توحيد الاقتصاد الليبي مهمة صعبة تواجه العراقيل

تؤكد المؤشرات وتحليلات الخبراء أن مسار توحيد الاقتصاد الليبي لا يزال يواجه الكثير من العراقيل والتحديات بسبب عدم اتفاق الفرقاء على إنهاء انقسام المؤسسات السيادية، وفي مقدمتها مؤسسة النفط والبنك المركزي، وهما اللتان من المفترض أن تكونا أحد أركان بناء اقتصاد البلد النفطي ومن أهم المحركات الأساسية للتنمية.
طرابلس/بنغازي - تجد الشركات والأفراد العاديون صعوبات في إجراء المعاملات المالية الأساسية، مما يسلط الأضواء على استمرار الخلل ويكشف أن وقف الخلافات على مصادر القوة الاقتصادية بين الأطراف المتنافسة يبدو أمرا صعبا.
وقبل الاتفاق على إنهاء الحرب، عانى الليبيون وأصحاب الأعمال من مشكلة الحصول على السيولة من المصارف، التي لا تزال تتخبط تحت وطأة الانقسام، مما يبقي الاقتصاد المعتمد على الريع النفطي في دائرة الخطر جراء الشلل التام الذي يضرب كافة القطاعات.
ويؤكد هذا الانطباع رجل الأعمال حُسني بي، الذي قال لوكالة رويترز إن “المضرة وصلت الجميع فاليوم لا يمكن أن تحول أموالا من حساب إلى حساب شخص آخر بين بنكين بينهما مئة متر في طرابلس في شارع واحد”. وأضاف “لا يوجد مبرر أن نكون هكذاّ”.

حُسني بي: لا يوجد مبرر لعدم قدرتنا على تحويل الأموال بين بنكين
وانضم الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي الليبي الخميس إلى المحادثات عبر الإنترنت التي تدعمها الأمم المتحدة مع رئيس الفرع المنافس في شرق ليبيا لمناقشة إعادة توحيد الكيانين، إلا أن أي تحركات بهذا الصدد لا تزال في مرحلة مبكرة.
وتعكس هذه العثرات، التي تتجلى بصورة واضحة في الخلافات حول موازنة 2021 وغياب عمليات المقاصة بين البنوك في الشرق والغرب، حجم المناورات السياسية في لحظة تغيير محتمل.
ورغم أن جهود توحيد السلطة النقدية في ليبيا قطعت خطوة مهمة في ديسمبر الماضي بإقرار توحيد سعر صرف الدينار، بعد سنوات من الشد والجذب بين البنكين المركزيين المتنافسين في طرابلس وشرق البلاد، إلا أنه اتضح أن ذلك لم يساعد في توحيد شقي البنك المركزي.
ويرى خبراء اقتصاد أنه على الرغم من التقدم المحرز بشأن التسوية السياسية، لكن المسار الاقتصادي يواجه العثرات بسبب محاولة شخصيات بارزة تجنب أي خسارة للنفوذ، أو تعديل أوضاعها للاستفادة من المنظومة الجديدة.
وفي السنوات السبع الماضية، ظهرت إدارة موازية في الشرق بمصرف مركزي خاص بها ورئيس لشركة نفط منافسة وغيرهما من المؤسسات الحكومية الأخرى تستند في ادعاء الشرعية إلى البرلمان الذي انتخب في 2014 ومقره طبرق.
وأثار ذلك تساؤلات مهمة حول المساءلة والحساب عن الإنفاق على كل جانب وطريقة استيعاب الديون، التي تقاضاها المصرف الذي يعمل من الشرق واستُخدمت لتمويل الحرب ضد طرابلس ودفع رواتب القوات المتمركزة في شرق البلاد في الحسابات الوطنية.
وتقع على عاتق رئيس الوزراء المؤقت عبدالحميد الدبيبة مهمة الإعداد للانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة وتحسين الخدمات لكنه لم يحرز سوى تقدم ضئيل.
ورفض البرلمان مرارا مقترحاته بخصوص الموازنة، في حين تتنازع أطراف مختلفة في كيانات سياسية عديدة أُنشِئت في السنوات الماضية السيطرة على المؤسسات الكبرى بما في ذلك شركة النفط والمصرف المركزي.
وفي الوقت نفسه، يواصل الدبيبة إنفاق الأموال في أوجه الإنفاق المختلفة بما في ذلك الرواتب باستخدام تدابير الطوارئ الحالية.
وستمثل إعادة توحيد المصرف المركزي الليبي الهدف الرئيسي لأي جهد لإنهاء الانقسامات الاقتصادية. وقد قام فرع المركزي في طرابلس بمنع البنوك الشرقية من معظم عمليات المقاصة في عام 2014.
وقال العارف قاجيجي المدير التنفيذي لمجلس أصحاب الأعمال الليبيين إن “الشركات في الشرق أو الغرب تتجنب الآن استخدام البنوك الموجودة في الجانب الآخر حتى تتم معاملاتهم المالية بسهولة”.
وفي ديسمبر الماضي، عندما كانت عملية السلام تمضي قدما، عقد مصرف ليبيا المركزي اجتماعا بكامل محافظيه للمرة الأولى منذ سنوات للاتفاق على سعر صرف موحد جديد يتضمن خفض قيمة العملة.
وساعدت الخطوة في تخفيف حدة أزمة السيولة واعتُبرت بادرة لإعادة توحيد المصرفين المركزيين وعودة عمليات المقاصة بين طرابلس والبنوك التجارية في الشرق.
واكتملت مراجعة مالية، كُلفت بها شركة ديلويت، في إطار جهود السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في يوليو اعتمادا على البيانات المقدمة من فرعي المصرف المركزي المتنافسين، لكن دون إجراء تدقيق مالي مستقل لأي منهما.
ووضعت المراجعة خارطة طريق لإعادة توحيدهما ويقول حاكما الفرعين إنهما يتبعان الخطوات المرسومة في هذه الخارطة.
وقال الصديق الكبير محافظ المركزي في طرابلس لرويترز إنه “بدأ في اتخاذ إجراءات عملية” من أجل إعادة التوحيد. وأضاف أن “المركزي يعمل مع المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا ومكتب المدعي العام للاتفاق على خارطة طريق”.

