توجه إسرائيل إلى عزل البنوك الفلسطينية يهدد بكارثة إنسانية في الضفة الغربية

القدس – تثير التهديدات الإسرائيلية بعزل البنوك الفلسطينية قلق المجتمع الدولي لما يمكن أن تقود إليه هذه الخطوة من انهيار للاقتصاد الفلسطيني وتجويع لسكان الضفة الغربية، أسوة بما يحصل حاليا لسكان غزة.
وطالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في رسالة بعث بها الأربعاء إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم تمديد علاقات التعاون الممنوحة للبنوك الإسرائيلية، التي تحول الأموال إلى البنوك في الضفة الغربية.
وقال سموتريتش في رسالته لنتنياهو “إنه لن يمدد هذه الضمانات عند انتهائها في 30 يونيو”. ويدير بنكا “ديسكونت” و”هبوعليم” علاقات البنوك الفلسطينية مع النظام المصرفي في إسرائيل والعالم. وتقدم الحكومة الإسرائيلية رسالتي ضمانات للبنكين الإسرائيليين اللذين يتوليان مهمة المراسلة بين البنوك الفلسطينية مع نظرائها في إسرائيل والدول الأخرى.
وتمنح الرسالة الأولى التي تعطى من وزارة العدل حصانة للبنكين من أيّ دعاوى قضائية قد تواجهها بتهمة “تمويل الإرهاب” جراء تعاملها مع البنوك الفلسطينية، وتلتزم الحكومة الإسرائيلية في الرسالة الثانية الممنوحة من وزارة المالية بتعويض البنوك الإسرائيلية عن أيّ غرامات قد تتكبدها نتيجة دعاوى ترفع ضدها في دول أخرى جراء تعاملها مع البنوك الفلسطينية.
وتعطى هذه الضمانات للبنكين سنويا، وقد انتهت في الحادي والثلاثين من مارس الماضي وتم تجديدها بقرار من المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية لمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية يونيو المقبل.
ومن شأن قرار إنهاء الضمانات الممنوحة للبنكين الإسرائيليين شل النظام المصرفي الفلسطيني، وبالتالي الاقتصاد الفلسطيني، لكنه في نفس الوقت يوجه ضربة قوية للبنوك ولاقتصاد إسرائيل.
وتجرى تعاملات مالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية بمليارات الشواقل شهريا وتشمل تحويل عائدات المقاصة (حوالي مليار شيقل) ومستحقات العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الإسرائيلي (حوالي 1.5 مليار شيقل)، وأثمان السلع المتبادلة بين الجانبين، حيث تشكل الواردات من إسرائيل حوالي 60 في المئة من الواردات الفلسطينية، فيما تشكل الصادرات أكثر من 80 في المئة من إجمالي الصادرات الفلسطينية، ما يعني أن وقف التعامل مع البنوك الفلسطينية سيشكل ضربة قاسية للمصدرين الإسرائيليين.
وهذه ليس المرة الأولى التي يهدد فيها وزير المالية بإنهاء الضمانات، ويخشى الفلسطينيون حقيقة من إمكانية الإقدام على هذه الخطوة التي ستعني توجيه ضربة قاصمة للاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني من صعوبات، جراء التضييق الإسرائيلي ومنها منع أموال المقاصة.
ويرى مراقبون أنه من الصعب التكهن بقرارات الجانب الإسرائيلي في هذا الشأن في ظل وجود وزراء يمينيين متطرفين، لا تعنيهم أيّ اعتبارات سوى فرض إجراءات عقابية على الفلسطينيين، وتعفين المشهد أكثر.
وأعربت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الخميس عن مخاوفها من احتمال وقوع “أزمة إنسانية” في حال قيام إسرائيل بتنفيذها لتهديدها بعزل المصارف الفلسطينية ومنعها من الوصول إلى نظامها المصرفي.
وقالت يلين للصحافيين في ستريسا في شمال إيطاليا قبل اجتماع لوزراء المال في مجموعة السبع “أشعر بقلق خاص إزاء تهديدات إسرائيل باتخاذ إجراء من شأنه أن يؤدي إلى عزل البنوك الفلسطينية عن مراسلاتها الإسرائيلية”.
