توافق إماراتي عراقي على تنمية التعاون الثنائي ومواجهة التشدّد والإرهاب

أبوظبي - وصف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، لدى استقباله الرئيس العراقي برهم صالح خلال زيارته الرسمية لدولة الإمارات، استقرار العراق بالجزء الأساسي من استقرار المنطقة كلها، معتبرا أنّ “تحقيق التقدم والازدهار في هذا البلد يمثل مصلحة عربية وإقليمية ودولية بالنظر إلى ما له من أهمية استراتيجية كبيرة على المستويات الخليجية والعربية والإقليمية”.
ووصل برهم صالح، الإثنين، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ثاني محطّة بعد الكويت في أول جولة خارجية يقوم بها بعد انتخابه في أكتوبر الماضي من قبل البرلمان العراقي رئيسا للجمهورية.
ولفتت مبادرة صالح إلى بدء عهده بالتوجه صوب منطقة الخليج، نظر المحلّلين السياسيين الذين اعتبروها جزءا من مساعي هذا السياسي العراقي الكردي المخضرم لوضع بصمته على السياسة الخارجية للعراق، باتجاه إعادة التوازن إلى علاقات البلد مع دول الإقليم بعد سنوات من رجوح الكفةّ لمصلحة إيران على حساب البلدان العربية بفعل تأثير الأحزاب الشيعية الممسكة بزمام السلطة في العراق.
ولم تخل السنوات الأخيرة من تطور في التواصل على أعلى المستويات بين المسؤولين الخليجيين والعراقيين، مجسّدة رغبة الطرفين في مزيد التعاون لمواجهة التحدّيات، وعلى رأسها تحدّي الإرهاب الذي انتقل إلى مرحلة جديدة مع ظهور تنظيم داعش وتمكّنه من بسط سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية والعراقية، قبل أن تتم استعادتها منه بعد جهود كبيرة شاركت فيها بلدان خليجية وقوى دولية. ولا يخلو توجّه الرئيس العراقي صوب الخليج من دوافع براغماتية، نظرا لحاجة العراق الشديدة في مرحلة سعيه نحو الاستقرار والإعمار بعد الحرب المرهقة التي خاضها على مدى أكثر من ثلاث سنوات ضدّ تنظيم داعش، لدعم دول الخليج، المادي وأيضا السياسي والدبلوماسي لجلب الاستثمارات وتنشيط اقتصاده وتوفير موارد مالية لعملية إعادة الإعمار وللمضي في محاربة الإرهاب.
ويصعب على صنّاع القرار في العراق، مهما كانت طبيعة علاقاتهم بطهران، المراهنة في الوقت الحالي على أي مساعدة إيرانية في تلك المجالات، نظرا للمصاعب الاقتصادية والسياسية التي تواجهها إيران الواقعة تحت الضغط الشديد للعقوبات الأميركية.
المشغل الأمني مازال على رأس الأولويات في العراق حيث ترتبط به عملية استعادة الاستقرار وإعادة إطلاق عجلة التنمية
ويدعم هذا العامل توجّه الرئيس العراقي الجديد نحو تمتين علاقات العراق بالبلدان العربية وفي مقدّمتها بلدان الخليج. ورافق الرئيس العراقي في زيارته للإمارات وفد ضم على الخصوص محمد علي الحكيم وزير الخارجية، وصالح عبدالله أحمد وزير الصناعة، ومصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات.
وبحث الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس برهم صالح “مجالات التعاون بين البلدين وفرص وآفاق تطويرها في مختلف الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية بما يلبي تطلعات شعبيهما في الارتقاء بها على مختلف المستويات ويسهم في تعزيز التنمية والاستقرار والازدهار في المنطقة”.
وقالت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” إنّ مباحثات ولي عهد أبوظبي والرئيس العراقي شملت أيضا “التطورات الإقليمية والدولية والتحديات التي تواجهها المنطقة العربية وسبل التعامل معها واحتواء تداعياتها”.
ونقلت عن الشيخ محمد بن زايد تأكيده حرص دولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع العراق، ودفعها إلى الأمام في المجالات المختلفة بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين.
وذكّر ولي عهد أبوظبي بأنّ الإمارات كانت سباقة إلى المبادرة إلى دعم العراقيين خلال السنوات الماضية، سواء على المستويات الاقتصادية والتنموية، أو في مجال الحفاظ على التراث الإنساني العراقي، وحمايته في مواجهة التهديدات التي تعرض لها من القوى الإرهابية التي حاولت تدميره وتشويهه.

وقال إنّ “التوافق والتعايش ونبذ الشقاق والفرقة بين أبناء الشعب العراقي هي السبيل نحو الاستقرار والتنمية وتعزيز الأمن الوطني وتحصينه في مواجهة أي تهديدات أو مخاطر أيا كان نوعها أو مصدرها، وأن جمهورية العراق بما لها من عمق تاريخي، وما تملكه من موارد بشرية ومادية
وحضارية ثرية، قادرة على الانطلاق إلى المستقبل وتجاوز الماضي والتعافي من سنوات الحروب حتى يعود العراق إلى دوره وموقعه الطبيعي، سواء على المستوى العربي أو على المستويين الإقليمي والعالمي”.
ومن جانبه أكّد الرئيس العراقي حرص بلاده على تنمية علاقاتها مع دولة الإمارات في شتى المجالات. كما شدّد الجانبان على أهمية العمل المشترك في سبيل الحفاظ على وحدة وسيادة الدول التي تواجه الأزمات وصون مقدرات شعوبها ودعم التنمية والبناء فيها. ووجّه الجانبان دعوة مشتركة إلى التعاون وتضافر جهود المجتمع الدولي والدول العربية للتصدي لآفة الإرهاب والتطرف الذي يهدد أمن الدول واستقرارها وحياة شعوبها خاصة ما يتعلق بوقف تمويل الجماعات الإرهابية وتزويدها بالمقاتلين والأسلحة وتوفير الملاذ الآمن لها.
وكان الرئيس العراقي قد أشار في مستهل جولته الخليجية إلى أنّ العراق ودول الخليج “حالة واحدة في مواجهة الإرهاب والتطرف”. ورغم حسم الحرب العسكرية ضدّ تنظيم داعش، إلاّ أنّ المشغل الأمني مازال على رأس الأولويات في العراق، حيث ترتبط به عملية استعادة الاستقرار وجلب الاستثمار وإعادة إطلاق عجلة التنمية شبه المتوقّفة منذ سنوات.
كذلك يواجه العراق مصاعب اقتصادية يخشى أن تزيد العقوبات الأميركية المسلّطة على إيران من تفاقمها. وقال صالح خلال زيارته الأحد للكويت إنّه لا يريد لبلده “أن يكون محملا بوزر العقوبات الأميركية على إيران”. وأشار خلال حديثه للصحافيين “نحن في حوار مستمر مع الولايات المتحدة ويجب مراعاة خصوصية العراق بشأن تلك العقوبات”. كما نفى أن تكون بغداد بصدد القيام بوساطة بين طهران وواشنطن، مؤكّدا قوله “لا نريد أن ندخل في محاور ومصلحتنا أن يكون العراق أولا”.