توسّع التمرد الضريبي يكرّس حدة الغضب والاحتقان في الجزائر

فئات مهنية واجتماعية تمتنع عن دفع الجباية احتجاجا على جور قانون المالية.
الأحد 2022/02/13
حالة التململ الشعبي تتصاعد

قاد توجه الحكومة الجزائرية لفرض المزيد من الضرائب من أجل سدّ العجز في الموازنة العامة، وهو عجز يقدر بنحو 30 مليار دولار، إلى مواجهة تمرّد ضريبي بدأ يأخذ منحى توسعيا لدى العديد من الفئات المهنية، حيث انضمت السبت جمعية وكلاء السيارات إلى الفئات الممتعضة من خيار الحكومة لمواجهة عجز الموازنة.

الجزائر - أخذ التمرد على دفع الحقوق الجبائية منحى توسعيا لدى عدد من الفئات المهنية في الجزائر، كاحتجاج منها على الخيارات الاقتصادية والمالية للحكومة، الأمر الذي سيكسر حاجزا جديدا في علاقة السلطة بالمجتمع، فبعدما كان الأمر يندرج في إطار سلوك معزول يجرمه القانون، تحول الامتناع عن دفع الضريبة، سلوكا احتجاجيا على خيارات بدأت تلقي بثقلها على استقرار الجبهة الاجتماعية والاقتصادية.

انضمت جمعية وكلاء السيارات إلى الفئات الممتعضة من خيارات الحكومة المالية والاقتصادية بموجب التدابير التي أقرها قانون المالية للعام الجاري، حيث أعلنت في بيان لها، عن امتناعها عن دفع الضرائب المترتبة على نشاطها، وذلك احتجاجا على مماطلة الحكومة في إطلاق وتيرة النشاط، وتعمدها في أكثر من مرة التراجع عن التزاماتها بعودة نشاط استيراد السيارات والمركبات.

وذكرت الجمعية في بيان اطلعت عليه “العرب”، بأن “تلميح وزير الصناعة في تصريحه للإذاعة الحكومية، إلى أن قرار عودة النشاط مرشح للتأجيل مجددا، أصاب المهنيين والناشطين في القطاع بالمفاجأة والصدمة في آن واحد، خاصة وأن الإشارات جاءت منافية للوعود التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون”.

الحكومة المنهكة بعجز في الموازنة يقدر بنحو 30 مليار دولار، لم يبق أمامها إلا اللجوء لسلاح الضريبة لتقليص الفجوة

وأضاف “المشكلة لا تكمن في الوكلاء وإنما في غياب إرادة حقيقية لدى وزارة الصناعة لمنح اعتمادات الترخيص للناشطين، وعليه قرر أعضاء الجمعية الـ80 وقف النشاط وتسريح العمال، وتجميد تسديد الضرائب والرسوم وحتى الضريبة على النشاط، وذلك ردا على مماطلة الوزارة في إصدار رخص النشاط واللجوء في كل مرة إلى إعداد دفتر شروط جديد منذ العام 2020”.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن تقلص مخزون النقد الأجنبي لدى الجزائر إلى نحو 40 مليار دولار، دفع الحكومة إلى تقليص فاتورة الاستيراد من أجل تحقيق توازن في الميزان التجاري، ولذلك تجري المماطلة في الترخيص للناشطين في مجال استيراد السيارات والمركبات، لأن السوق تتطلب نحو مليار دولار سنويا، وهي كلفة يبدو أن الحكومة غير مستعدة لإنفاقها، خاصة وهي التي تتجاهل حاجيات أساسية على غرار الدواء والمواد الأولية لمختلف الممنتوجات التي تصنع محليا.

وجاء قرار وكلاء السيارات بالامتناع عن دفع الضرائب، لينضاف إلى فئات مهنية أخرى، أعلنت في وقت سابق عن نفس الإجراء، احتجاجا على التشديدات التي استحدثها قانون المالية الحالي، تجاه عدد من الفئات على غرار المحامين والمحضرين القضائيين الذين شنوا إضرابات شلت نشاط المحاكم مطلع العام الجديد، ولا يستبعد أن تلتحق بهم فئات أخرى، كالأطباء الخواص الذين استهجنوا بدورهم ما وصفوه بـ”الرفع المريب للضريبة من 12 في المئة إلى 35 في المئة”.