وأكدت الوزيرة الأميركية “تعد هذه القنوات المصرفية ضرورية لمعالجة المعاملات التي تتيح ما يقرب من 8 مليارات دولار سنويا من الواردات من إسرائيل، بما في ذلك الكهرباء والمياه والوقود والغذاء، فضلاً عن تسهيل ما يقرب من 2 مليار دولار سنويًا من الصادرات التي تعتمد عليها سبل عيش الفلسطينيين”.
وردا على سؤال عمّا قد تفعله الولايات المتحدة ومجموعة السبع ردا على ذلك، قالت يلين إنها كتبت لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أشهر بشأن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة. وأضافت “وكما قلت، أعتقد أن ذلك سيخلق أزمة إنسانية في الوقت المناسب إذا تم عزل البنوك الفلسطينية عن المراسلات الإسرائيلية. بالتأكيد، هذا هو الرأي الذي سنعبّر عنه”. وبحسب يلين فإن هذه القضية قد يتم بحثها في مجموعة السبع، مشيرة “أتوقع أن تعرب الدول الأخرى عن قلقها بشأن تأثير مثل هذا القرار على اقتصاد الضفة الغربية”.
وتابعت “أعتقد أن هذا سيكون له أثر سلبي للغاية على إسرائيل أيضا”. كما كررت مخاوف الولايات المتحدة بشأن قيام إسرائيل بمنع الأموال التي تجمعها للسلطة الفلسطينية، قائلة إن ذلك “يهدد الاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية”.
60
في المئة نسبة الواردات الفلسطينية من إسرائيل فيما تشكل الصادرات أكثر من 80 في المئة
وسبق وأن حذرت خبيرتان أمميتان مستقلتان من أن عزل البنوك الفلسطينية بشكل أحادي عن النظام المصرفي العالمي يشكل انتهاكا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي ويؤدي إلى شل الاقتصاد الفلسطيني.
وقالت عطية واريس الخبيرة المستقلة المعنية بالديون الخارجية وحقوق الإنسان وألينا دوهان المقررة الخاصة المعنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية في بيان صحفي “إن استحالة التحويلات المصرفية ستؤثر على جميع شعب فلسطين بشكل عشوائي، وتؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية المستمرة، وتؤثر على جميع حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء، والحق في المياه والصرف الصحي، والحق في الصحة، والحرية من التعذيب، والحق في الحياة”.
وأضافتا أن عزل البنوك الفلسطينية عن النظام المصرفي العالمي ينتهك أيضاً مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، “ومبدأ التعاون بحسن نية”.
ويعتمد الاقتصاد الفلسطيني على الشيقل الإسرائيلي، ويجب أن تمر تعاملاته المالية مع بقية دول العالم عبر النظام المصرفي الإسرائيلي. وقالت الخبيرتان إن عزل السلطة الفلسطينية عن العالم المالي سيشل الاقتصاد الفلسطيني، مذكرتين بأن هذه الإعفاءات مكفولة بموجب اتفاقيتي أوسلو وباريس.
وتطرقت الخبيرتان أيضاً إلى عملية تحصيل الضرائب، التي تقوم بها إسرائيل إلى حد كبير نيابة عن السلطة الفلسطينية. فمنذ 24 يناير، تم تحويل عائدات الضرائب الشهرية المخصصة سابقاً لموظفي القطاع العام التابعين للسلطة الفلسطينية في غزة إلى حساب ائتماني مقره النرويج. إلا أن الصندوق النرويجي لا يستطيع الإفراج عن الأموال اللازمة لدفع رواتب موظفي القطاع العام في غزة دون إذن إسرائيل.
وقالت الخبيرتان إن السلطة الفلسطينية معرضة للتعليق أحادي الجانب لتحويلات إيرادات المقاصة من قبل إسرائيل، “وهو ما يعتبر بمثابة إجراءات قسرية أحادية تتعارض مع القانون الدولي”.