توقيت "سوري" ضاغط على السلطات بعد طلب أكبر حزب جزائري معارض وقف التسيير الأمني للبلاد

النظام الجزائري يتخوف من أن تشجع التطورات الإقليمية على إحياء الحراك الشعبي الذي تم الالتفاف على مطالبه بوعود من تبون لم تنفذ.
الأحد 2024/12/15
ظلال وضبابية للقادم من أيام الرئيس والجزائر

الجزائر- دعا حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر، إلى “وضع حد للتسيير الأمني والأحادي لشؤون البلاد والانخراط في عملية إصلاحات كبرى قادرة على ضمان الديمقراطية السياسية، والتنمية الاقتصادية والازدهار الاجتماعي“.

وجاءت الدعوة في وقت ضاغط بالنسبة إلى السلطات الجزائرية محليا وإقليميا، وفي ظل إحساس متزايد لدى النظام بان انهيار سلطة الرئيس السوري بشار الأسد الشبيهة إلى حد كبير بطبيعة السلطة في الجزائر يضيف على أزمة تخبط إقليمية مع دول الساحل من جهة ودول جنوب أوروبا من جهة أخرى.

ويتخوف النظام الجزائري من أن تشجع التطورات الإقليمية على إحياء الحراك الشعبي الذي تم الالتفاف على مطالبه بوعود كثيرة من الرئيس عبدالمجيد تبون، في وقت يقول فيه الجزائريون إن لا شيء تغير بالنسبة إليهم منذ احتجاجات 2019.

◄ من الواضح أن المعارضة الجزائرية تسعى للاستفادة من هذا الضغط لدفع السلطة إلى تقديم تنازلات

وإذا كان حراك 2019 قد أفضى إلى الإطاحة بحكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولم ينجح في الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية والأجهزة والأمنية والاستخبارية المسيطرة على كل دواليب الدولة، فإن الحراك الجديد يتوقع أن يكون عنوانه تفكيك النفوذ الأمني للسلطة، وهو ما أشار إليه الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش.

وقال أوشيش إن التسيير الأمني لشؤون المجتمع، بحجة الحفاظ على النظام العام، لن يؤدي إلا إلى “إضعاف أسس المجتمع الجزائري وإلى تغذية مناخ الشك، والخوف والانقسام، إذ تعلمنا التجارب أن سياسات الغلق تولد التوترات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى أزمات اجتماعية وسياسية أكثر خطورة“.

وفي 22 فبراير 2019 خرج الآلاف من الجزائريين في مسيرات عارمة، ضد ترشح عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان مشلولا وعاجزا عن الكلام، لولاية خامسة. وبعد نجاحهم في إسقاط الولاية الخامسة واستقالة بوتفليقة في 2 أبريل استمرت التظاهرات كل أسبوع من أجل “تغيير النظام“.

◄ دعوة أكبر حزب معارض تتزامن مع إحساس السلطات بأن انهيار سلطة الأسد يضيف لأزمات تخبطها الإقليمي
دعوة أكبر حزب معارض تتزامن مع إحساس السلطات بأن انهيار سلطة الأسد يضيف لأزمات تخبطها الإقليمي

غير أن رئاسة أركان الجيش التي أمسكت بالسلطة الفعلية، مسحت كل مطالب الحراك، بشأن تغيير “النظام” في عهد بوتفليقة ومحيطه، وشنت حملة اعتقالات لمسؤولين ومتظاهرين حتى لا تستمر المطالبات بكف يد الجيش عن الحياة السياسية والمدنية.

ويقول مراقبون إن المؤسسة العسكرية نجحت في أن تنجو من الغضب الشعبي وقتها بأن رعت الانتقال من مرحلة بوتفليقة إلى انتخاب تبون، لكن الآن لن تجد من تحمّله المسؤولية في ضوء غضب شعبي متزايد ليس فقط على الوضع الاجتماعي والمعيشي، ولكن أساسا على التراجع الكبير في صورة الجزائر وعزلتها في الإقليم وتوتر علاقاتها الخارجية دون مراعاة المصالح الإستراتيجية للبلاد.

وقاد التوتر في الخطاب الرسمي الجزائري إلى تعريض مصالح الجزائر للخطر خاصة مع إسبانيا ثم فرنسا، وهو ما يحوّل صورة الجزائر إلى بلد غير مستقر وغير موثوق لدى الشركاء لعقد اتفاقيات اقتصادية، وخاصة في مجال الطاقة والأمن. كما أن المحيط الإقليمي بات ينظر بريبة إلى الجزائر بسبب مواقفها المتوترة ليس مع المغرب فقط، بل مع دول عربية وأفريقية.

وطال التوتر دول الجوار مثل مالي والنيجر، اللتين استمرت تنظر إليهما كحزام أمني وعسكري لحماية أمنها القومي ولعب دور الشرطي في مواجهة أنشطة التنظيمات المتشددة وشبكات التهريب وموجات الهجرة غير النظامية، دون بناء شراكات اقتصادية تساعد الدولتين على مواجهة الأزمات.

ويشير المراقبون إلى أن سقوط نظام الأسد، الذي كانت الجزائر تنظر إليه كحليف موثوق لتشابه في التركيبة بين النظامين، سيثير مخاوف أكبر داخل السلطة من توترات داخلية قد يلعب فيها الإسلاميون، الذين رعاهم النظام وتحالف معهم، ضمن موجة احتجاجات مدعومين من حلفاء الأتراك والقطريين.

وكان الموقف الرسمي الجزائري حول تطورات الوضع في سوريا قد تباين بين دعمه لنظام الأسد ووصف المسلحين بـ”الإرهابيين” في بداية الأمر، وبين دعوته جميع السوريين إلى الحوار والتماسك بوحدة الأرض والشعب، عقب مغادرة الأسد إلى روسيا.

◄ رئاسة أركان الجيش التي أمسكت بالسلطة الفعلية، مسحت كل مطالب الحراك، بشأن تغيير “النظام” في عهد بوتفليقة ومحيطه

وظهر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاتلون سوريون يتوعدون النظام الجزائري بالزحف عليه بعد طي صفحة نظام الأسد، ووصفوه بـ”الدكتاتور” الداعم للأسد طيلة 13 عاما، وقالوا إنهم سيجعلون مبنى السفارة الجزائرية “مرحاضا عموميا”، كانتقام من الموقف الرسمي الجزائري من المعارضة.

ومن الواضح أن المعارضة الجزائرية تسعى للاستفادة من هذا الضغط لدفع السلطة إلى تقديم تنازلات، وهو ما يعكسه كلام الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية من الدعوة إلى “تغيير المقاربات في ظل التغيرات الجيوستراتيجية الكبرى التي يشهدها العالم،” داعيا إلى “تحديد مشروع وطني واضح وطموح، وبإشراك جميع القوى الحية في البلاد فيه“.

ونوه أوشيش إلى أن ذلك يتم عبر “تبني وتشجيع الحوار مع الاستعداد الدائم لتقديم التنازلات وتشكيل التوافقات من أجل الحفاظ على البلاد وتعزيز وحدتها وتماسكها“.

وعلق أوشيش، المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية التي جرت بتاريخ السابع من سبتمبر الماضي على الأحداث المتسارعة في سوريا، بالقول “يجب أن تشكل درسا لنا، وتذكرنا بحقيقة ثابتة غير قابلة للتأويل، وهي أن قوتنا تكمن في وحدتنا ومدى قدرتنا على بناء منظومة قوية ومستقلة، تمكننا من حماية أنفسنا من هذه التحولات الجيوسياسية الكبرى الماثلة أمام أعيننا“.

1