توسع الناتو يفاقم الأزمة الأوكرانية بدل تطويقها

نشر روسيا لأسلحة نووية في بحر البلطيق يقوّض الأمن الأوروبي.
الاثنين 2022/04/18
الناتو أمام تحدي الموازنة بين التوسع وتجنب المواجهة مع روسيا

غذى الغزو الروسي لأوكرانيا التحالفات العسكرية في أوروبا فرغم مغادرة الدول الأسكندنافية لمربع حيادها في مسعى لتعزيز أمنها عبر الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أن الخطوة المحتملة قد تقوض الأمن الأوروبي بدل تطويقه مع تلويح موسكو بنشر أسلحة نووية في بحر البلطيق.

كييف/موسكو - انخرط حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حد كبير حتى الآن في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا من خلال نقله أسلحة ضخمة إلى أوكرانيا، وحشده عددا كبيرا من القوات في شرق أوروبا، وترحيبه بانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.

ويقول محللون إن تجاهل الناتو للشواغل الروسية بشأن القضايا الأمنية وتوسعه المستمر يشكلان السبب الجذري لاندلاع هذا الصراع وتصعيده. وإذا استمر في تقليص المنطقة العازلة الصغيرة المتبقية بينه وبين روسيا، فإن الوضع سيزداد سوءا بلا شك.

ويشير الجناح الشرقي لحلف الناتو عادة إلى دول البلطيق الثلاث، وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، فضلا عن بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا.

وقبل تصاعد الصراع الروسي الأوكراني، نشر الناتو قوة قتالية واحدة في كل من دول البلطيق الثلاث وبولندا، ونفذ آلية تناوب مع قوات الحامية غير الدائمة هناك.

ولكن في الوقت الحالي، يضاعف الناتو حجم القوات القتالية الأربع المذكورة وأعلن عن أربع مجموعات قتالية جديدة تابعة للناتو في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا في قمة الناتو التي عُقدت الشهر الماضي.

ديمتري بيسكوف: توسع الناتو بشكل أكبر لن يسهم في تحقيق الأمن في أوروبا

وينظر الكثيرون إلى الناتو على أنه من مخلفات الحرب الباردة، وقد تم التشكيك في ضرورة وجوده بعد نهاية الحرب الباردة.

ووعد الحلف العسكري في تسعينات القرن الماضي بأنه لن يتوسع “بوصة واحدة شرقا”، وفقا لما ذكره وزير الخارجية الأميركي آنذاك جيمس بيكر. بيد أن الناتو، الذي تقوده الولايات المتحدة، توسع شرقا خمس مرات منذ عام 1999، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد دوله الأعضاء من 16 إلى 30، وتقدمه مسافة أكثر من ألف كيلومتر شرقا، ووصوله إلى الحدود الروسية.

وبالإضافة إلى تعزيزه لعمليات الانتشار على الجناح الشرقي، يقوم الناتو أيضا بتجنيد أعضاء جدد في الجناح الشمالي. وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ مرارا إنه إذا تقدمت فنلندا والسويد بطلب للانضمام إلى الناتو، فإن الناتو سيرحب بهما ويضمن قبول انضمامهما قريبا.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة التلغراف مؤخرا، ذكر ستولتنبرغ أن الحلف “في خضم تحول جوهري للغاية” سيعكس “الآثار طويلة الأمد” للعملية العسكرية الروسية.

واتبعت فنلندا والسويد منذ فترة طويلة سياسة عدم الانحياز العسكري. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فشل الناتو في استمالة البلدين عدة مرات.

ولكن الآن أدخلت فنلندا والسويد بعض التغييرات على موقفيهما في مواجهة الصراع الروسي الأوكراني، حيث قامتا بتسليم أسلحة وذخائر مضادة للدبابات إلى أوكرانيا.

ويشير بعض المحللين إلى أنه قبل تصاعد الصراع الروسي الأوكراني، أكدت روسيا وكشفت مرارا خطها الأحمر لكل من الولايات المتحدة وحلف الناتو، اللذين أظهرا تجاهلا تاما له. وإذا ما استمر الناتو في صب الزيت على النار مثل ضم أعضاء جدد، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من تصعيد الوضع.

وردا على سؤال حول التوقعات بالنسبة إلى الدول التي قد تنضم للناتو، قال ديمتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصحافيين إن توسع الحلف بشكل أكبر، بما في ذلك قبول فنلندا والسويد في الحلف، لن يسهم في تحقيق الأمن في أوروبا.

وقال المتحدث باسم الكرملين “الحلف، في حد ذاته، هو بالأحرى أداة شحذ للمواجهة. هذا ليس حلفا يضمن إحلال السلام والاستقرار. فتوسع الحلف بشكل أكبر لن يجلب، بالطبع، المزيد من الأمن للقارة الأوروبية”.

وذكر ديمتري بيليك، عضو لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية، أن الناتو يسعى إلى تعزيز وجوده العسكري بالقرب من الحدود الروسية، لكن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو لن يفيد هاتين الدولتين، و”روسيا لن تقف أمام ذلك مكتوفة الأيدي”.

وقال إن “هذه القضية تؤثر بشكل خطير على أمننا، لذلك سنضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية”. وأضاف أن “انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو يضعهما في موقف صعب للغاية”.

ونوه الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين إلى أنه حال قررت فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، فإن روسيا ستعزز بشكل مبرر تواجدها على الحدود الروسية الفنلندية، فضلا عن منطقة المياه بأكملها في خليج فنلندا.

وأشار الخبير إلى أنه “سيتعين على روسيا تعزيز تواجد القوات البرية والدفاع الجوي، ونشر قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا حال انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف”.

وتدرس هلسنكي وستوكهولم الانضمام إلى الحلف الأطلسي ردا على الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.

وكان الرئيس الروسي السابق والنائب الحالي في مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف صرح الخميس بأنه إذا انضمت فنلندا أو السويد إلى الناتو، فإن روسيا ستعزز وسائلها العسكرية خصوصا النووية منها في بحر البلطيق وقرب الدول الإسكندنافية.

وستبت فنلندا التي يبلغ طول حدودها مع روسيا حوالي 1300 كيلومتر “خلال أسابيع قليلة” مسألة طلب انضمامها إلى الحلف.

ولا تستبعد السويد الانضمام إلى التحالف العسكري الغربي أيضا لكنها تبدو أكثر ترددا من جارتها.

5