توافق مسيحي على مرشح لرئاسة لبنان يخلط أوراق الثنائي الشيعي

أحدث نجاح القوى المسيحية في التوافق على جهاد أزعور كمرشح لها لمنصب رئاسة الجمهورية اللبنانية رجة في صفوف تحالف “الممانعة” الذي لطالما راهن على انقسامها، ويرى مراقبون أن حزب الله وحركة أمل قد يعمدان إلى تبني ذات الطريقة التي أسقطت مرشح “التغييريين” ميشال معوض، لكن هذا الأمر لا يخلو من مخاطرة في ظل إصرار أميركي – أوروبي هذه المرة على حسم ملف الرئاسة.
بيروت – حدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الاثنين، يوم الرابع عشر من يونيو الجاري، موعدا لعقد جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد يوم واحد على إعلان القوى المسيحية توافقها على ترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور للمنصب في مواجهة مرشح الثنائي الشيعي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
وقالت أوساط سياسية إن قرار بري تحديد موعد لعقد جلسة انتخاب الرئيس، يعود في جانب منه إلى ضغوط نواب المعارضة، وأيضا خشية رئيس مجلس النواب من تعرضه لعقوبات غربية على خلفية اتهامات قد توجه له بتعطيل الاستحقاق.
وكانت الولايات المتحدة لوحت في وقت سابق بفرض عقوبات في وجه المعطلين للاستحقاق الرئاسي، وذكرت اسم رئيس مجلس النواب للمرة الثانية في عداد المستهدفين بالقرار.
ورغم أن بري حاول الظهور في ثوب اللا مبالي بالتهديدات الأميركية، لكن الأوساط السياسية تعتبر أن مسارعته إلى تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس، لاسيما بعد نجاح قوى المعارضة في التوصل إلى مرشح توافقي، تعكس عدم رغبته في المجازفة، وأنه يدرك أن المضي في سياسة الهروب إلى الأمام قد تنعكس سلبا عليه.
رئيس مجلس النواب يدعو في بيان مقتضب إلى عقد جلسة لانتخاب الرئيس في الرابع عشر من يونيو الجاري
وقال مكتب بري الإعلامي في بيان مقتضب إنه دعا إلى عقد الجلسة في تمام الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الأربعاء الموافق للرابع عشر من يونيو الجاري.
وعقدت آخر جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية في الثاني عشر من يناير الماضي، وبعدها توقفت الجلسات بسبب الخلافات حول موصفات المرشحين، وكان الثنائي الشيعي يراهن على أن تنتهي حالة الاستعصاء بخضوع القوى الرافضة لفرنجية.
لكن التوافق الذي جرى بين القوى المسيحية في لبنان الأحد على اختيار وزير المالية الأسبق كمرشح لرئاسة الجمهورية، أعاد خلط أوراق الثنائي.
ويرى متابعون أن الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل يواجه معضلة حقيقية، حيث إنه لا يملك النصاب المطلوب لإيصال مرشحه، كما أن القوى المسيحية الرئيسية، وهي التيار الوطني الحر وحزبا القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، تعارض بشدة وصول فرنجية إلى قصر بعبدا.
وبحسب العرف السياسي، فإن اختيار رئيس للبنان هو من صلاحيات المسيحيين حصرا، وأن الوقوف في وجه شبه الإجماع المسيحي الحالي على رفض فرنجية، ودعم أزعور، ستكون له تداعيات مستقبلية في ما يتعلق بالتعامل مع استحقاقات اختيار رئاستي البرلمان والحكومة.
ويشير المتابعون إلى أن حزب الله وحركة أمل قد يعمدان مع تأكدهما باستحالة بلوغ فرنجية إلى المنصب إلى اتباع ذات الطريقة التي أسقطا بها مرشح “التغييريين” ميشال معوض حينما استخدما الورقة البيضاء، لكن ذلك لا يخلو من مخاطر لاسيما وأن هناك التقاء أميركيا – فرنسيا – سعوديا هذه المرة على إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان في أسرع وقت ممكن، وأن توافق المسيحيين أخيرا على تسمية أزعور يشكل فرصة لا يمكن تفويتها.
وأكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف في شهادة تلتها أمام اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأدنى وجنوب آسيا، أن بلادها “تعمل مع الأوروبيين لدفع البرلمان اللبناني إلى القيام بواجبه في انتخاب رئيس للبلاد”، وأعلنت ليف أن “إدارة جو بايدن تنظر في إمكانية فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين على خلفية عدم انتخاب رئيس”.
وحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، يُنتخب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين 86 نائبا (من أصل 128)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية.
ويشغل أزعور (57 عاما) حاليا منصب مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
ولم يكن هناك في البداية إجماع كبير بين القوى المسيحية على اسم أزعور، لكن الوضع اختلف مع إصرار حزب الله وحركة أمل على المضي قدما في ترشيح فرنجية المحسوب على “حلف الممانعة”.
وقال حزب القوات اللبنانية في مقال نشره على موقعه الاثنين إن أزعور ليس الرئيس “الحلم” في نظر “القوات”، لكن عدة أسباب دفعته إلى تبني ترشيحه.
ومن بين الدوافع أن أزعور نال رضى كل مكوّنات المعارضة نسبيا، وهذا هو الشرط الأساس للقوات لخوض المعركة الرئاسية به والتنازل عن معوّض، على الرغم من أن بعض “التغييريين” لا يزالون فوق الشجرة ولديهم بعض الملاحظات بسبب انتمائه إلى ما يسمّى المنظومة.
وأشار إلى أن من الأسباب الأخرى لتأييد أزعور أن الأخير يحظى بثقة محلية ودولية، فالرجل يتمتع بمواصفات أكاديمية وخبرة طويلة في الشأنين الاقتصادي والمالي كونه من المسؤولين في صندوق النقد الدولي، ولديه علاقات دولية يبدو أن لبنان بأمسّ الحاجة إليها، وهو قادر إذا اجتمع اللبنانيون حوله وانتخبوه رئيسا على أن ينقذ لبنان المنهار ماليا.
ولفت الحزب الماروني إلى أن تقاطع أكبر تكتلين مسيحيين “القوات” و”التيار” وقوى المعارضة الأخرى حول اسم أزعور، أراح بكركي، بحيث ذهب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى فرنسا للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، حاملا اسما بديلا عن فرنجية ويلاقي تأييدا من أكثرية القوى المسيحية، وليس صعبا أن يتحاور مع الفريق الآخر إذا صفت النيّات.
وشدد حزب “القوات” على أن على الثنائي الشيعي الاعتراف بأن صفحة فرنجية طويت، وبات عليه النزول من “الشجرة” إذا أراد انتخابات رئاسية، وإلا سيأخذ لبنان إلى خيارات صادمة، وما ليس مقبولا دوليا الأمس واليوم قد يصبح مقبولا في المستقبل القريب، لأنه يتبيّن أن أزمة لبنان ليست بانتخاب رئيس للجمهورية وإنما أبعد من ذلك بكثير.