكن ذلك سوف يقلل من حظوظ القوى السياسية في المستقبل.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن القوى التي ذهبت باتجاه التحالف مع الدعم السريع تبرر الاتهامات الموجهة إليها بأنها تسير في طريق تقسيم السودان، وذلك بالتأكيد على أن التقسيم حاصل بالفعل وهناك مناطق واقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع وأخرى يسيطر عليها الجيش، وأن حكومة بورتسودان ساهمت في الوصول إلى هذه النقطة مع عدم تقديم الخدمات للمواطنين في المناطق التي لا تتواجد فيها.

ولفت إلى أن الحكومتين (القائمة حاليا في بورتسودان والحكومة الموازية الجديدة) لا تحظيان بتوافق شعبي أو اعتراف داخلي، وكلتاهما تدركان أن التحركات التي جرت أخيرا في نيروبي من شأنها إطالة أمد الصراع، وتوجد قوى إقليمية ودولية تدعم هذا المخطط، وتبقى المشكلة كامنة في انتفاء المرجعية التي يمكن للسودانيين العودة إليها، فلا يوجد كيان أو رمز له كلمة مسموعة، واختفى صوت العقل بشكل كامل.

 

اقرأ أيضا:

      • حلفاء الجيش السوداني غاضبون لتجاهلهم في مشاورات أديس أبابا

      • الإسلاميون في السودان بين فشل السياسة واحتراف العنف

1