توتي "حديقة الخرطوم" بلا زوار شاهدة على وحشية الحرب السودانية

الخرطوم - باتت جزيرة توتي الخضراء التي كانت يوما جنة غنّاء تتربع بين النيل الأبيض والنيل الأزرق في قلب العاصمة السودانية، شبه مهجورة مع مرور سنتين على اندلاع الحرب، بعدما كانت تغص بالزوار والسياح لرؤية مزارعها.
ومنذ اندلع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، هجر معظم سكان الجزيرة منازلهم تاركين المزارع والجزيرة خالية.
ويقول يوسف النعيم البالغ 67 عاماً، أحد السكان القلائل الباقين في توتي لوكالة الصحافة الفرنسية إن سكان الجزيرة "فرّوا في المراكب تاركين كل شيء خلفهم".
وتحيط المياه بكل جوانب الجزيرة التي لا يصلها بالخرطوم، سوى جسر معلق.
وفي بداية الحرب استولت قوات الدعم السريع على مساحات واسعة من السودان ومن العاصمة الخرطوم وأخرجت منها مقاتلي الجيش النظامي. وفي إطار ذلك حاصرت جزيرة توتي وفصلتها تماماً عن العاصمة.
وفي صيف العام 2023 دخلت قوات الدعم السريع الجزيرة، إلا أن الجيش السوداني أطلق نهاية العام الماضي عملية واسعة استعاد خلالها السيطرة على عدة مناطق في البلاد، بينها وسط العاصمة الخرطوم فاتحا المجال للوصول إلى جزيرة توتي.
ويوضح النعيم أن سكان الجزيرة كانوا يعتمدون في الشرب على مياه نهر النيل، ولكن أثناء حصار الجزيرة "كنا لا نتمكن من الوصول للنيل واتجهنا للشرب من مياه البئر" القريبة من المنزل "والذي سبب لنا الأمراض".
للتمكن من مغادرة الجزيرة كان يضطر السكان لاستقلال مراكب شراعية تعبر نهر النيل والصعود من بعدها إلى شاحنات للانتقال إلى مدن شرق السودان في مقابل مبالغ مالية.
ويروي النعيم "كل يوم كان يغادر نحو عشرة أشخاص" الجزيرة التي كانت تلقب بـ "حديقة الخرطوم" بسبب حقول الفول والجرجير الواسعة وأشجار الفواكه التي كانت مصدرا رئيسيا لأسواق العاصمة.
واليوم تبدو الحركة في الجزيرة المطلة على الخرطوم وأم درمان وبَحْري، شبه معدومة.
ويؤكد النعيم أنه لم ير "ثمرة طماطم واحدة طوال عامين تقريبا" البالغة مساحتها ثمانية كيلومترات مربعة.
في 22 مارس الماضي استعاد الجيش السوداني السيطرة على معظم مناطق العاصمة الخرطوم، بما فيها جسر توتي. وأعلن في الأسبوع التالي أن "تحرير" العاصمة. ولكن آثار المعاناة ما زالت تخيم على الجزيرة.
ورصد فريق وكالة الصحافة الفرنسية الذي زار جزيرة توتي بعد سيطرة الجيش عليها آثار نزوح السكان على وجه السرعة.
بعض الأبواب لم تغلق جيداً، ولعب الأطفال مبعثرة على الأرض وأقمشة ممزقة بين الركام.
ويقول عبدالحي حمزة، المقيم في الجزيرة، إن قوات الدعم السريع كانت تعرّض المدنيين "لأعمال لا تليق بالإنسانية.. كانوا يجلدون الأطفال، ويجلدون كبار السن ويعتقلونهم ويجلدون حتى النساء الحوامل".
وتحدث شهود لوكالة الصحافة الفرنسية عن نهب ممنهج تمثل في اقتحام مقاتلي الدعم السريع البيوت بحثاً عن الذهب والأموال والأسلحة.
ويشير حمزة إلى إطلاق الدعم السريع "الأعيرة النارية داخل المنازل".
ويؤكد "لم نستطع مغادرة توتي. نسمع أن الرحلة شاقة" وباهظة الثمن "كما أننا مرتبطون بجزيرة توتي ويصعب علينا فراقها".
وأدت الحرب إلى دمار هائل في البنية التحتية السودانية، ما أدى لانهيار الاقتصاد الهش أصلا ودفع الملايين إلى حافة المجاعة.
ومن الخرطوم وحدها نزح أكثر من 3.5 ملايين شخص بينما يعاني مئة ألف آخرون من المجاعة بحسب الأمم المتحدة.
ويتهم طرفا النزاع في السودان بارتكاب جرائم حرب، ولكن قوات الدعم السريع تحديدا تواجه اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والتطهير العرقي والنهب.
ويقول شريف الطيب، أحد سكان الجزيرة السابقين والذي لا يزال لديه أصدقاء فيها، إنه بعد إعادة فتح الجسر بدأ بعض السكان في العودة "ومحاولة إعادة التيار الكهربائي" بعدما قطعت قوات الدعم السريع أسلاك الكهرباء.
وشاهد فريق وكالة الصحافة الفرنسية مجموعات صغيرة من المدنيين تنظف الشوارع بينما كانت الشاحنات ترفع الركام.