توقف المساعدات الدولية للسودان يثير الشكوك بشأن الإصلاحات

الخرطوم - فتح الاتفاق السياسي الذي وقعه قائد الجيش السوداني الفريق ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك طريقا للخروج من الأزمة السودانية، إلا أن توجس الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يحول دون استئناف دعم الخرطوم ماليا.
وقال وزير المالية في الحكومة المنحلة إن السودان لم يتمكن من الحصول على 650 مليون دولار من التمويل الدولي في نوفمبر الماضي عندما توقفت المساعدات في أعقاب انقلاب، وهو تجميد للأموال يثير الشكوك حول مدفوعات الواردات الأساسية ومصير الإصلاحات الاقتصادية.
وأضاف جبريل إبراهيم، الذي تم تعيينه في حكومة انتقالية مدنية في فبراير، أن هذا التمويل عبارة عن 500 مليون دولار لدعم الموازنة من البنك الدولي و150 مليون دولار في شكل حقوق سحب خاصة من صندوق النقد الدولي.
ويُنظر إلى التمويل الأجنبي على أنه طوق نجاة لمساعدة السودان في الفكاك من عقود من العزلة، ودعم التحول الديمقراطي الذي بدأ مع الإطاحة بحكومة عمر البشير في 2019، لكن هذا المسار انقلب رأسا على عقب بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.

جبريل إبراهيم: ليست هناك أي وعود بدعم من أي بلد لكن الاتصالات مستمرة
وعلّقت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية بقيمة 700 مليون دولار منذ الانقلاب، كما أوقف البنك الدولي مدفوعاته بعد أن وعد بتقديم ملياري دولار في شكل منح.
لكن مظاهرات عارمة واحتجاجات حاشدة كانت وراء إعلان الجيش في الحادي والعشرين من نوفمبر عن اتفاق لإعادة رئيس الوزراء حمدوك بتكليف يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط، لكنه يصطدم بمعارضة سياسية للاتفاق.
وقال مسؤول سابق بالحكومة المنحلة “كان السودان يحظى بدعم دولي هائل. الآن سيكون المانحون أكثر حذرا”.
وأضاف المسؤول أن العبء أصبح يقع في الوقت الراهن على عاتق الجيش والحكومة لإثبات أنهما لا يعتزمان العودة إلى نفس صيغة نموذج البشير في الحكم الذي يجري إعادة هيكلته وإصلاحه.
وامتنعت وزارة الخزانة الأميركية عن التعقيب. وقال صندوق النقد الدولي إنه لا يزال “يراقب التطورات عن كثب”.
وكان صندوق النقد وافق في يونيو على برنامج قروض بقيمة 2.5 مليار دولار مدته 39 شهرا على أن يخضع لمراجعة دورية.
وكان معدل التضخم، وهو بين أعلى المعدلات في العالم، بدأ في الانخفاض قبل الانقلاب، فيما استقر سعر الصرف بعد انخفاض حاد في قيمة العملة في فبراير.
ويقول دبلوماسيون وخبراء مصرفيون غربيون إن هذه الإصلاحات أصبحت الآن في مهب الريح ومن غير الواضح كيف يمكن للسودان تمويل الواردات دون طباعة النقود، وهي سياسة غذت أزمة اقتصادية استمرت لأمد طويل، لكنها توقفت خلال الفترة الانتقالية.
وقال مسؤول سابق آخر إن السودان كان يملك إبان الانقلاب احتياطيات كافية لتغطية الواردات الاستراتيجية لشهرين فقط.
ويقول إبراهيم، وهو زعيم متمردين سابق ضمن لنفسه دورا وزاريا عبر اتفاق سلام ويتوقع أن يستمر في منصبه، إنه يأمل في أن يعود الدعم الدولي تدريجيا على مدار الثلاثة إلى الستة أشهر القادمة، وفي غضون ذلك يمكن دفع مستحقات الفواتير واستمرار الإصلاحات.
وأضاف في مقابلة بوزارة المالية في الخرطوم “بصورة أساسية نحن نعتمد على إيرادات الضرائب وإيرادات الجمارك، وإيرادات الذهب، وإيرادات الشركات المختلفة التي تعمل في مجالات متعددة”.
وفي ما يتعلق بالسلع الأساسية مثل الطحين والوقود والدواء قال إبراهيم “لا أستطيع أن أقول إننا نستطيع أن نغطي ذلك بالكامل، لكن الجزء الأغلب من حاجتنا من السلع الاستراتيجية نغطيه بصادراتنا”.
وكانت الحكومة بدأت خفض عجزها التجاري عبر إصلاحات ضريبية وجمركية، لكن هذه الإيرادات تعطلت بفعل حصار فرضته مجموعة قبلية في بورتسودان قبل الانقلاب. وهناك تهديدات بفرض المزيد من الحصار.
وقال إبراهم إن الأثر الأكبر لتجميد الدعم الدولي سيقع على مشاريع التنمية ومن بينها إمدادات المياه والكهرباء والزراعة والصحة والنقل. كما تم تجميد برنامج الدخل الأساسي المدعوم دوليا لتخفيف أثر الإصلاحات المتعلقة بالدعم.
وأضاف “حتى الآن ليست هناك أي وعود بدعم كبير من أي بلد، عربي أو غير عربي، لكن الاتصالات مستمرة مع كل الدول الصديقة”.
وفي الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس تعليقا على الاتفاق الذي تم بين البرهان وحمدوك “هذه خطوة أولى، ويجب ألا تكون خطوة أخيرة”.
وأكد الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية عاصم إسماعيل أن استمرار الدعم من عدمه يتوقف على دور الحكومة المقبلة واستمرارها بنفس النهج الذي يفضي إلى تعاون المجتمع الدولي وعودة الدعم.
وقال إسماعيل “واشنطن مازالت ترى أن الواقع السوداني يدار بواسطة العسكريين، على الرغم من أنها تراجعت عن طريقتها في كيفية إدارة السودان بقولها إنها حريصة على الشراكة”، منوها إلى أن الإدارة الأميركية ترغب في معرفة تكوين الوزارات، ومن هم الوزراء الجدد.