ولا زال إجراء مماثل أعدته إدارة الجمارك تجاه البضائع الموردة بواسطة الطرود البريدية، قد أثار موجة من الغضب والسخرية على شبكات التواصل الاجتماعية، بعدما تم فرض رسوم تتراوح بين 40 و130 في المئة من القيمة الحقيقية للبضاعة، الأمر الذي اعتبر ضربة قاصمة لنشاط التجارة الإلكترونية الذي بدأ يخطو خطواته الأولى بالجزائر.

واستغرب مدونون جزائريون، لجوء إدارة الجمارك إلى مثل هذا الإجراء الذي سيشل التجارة الإلكترونية فيما باتت تمثل أحد الأعمدة التي تعتمد عليها التجارة العالمية، فضلا عن تطبيق رسوم تكون في الغالب أكثر من ضعف تكلفة الإنتاج بدءا من المادة الخام إلى غاية التغليف والتوضيب، فالهاتف الذي يسوق بـ200 دولار، بات سعره النهائي بموجب الرسم المذكور يقدر بـ4600 دولار، وهو سعر خيالي يقضي على النشاط تماما ويعطل الكثير من الشباب الذين ولجوا عالم التجارة الإلكترونية.

العبئ الضريبي يتحمله المواطن البسيط
العبئ الضريبي يتحمله المواطن البسيط

وأمام موجة الغضب المتصاعدة لدى هؤلاء، بررت إدارة الجمارك بأن “الإجراء جاء تنفيذا لتدابير قانون المالية، وأن السلطة الجبائية لاحظت تنامي سوق إلكترونية دون تقديم أي عائد للخزينة العمومية، وأن المسألة لا تتعلق بالعمليات الفردية وإنما بالأشخاص الذين ثبتت ممارستهم للنشاط المذكور”، غير أن بيان الإدارة لم يوضح مبررات الرفع الخيالي للرسوم التي تفوق تكلفة الإنتاج، ولا إلى التفكير في تنظيم النشاط بدل شله تماما.

ويبدو أن الحكومة المنهكة بعجز في الموازنة العامة يقدر بنحو 30 مليار دولار، لم يبق أمامها إلا اللجوء إلى سلاح الضريبة لتقليص الفجوة، غير أن القرارات المتخذة في هذا الشأن بدأت تصطدم بتمرد ضريبي بدأ في التوسع من فئة إلى أخرى، في حين استحضر آخرون مقولة ابن خلدون “إذا كثرت الجباية اقتربت الدولة من النهاية”، وهو مؤشر غير مسبوق في البلاد، فبعدما كان التهرب ذو الطابع السري يندرج في إطار البيروقراطية والفساد، بدأ يأخذ طابعا علنيا للاحتجاج على ممارسات الحكومة.

وفيما شدد خبراء في الاقتصاد على ضرورة توسيع الوعاء الضريبي بدل اللجوء إلى رفعه، من أجل خلق عائدات للخزينة دون إلحاق الضرر بفئات مهنية أو اجتماعية بعينها، جاءت التدابير المستحدثة في قانون المالية الساري، لتضع الجبهة الاجتماعية على حافة أزمة غير مسبوقة تتجاوز المعارضة السياسية التقليدية إلى تمرد ضريبي على الحكومة.

ومن بين ما ورد في بيان جمعية الوكلاء “تأكدوا أننا تعرضنا للكثير من الظلم طيلة السنوات الماضية، وغير مستعدين إلى المزيد من الخسائر في المرحلة المقبلة”، وهي مفردات تحمل العديد من المعاني والدلالات على المشاعر التي باتت تتوسع لدى مختلف الفئات الاجتماعية والمهنية، وهو ما يعتبر شرارة قابلة للاشتعال والتحول إلى ثورة لا أحد يعلم شكلها ومضمونها.

2