توجه لتوسيع مهام الأوقاف المصرية بما يتعارض مع مدنية الدولة

برلمانيون يطالبون وزارة الأوقاف المصرية بالمزيد من الأدوار التي تخدم الرؤى السياسية للحكومة.
السبت 2024/05/25
التوظيف السياسي لوزارة الأوقاف ضرره أكثر من نفعه

القاهرة - طالب برلمانيون وزارة الأوقاف المصرية بالمزيد من الأدوار التي تخدم الرؤى السياسية للحكومة، واقترحوا تضمين الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في الخطاب الديني للوزارة كي يصل إلى المواطنين عبر مختلف المساجد التابعة لها.

ويخشى مراقبون أن تأتي هذه الخطوة بمردود عكسي، في ظل انتقادات لموضوعات خطب الجمعة التي تحددها وزارة الأوقاف، ويمكن التعرض لها من قبل تنظيمات متطرفة تتواجد خفية في زوايا صغيرة ومناطق فقيرة.

وعقدت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري مؤخرا اجتماعًا حضره وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ناقش تضمين الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في الخطاب الديني، والتركيز على دعم التعامل مع من وصفوا  بـ”ضيوف مصر” من الأجانب المقيمين، بعد هجمة تعرض لها مهاجرون ولاجئون من جنسيات مختلفة.

ويمكن النظر إلى رؤية البرلمان بشكل إيجابي إذا كانت لدى وزارة الأوقاف كوادر تستطيع مخاطبة عقول من لا يجذبهم خطاب شيوخها، كما أن الاستغراق في الدخول على خط قضايا سياسية يتعارض مع مدنية الدولة.

فردية النقاش: إقحام الدين في الحياة اليومية يخدم المتشددين
فردية النقاش: إقحام الدين في الحياة اليومية يخدم المتشددين

وتتهم الأوقاف بأنها تقدم خطابات يسهل تفنيدها من جانب خصومها، خاصة أن دور شيوخها يميل إلى تقديم مبررات لمواقف وقرارات رسمية ليست على هوى شريحة من المواطنين، ما يجعل الوزارة تفقد نقاطا في مواجهتها مع التنظيمات المتطرفة.

ويثار نقاش في مصر حول إستراتيجية حقوق الإنسان ومدى الالتزام بها، وثمة خلاف بين الرؤية الرسمية التي تهدف إلى تعريف المواطنين بالقضايا الشاملة للحقوق العامة وبين منظمات حقوقية وأحزاب معارضة تركز على أهمية الجوانب السياسية فيها، وحال دخلت الأوقاف على الخط ستبدو كمن يقوم بعمل بعيد عن تخصصه، وتنقل الجدل إلى المساجد والمنابر الدينية.

ونجحت وزارة الأوقاف في فرض سيطرتها على المساجد التابعة لها، بعد أن شكلت في السابق ثغرة نفذت إليها تنظيمات متطرفة، وباتت تحتكر الخطاب الديني الذي يستمع إليه الملايين من المواطنين، غير أن هناك منصات رقمية تصل من خلالها بعض التنظيمات المتشددة إلى قاعدة عريضة من المواطنين وقد تجذبهم إليها.

وما زالت عملية التجديد متجمدة تقريبا في مصر، والأفكار المحافظة منتشرة بين فئة من المصريين ممن يميلون نحو الاستغراق في الخطب الدينية بدلا من السياسية.

ويرى مراقبون أن تركيز الفتاوى على تفنيد الخطاب المتشدد وإفراغ الشعارات التي حاولت جماعة الإخوان توظيفها في اختراق المجتمع أمر إيجابي، مع ضرورة الحفاظ على الشعرة الفاصلة بين دحض الرؤى المتطرفة والترويج لسياسات حكومية، فالمؤسسات الدينية في تلك الحالة تقوم بأدوار شبيهة بأدوار الجماعات الإسلامية التي روجت لأفكار سياسية معينة عبر تسللها إلى منابر المساجد في سنوات ماضية.

