توسع روسي في مصادرة حيازات الشركات الغربية

كثفت روسيا من خطوات مصادرة أصول مملوكة للشركات الغربية عبر التركيز أكثر على حصص الاستثمار في قطاع الطاقة، والتي ترى الحكومة أنها ستدعم نمو الإيرادات وستساعد في تحفيز النشاط الاقتصادي للوقوف بوجه العقوبات الأوروبية والأميركية.
موسكو - أصدرت روسيا قرارا بمصادرة حصص تقدر قيمتهما بالمليارات من الدولارات لشركة فينترسهال ديا للطاقة الألمانية ومجموعة أو.أم.في النمساوية للطاقة في مشاريع لاستخراج الغاز بالقطب الشمالي في روسيا.
وبموجب مراسيم رئاسية نشرت في وقت متأخر الثلاثاء الماضي، ستنتقل الحصص المملوكة للشركتين في حقل يوزنو روسكوي وفي مشاريع أكيموف إلى شركات روسية تأسست حديثا.
وتأتي أكبر عملية مصادرة أصول أجنبية في روسيا يعلنها الكرملين بعد ما وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه “إعلان الغرب لحرب اقتصادية على بلاده” إثر غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022.
وسيطر رجال الأعمال الروس على بعض الأصول الغربية الكبرى في البلاد، بما في ذلك مصانع الجعة الثمانية التابعة لكارلسبيرغ، بالإضافة إلى شركات دانون الفرنسية لصناعة الزبادي.
وفي المقابل، تم تجميد أصول الدولة الروسية بمئات المليارات من الدولارات في الغرب، وكذلك أصول رجال الأعمال والمستثمرين الروس.
108.4
مليار دولار خسائر 600 شركة أوروبية متعددة الجنسيات كانت تعمل في روسيا
وسيطرت ألمانيا العام الماضي على مصفاة نفط شفيت الكبيرة المملوكة لروسيا، والتي تزود أكبر اقتصاد في أوروبا بنحو 90 في المئة من الوقود.
وسنّت موسكو العام الماضي قانونا يسمح للشركات المحلية بالسيطرة على الشركات الغربية التي قررت المغادرة عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، مما زاد المخاطر على الشركات متعددة الجنسيات التي تحاول الخروج.
ومنح القانون للحكومة سلطات واسعة للتدخل عندما يكون هناك تهديد للوظائف أو الصناعة المحلية، مما جعل الأمر أكثر صعوبة على الشركات الغربية لتفكيك نفسها بسرعة.
وتضفي المراسيم الطابع الرسمي على فقدان السيطرة الذي أشارت إليه فينترسهال ديا وبي.أي.أس.أف الألمانية، وهي أكبر مجموعة كيميائية في العالم، في يناير الماضي.
وقالت المراسيم إن “الخطوة تهدف إلى حماية المصالح الوطنية وسط تصرفات الغرب غير القانونية وغير الودية فيما يتعلق بالأصول الروسية”.
وفينترسهال ديا، وهو مشروع مشترك بين بي.أي.أس.أف وشركة الاستثمار ليتار ون المملوكة للملياردير الروسي ميخائيل فريدمان، بصدد الخروج من روسيا بعدما انسحبت أو.أم.في العام الماضي.
والأصول الروسية لشركة فينترسهال ديا، والتي تمثل حوالي نصف إنتاجها، قد تمت مصادرتها فعليا من قبل الدولة ويجب شطبها.
أصول فينترسهال ديا الألمانية للطاقة ومجموعة أو.أم.في النمساوية سيتم نقلها إلى شركات روسية تأسست حديثا
وقالت بي.أي.أس.أف في بيان أصدرته الأربعاء إن “الشركة علمت بهذه المعلومات من الأخبار وتقوم حاليا بتحليل الوضع بالتفصيل”.
وأعلنت الشركة عن خسارة صافية في العام الماضي متأثرة بانخفاض قيمته 7.3 مليار يورو نتج إلى حد كبير عن تصفية فينترسهال ديا في روسيا.
وتوقعت أو.أم.في في البداية أن تتكبد خسائر تتراوح بين 1.5 و1.8 مليار يورو من الانسحاب الروسي.
ومن المقرر أن يتم فصل جميع الأنشطة بمشاركة روسية، بما في ذلك حصة فينترسهال في خط أنابيب نورد ستريم، وكذلك المشاريع المشتركة مع غازبروم، قانونيا بحلول منتصف 2024.
ويقع كل من حقل يوجنو روسكوي ومشروعي أخيموف في منطقة يامال نينيتس في أقصى شمال روسيا.
ووفقا للمراسيم، سيتم نقل الحصص في مشاريع أخيموف إلى شركات ذات مسؤولية محدودة تم إنشاؤها خصيصا، وعرضها لاحقا للتقييم والبيع لشركة غير معروفة تسمى “غازوفي تكنولوجي”.
وسيتم بيع أصول شركة الطاقة النمساوية لاحقا إلى شركة المساهمة سوغاز، التي توفر التأمين لشركة غازبروم. وسيتم إيداع عائدات المبيعات في حسابات خاصة مملوكة لأصحابها الأجانب السابقين.
نجاح روسيا في التهرب من فرض سقف غربي لأسعار النفط يساعد في دفع انتعاش النمو الاقتصادي
وبحسب المراسيم، فإن جميع اتفاقيات الشركات المعمول بها سابقا لم تعد سارية المفعول.
