توجّس إيران من عودة ترامب يسرّع تقاربها مع السعودية

طهران- دخلت المصالحة بين إيران والسعودية مدارا جديدا متخطّية تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين إلى التنسيق الدفاعي بينهما والبحث عن تهدئة أشمل في المنقطة، وذلك بدفع من هواجس إيرانية أذكتها عودة دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة، وما قد يتخذه من إجراءات جديدة ضدّ طهران تكون امتدادا لسياسة الضغوط القصوى على إيران والتي كان قد شرع في انتهاجها أثناء فترة رئاسته الأولى.
واستقبل رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري، الأحد، نظيره السعودي فياض الرويلي بالعاصمة طهران، في ظل أنباء عن توسّع التشاور الدفاعي والأمني بين إيران والسعودية إلى جهود ثلاثية يشارك فيها العراق وتهدف إلى كسر وتيرة التصعيد في المنطقة ومنع تحوّل الصراع الدائر حاليا في غزّة وإسرائيل ولبنان إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية الأحد بأنّ وفودا سعودية وعراقية عسكرية وأمنية رفيعة المستوى بصدد زيارة طهران على خلفية تزايد المخاوف جراء تصاعد التوترات الإقليمية.
وذكرت وكالة نور نيوز الإيرانية التابعة للدولة أن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي توجّه أيضا إلى طهران لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
وجاء هذا الحراك المفاجئ بعد إعادة انتخاب ترامب لفترة رئاسية جديدة ستبدأ في يناير القادم ووعد بأن يحقق خلالها السلام في الشرق الأوسط.
وعلّقت دوائر سياسية على زيارة الرويلي إلى طهران معتبرة أنّها علامة انفتاح إيراني أكبر على المصالحة مع السعودية، متوقّعة أن الضغط النفسي الذي فرضته عودة ترامب إلى السلطة على القيادة الإيرانية قد يدفعها إلى تخفيف تشدّدها المعهود إزاء عدّة ملفات في المنطقة ومن بينها الملف اليمني شديد الحساسية بالنسبة إلى السعودية.
وتساءلت عما إذا كانت طهران مستعدة بالفعل لتقديم قدر من التنازلات لتحقيق التهدئة في المنطقة تجنّبها التعرّض لعاصفة من الضغوط الأميركية الشديدة عليها، وخصوصا في المجال الاقتصادي، بما لا تحتمله أوضاعها.
◄ المحاولة الإيرانية تشمل إقحام العراق في جهود التهدئة باعتباره متخوفا بشدّة من التصعيد بسبب تهديد الميليشيات الشيعية الناشطة على أرضه بإقحامه في الحرب ضدّ إسرائيل
وخلال فترته الرئاسية الأولى أخذ ترامب بزمام المبادرة في التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. ولم تقم السعودية علاقات مع الدولة العبرية لكن مصدرا مطلعا على المناقشات قال لوكالة رويترز شريطة عدم الكشف عن هويته إن جاريد كوشنر صهر ترامب ناقش إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عدة مرات على مدى السنوات الماضية.
ورافق رئيسَ الأركان السعودي إلى إيران وفد وصفته وسائل إعلام إيرانية برفيع المستوى، وقد استُقبل من قبل وفد إيراني مماثل بقيادة باقري حيث جرت محادثات بين الطرفين بشأن العلاقات الإيرانية – السعودية، وخاصة في مجال الدفاع.
ومثلّت الزيارة تطورا نوعيا في علاقات البلدين التي تم التوافق على استئنافها في مارس 2023 عقب مباحثات جرت في بكين برعاية صينية وأعيدت بشكل رسمي في سبتمبر من السنة نفسها، وذلك بعد قطعها في 2016 إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد.
وفي ديسمبر الماضي أجرى باقري مباحثات هاتفية مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان تعلّقت بالتطورات الإقليمية ورفع مستوى التعاون الدفاعي بين القوات المسلحة في البلدين.
وفي ما بدا أنّه تجسيد عملي لذلك التوافق شهدت مياه بحر العرب مؤخّرا مشاركة القوات السعودية جنبا إلى جنب قوات إيرانية في مناورات عسكرية شاركت فيها أيضا قوات من عدّة دول.
◄ دوائر سياسية علّقت على زيارة الرويلي إلى طهران معتبرة أنّها علامة انفتاح إيراني أكبر على المصالحة مع السعودية
وأعلن عن ذلك المتحدّث باسم وزارة الدفاع السعودية العميد الركن تركي المالكي الذي قال إنّ “القوات البحرية الملكية السعودية أجرت مؤخرا مناورة بحرية مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية، إلى جانب دول أخرى، في بحر العرب”، فيما قالت وسائل إعلام رسمية في إيران إنّ القوات الإيرانية أجرت تدريبات مشتركة مع روسيا وسلطنة عُمان في شمال المحيط الهندي بمشاركة ست دول مراقبة من بينها السعودية.
وتساور إيران مخاوف جدية من المرحلة المقبلة وما قد تنتهجه الإدارة الأميركية الجديدة من سياسات متشدّدة حيالها سبق لطهران أن خبرت نماذج عنها في فترة رئاسة ترامب الأولى، ويبدو أنها دخلت في سباق مع الزمن وسرّعت محاولة إرساء تهدئة إقليمية تجنّبها الضغوط وذلك قبل أن يتمّ تسليم السلطة من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إدارة خلفه ترامب.
وتشمل المحاولة الإيرانية إقحام العراق في جهود التهدئة باعتباره متخوفا بشدّة من التصعيد بسبب تهديد الميليشيات الشيعية الناشطة على أرضه بإقحامه في الحرب ضدّ إسرائيل.
وفي هذا الإطار تحديدا جاء احتضان طهران للمحادثات بين مستشار الأمن القومي العراقي ووزير الخارجية الإيراني.
وتوعدت إيران منذ نحو أسبوع بتوجيه “رد ساحق” إلى إسرائيل على هجومها أواخر أكتوبر الماضي على مواقع عسكرية إيرانية، في ظل تشكيك مراقبين في نية القيادة الإيرانية الإقدام على ذلك بالفعل نظرا لرغبتها الواضحة في التهدئة أكثر من نزوعها إلى التصعيد الذي لن يكون في مصلحة إيران التي لم تعتد منذ نهاية حربها مع العراق على خوض الحروب بشكل مباشر، واعتمدت بدلا من ذلك على الوكلاء مثل حزب الله والحوثيين والعشرات من الميليشيات العراقية.