علي الحبري: عدم وجود أعمال مقاصة للبنوك الشرقية جريمة اقتصادية
وقال جليل حرشاوي من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود إن “من الأفضل للكبير، بحسابات السياسة، أن يتحرك بخطوات بطيئة لأنه قد يشعر أيضا بالقلق إزاء الطريقة التي تصل من خلالها القوات الشرقية إلى الخدمات المصرفية”.
وقال محافظ مصرف ليبيا المركزي في الشرق، علي الحبري، إن “عدم وجود أعمال مقاصة للبنوك الشرقية يعد جريمة اقتصادية”، لكنه أضاف أنه هو الآخر يستعد لإعادة التوحيد عبر العملية التي حددت معالهما شركة ديلويت.
إلا أنه يطعن في الأرقام التي قدمها الكبير لمستويات الدين العام ويتهمه باستخدام ذرائع سياسية لتجنب عملية إعادة التوحيد.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الدين العام الليبي تجاوز المئة مليار دينار (71.4 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي) وهو ما يزيد على حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي. ويتوقع محللون أن يواصل الصعود مع استمرار غموض مستقبل الاقتصاد.
وقال أيضا إن المقترحات الخاصة بموازنة حكومة الوحدة مرتفعة بشكل زائد عن اللازم وتتعارض مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها العام الماضي بخصوص توحيد سعر الصرف. وقال “هذه جريمة كبرى في تاريخ ليبيا”.
وأدت حالة الانقسام إلى إضعاف السيطرة على السياسة النقدية الموحدة وأداء الإشراف المصرفي على النظام المصرفي الذي يضم 38 بنكا وفق بيانات اتحاد البنوك العربية، بصورة كاملة، لأن كل شق من المركزي يقوم بطباعة النقود لتعويض النقص في السيولة دون تنسيق وفي غياب ضوابط شاملة للسياسة المالية العامة.