توجس تونسي من ارتهان القرار السيادي بجهات خارجية

تونس - لم يتردد رئيس مجلس النواب التونسي محمد الناصر في التأكيد على أن التداين الخارجي يؤثر على استقلالية القرار الداخلي فيما ترى المعارضة أن تونس باتت بين فكي إملاءات صندوق النقد الدولي.
ولئن لم يكن الجدل جديدا على المشهد السياسي في البلاد فإنه اتّخذ مع تولي حكومة يوسف الشاهد مهامها بصفة رسمية نسقا تصاعديا ليؤشر على أن تونس باتت أمام تحد خطير يستوجب تحقيق معادلة صعبة بين ضرورة الاقتراض التي تمليها حدة الأزمة الاقتصادية من جهة، وبين عدم الارتهان بإملاءات المؤسسات الإقليمية والدولية المانحة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي الذي يبدو أنه يثير القلق أكثر من غيره من المؤسسات.
وعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي يقلل من أشكال تجريد تونس من استقلالية قرارها السيادي سواء في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية أو في ما يتعلق بطريقة مواجهة التحديات الداخلية، تشدد القوى السياسية والمدنية وجزء من اتجاهات الرأي العام على أن استقلالية القرار الوطني باتت في الميزان في ظل هشاشة عامة تسللت إلى مؤسسات الدولة وخفضت من جرأتها السياسية.
ولم تكن مجاهرة محمد الناصر رئيس البرلمان بأن التداين الخارجي يؤثر على استقلالية القرار الداخلي مجرد رأي بل هو تشخيص خاصة وأنه صادر عن مؤسسة دستورية، ما يبدو إقرارا ضمنيا بأن ما وصلت إليه الأزمة الاقتصادية وارتفاع الديون الخارجية باتا يمثلان خطرا على حكومة الشاهد التي يجب أن تواجهه بكل جرأة ولكن أيضا بكل وضوح في إطار سياسات تعي جيدا أن التداين الخارجي لا يعد في نهاية الأمر سوى طعم مسموم. وتتطابق تصريحات الناصر مع تحاليل الخبراء الذين يرون في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي جاهر بها يوسف الشاهد خلال جلسة نيل ثقة حكومته ما يعد دليلا على أن تونس دخلت في مرحلة الخطر الذي يستوجب تغييرا جذريّا يشمل مختلف القطاعات الحيوية للرفع من نسق النمو.
ويصف فتحي النوري الخبير في المخاطر المالية المؤشرات بأنها “مخيفة” و”مفزعة” مشددا على أنه إذا لم ترتفع نسبة النمو من صفر فاصل 8 بالمئة عام 2015 إلى 3 بالمئة مع بداية عام 2017 فإن تونس ستجد نفسها في ظرف اقتصادي خطير في ظل تقديرات بأن تصل نسبة عجز ميزانية الدولة إلى حدود 9 بالمئة. ومما يعمق خطورة الأوضاع أن عجز ميزانية الدولة شهد خلال السنوات الخمس الماضية نسقا تصاعديا مفزعا إذ ارتفع من 3 فاصل 6 بالمئة إلى 6 بالمئة نتيجة ارتفاع النفقات التي ناهزت 1 فاصل 3 مليار في ظل غياب مشاريع استثمارية منتجة قادرة على التخفيف من حدة الأزمة.
وقاد ارتفاع منسوب عجز ميزانية الدولة إلى انتهاج سياسات التداين الخارجي؛ حيث تقدر نسبة ديون تونس سواء من قبل المؤسسات المانحة أو من قبل شركائها بحوالي 53 بالمائة وهي مرشحة لأن تناهز 62 بالمئة في ظل انهيار سعر أسواق الصرف وتراجع قيمة الدينار.
وفيما تقر السلطات بأن حجم ديون تونس يبلغ 40 مليار دينار يقر الخبراء في المخاطر المالية بأن حجم الديون ناهز الـ50 مليار دينار. ويبدو أن صندوق النقد الدولي بدأ يراجع سياسة دعمه لتونس إذ لم تتردد كريستين لاقارد المديرة العامة للصندوق في التصريح في وقت سابق بأن الصندوق غير راض عن السياسات المالية حتى أنها أشارت إلى ضرورة الإسراع في خصخصة أكثر من 27 مؤسسة عمومية حيوية من بينها شركة فوسفات قفصة والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه والشركة التونسية للكهرباء والغاز إضافة إلى تسريح الآلاف من الموظفين.
وتثير السياسات المالية وما رافقها من إغراق تونس في التداين الخارجي مخاوف لدى الخبراء والنشطاء من أن تقود إلى المساس باستقلالية القرار الوطني مشددين على أنه بات في الميزان وعلى أنه يجب أن يكون خطا أحمر في ظل تقلبات الأوضاع الإقليمية وطغيان سياسة المحاور.
وبرأي قيس سعيد الخبير في القانون الدستوري فإن “استقلال تونس الحقيقي هو استقلال القرار الوطني في المجالات كافة دون استثناء أي مجال سواء منها المجالات السياسية أو الاقتصادية وسواء منها ما يتعلق بإدارة الشأن الداخلي أو ما يتعلق بمواقف تونس إزاء القضايا الإقليمية والدولية”.
ويبدو أن حكومة الشاهد ليست في أمس الحاجة إلى إسناد سياسي لتواجه مخاطر انتهاك سيادة القرار السيادي فقط بل هي في أمس الحاجة أيضا إلى تأييد شعبي واسع وهو ما يستوجب منها كسر حاجز الرهان على أحزاب سياسية ضعيفة الأداء وغير مضمونة لحشد أكثر ما يمكن من جهود التونسيين والتونسيات لإضفاء المشروعية اللازمة على الحكومة.