وقال الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان إن التوظيف السياسي لوزارة الأوقاف ضرره أكثر من نفعه، مع حالة استقطاب تفقدها جزءا من مصداقيتها لدى الجماهير، إضافة إلى تنوع أشكال التدين في أوساط العامة، ما يجعل الوزارة بحاجة إلى الالتحام بالجماهير بدلاً من الدخول في جدل سياسي يخدم المتطرفين من خلال هز ثقة الجمهور في دورها، وتعزيز اتهامها بأنها تخدم أجندة السلطة فقط.

وأضاف سلطان في تصريح لـ”العرب” أن “الحاجز بين المؤسسات الدينية المصرية والمواطنين لم ينكسر بعد، وهناك اقتناع بأن خطابها يخدم الحكومة أولا بعد توسع دار الإفتاء في إصدار فتاوى ذات طابع سياسي، بالتالي فالجهات الدينية ستبقى متهمة بأنها تعمل لأهداف سياسية وليست دينية”.

وأشار إلى أن المؤسسات الدينية الرسمية يصعب عزلها عن أداء دور له خلفية سياسية، وهو ما يظهر عند المقارنة بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، فالأولى من أدوات القوى الناعمة ولا تتبنى نهجًا معارضا فجا للحكومة ولها انحيازاتها للحفاظ على ثوابت الدولة وعلى قدر من الاستقلال وهامش من الحركة يظهر في مواقفها تجاه قضايا عديدة داخلية وخارجية، بينما الثانية (وزارة الأوقاف) لا تزال أسيرة لتوجهات حكومية مباشرة أفقدتها جزءا مهما من حضورها وتأثيرها.

وزارة الأوقاف نجحت في فرض سيطرتها على المساجد التابعة لها، بعد أن شكلت في السابق ثغرة نفذت إليها تنظيمات متطرفة، وباتت تحتكر الخطاب الديني الذي يستمع إليه الملايين من المواطنين

وليس من مهام وزارة الأوقاف توجيه المواطنين نحو خطط الحكومة لتطبيق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فهو من أدوار جهات تنفيذية على صلة وثيقة بالملف، وقيام الوعاظ في المساجد بهذا الدور لا يخدم هدف الدولة المنشود، لأن المواطنين سيكونون أمام توجيه سياسي متعسف للخطاب الديني، والقضية ليست بحاجة إلى توجيه أو تعريف، لأن الأمر يرتبط بتنفيذ الجهات الحكومية بنود الإستراتيجية.

وأكد وزير الأوقاف مختار جمعة خلال الجلسة النقاشية في البرلمان الأحد أن وزارته تتماس مع المواطنين في الكثير من الأمور المجتمعية، وقضية حقوق الإنسان جزء أساسي من دورها، وثمة تيارات حاصرت حقوق الإنسان في جوانب محددة، “وقد عملنا في الوزارة على محورين في حقوق الإنسان، وهما تثقيفي وتطبيقي”.

وأوضحت عضوة مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان المصري) فريدة النقاش أن الخطاب الديني من أهم وأسهل مسارات مخاطبة المواطنين وإقناعهم، ما يدفع الحكومة إلى تغليف بعض الموضوعات ذات الطابع السياسي بالرؤى الدينية، لكن ذلك يشكل خطورة، فإقحام الدين في تفاصيل الحياة اليومية يخدم التيارات المتشددة، ويبرهن على أن الحكومة تفتقر إلى القدرة التي تمكنها من التواصل مع الناس عبر وسائل الاتصال.

وشددت النقاش في تصريح لـ”العرب” على أن “توظيف وزارة الأوقاف للقيام بدور توعوي وتثقيفي بشأن قضايا حقوق الإنسان ورؤية الدولة مسألة جيدة، على أن يكون ذلك في إطار خطة عامة لتجديد الأفكار الدينية، ولا يقتصر على جزئية بعينها تأتي في إطار فكري متجمد، وإمساك بعض رجال الدين المتطرفين بلجام التجديد وإصرارهم على غلق منافذ التطوير والحداثة يجعلان رسالة وزارة الأوقاف لا تتماشى مع توقعات المواطنين من خطبها التي يجب أن تركز على الجانب الروحي بشكل أكبر”.  وأسندت الحكومة مهمة تجديد الخطاب الديني وتصحيح الأفكار المغلوطة منذ إطلاقها إلى مؤسسات رسمية.

2