واضطرت العديد من الشركات الغربية إلى تفادي الأسوأ عندما قررت مغادرة السوق الروسية، مما كبدها خسائر فادحة، بينما ظلت أخرى تعمل هناك في مغامرة محفوفة بمخاطر لا حصر لها.
وبعد 20 شهرا على اندلاع الحرب في شرق أوروبا، لا تزال شركات غربية عالقة بين سندان مواصلة نشاطها التجاري في روسيا، ومطرقة الرضوخ للعقوبات الغربية والمغادرة، وهما خياران أحلاهما مكلف.
وغادرت الكثير من الشركات الكبيرة تعمل في العديد من المجالات هربا من الحظر الأميركي والأوروبي، أو قامت موسكو بمصادرة أصولها، بينما سعت لسد منافذ خروج البعض منها.
ووضعت الحرب بنكا يونيكريدت الإيطالي وريفجين النمساوي وشركة إيكيا، أكبر علامة تجارية للأثاث في العالم، وسلسلة الوجبات السريعة بيرغر كينغ، ومئات الشركات الأصغر التي لا تزال لديها أعمال في روسيا، في وضع محرج.
وكانت شركات أميركية من بينها إكسون موبيل وبوينغ وفورد وجنرال موتورز وأبل وفيزا وماستركارد قد أعلنت قبل أشهر ابتعادها عن السوق الروسية.
كما غادرت سلسلة مطاعم البيتزا الأميركية دومينوز روسيا وأشهرت إفلاس فرعها المحلي الذي سعت لبيعه، وأغلقت 142 مركزا في عموم أنحاء البلاد.
وفي غضون ذلك تسعى الشركات الصينية إلى ملء الفراغ الذي أحدثه نزوح الكيانات الغربية وخاصة في قطاع تصنيع السيارات، من السوق الروسية في ظل العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على موسكو.
وبحسب إحصاء أجرته جامعة يال الأميركية، لا تزال نحو 100 شركة من دول مجموعة السبع تعمل في روسيا، على رغم أن عددها يواصل الانخفاض تدريجيا.

وتفرز العقوبات المتبادلة بين موسكو والغرب ظروفا غير ملائمة للشركات الأجنبية في روسيا، أيّا كان قرارها بشأن الاستمرار أو التوقف، ولكن المغادرة كان لها ثمن تجسد في تراكم الخسائر.
ووفق إحصاء لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية استنادا إلى الحسابات السنوية لنحو 600 شركة أوروبية متعددة الجنسية، خسرت الشركات ما لا يقل عن 100 مليار يورو (108.4 مليار دولار) “في أعقاب بيع، إغلاق أو تقليص نشاطاتها في روسيا”.
وعانى صانع السيارات الفرنسي رينو من خسارة قدرها 2.2 مليار يورو لدى انسحابه في مايو 2022 من روسيا، إحدى أهم الأسواق لمنتجاته في العالم.
أما الشركات التي عانت الخسائر الأبرز فهي تلك العاملة في مجال النفط، حيث لديها استثمارات ضخمة في روسيا، وكانت لسنوات بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تقيم علاقات جيدة مع موسكو.
وكانت بي.بي البريطانية للطاقة أوّل المغادرين بعد وقت وجيز من اندلاع الحرب وقدّرت خسائرها جراء ذلك بأكثر من 22 مليار دولار.
الاقتصاد الروسي الذي يركز على التصدير نجح في اجتياز موجة العقوبات بشكل أفضل مما توقعته موسكو أو الغرب
ويساعد نجاح روسيا في التهرب من فرض سقف غربي لأسعار النفط في دفع انتعاش النمو الاقتصادي في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس فلاديمير بوتين لخوض انتخابات الرئاسة رغم المشكلات الناجمة عن نقص العمالة والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
وحدد البرلمان رسميا موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل في منتصف مارس المقبل. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يترشح بوتين، الذي قال في سبتمبر الماضي إن “الاقتصاد من المقرر أن ينمو بنسبة 3.5 في المئة هذا العام”، لولاية جديدة مدتها ست سنوات.
ونجح الاقتصاد الروسي الذي يركز على التصدير، والذي تبلغ قيمته 2.2 تريليون دولار، في اجتياز موجة العقوبات بشكل أفضل مما توقعته موسكو أو الغرب عندما سعى المعارضون لغزو أوكرانيا في فبراير 2022 إلى معاقبة روسيا بوتين وعزلها.
ومن الأهمية بمكان أن الغرب لم يتمكن من كبح عائدات النفط الروسية بشكل فعال. فقد أعادت روسيا توجيه صادراتها إلى وجهات مثل الصين والهند واستخدمت الملكية الغامضة لما يسمى بأساطيل الظل من السفن للتحايل على سقف أسعار النفط الذي فرضه الغرب.
وفي نوفمبر الماضي، ساهمت عائدات الطاقة بمبلغ 961.7 مليار روبل (10.4 مليار دولار) في ميزانية روسيا، مقارنة بنحو 425.5 مليار روبل فقط في يناير الماضي.
ومع تعافي عائدات النفط فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه بوتين على المستوى الداخلي سيتمثل في مواجهة النقص الصارخ في العمالة، والذي تفاقم بفِعل التعبئة العسكرية في العام الماضي وهجرة مئات الآلاف من الناس منذ غزت روسيا أوكرانيا.
وتهدد القضايا الاقتصادية الأخرى، مثل ضعف العملة المحلية وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، بالضغط على القوة الشرائية للأسر، وهو موضوع حساس بشكل خاص مع توجه البلاد إلى صناديق الاقتراع.