تواطؤ سوريا مع التهريب يهدد جهود تطبيع العلاقات مع الأردن

عزز الأردن استراتيجيته الأمنية والعسكرية في مواجهة ظاهرة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا عبر أراضيه بعد أن فشلت مساعيه الدبلوماسية السابقة في تحرك النظام السوري. ويرى مراقبون أن التصعيد الأمني الأردني سترافقه خطوات سياسية ربما تؤثر على تطبيع العلاقات بين البلدين.
عمان - قالت دوائر أردنية إن تواطئ النظام السوري مع المهربين وتراخيه في مكافحة الظاهرة يهدد جهود تطبيع العلاقات مع الأردن، الذي يبذل مساعي حثيثة لتعويم نظام الرئيس بشار الأسد، بينما لا تلقى هذه الجهود الأردنية في المقابل صرامة من قبل النظام السوري في حماية الحدود الشرقية للمملكة.
وأعلن الجيش الأردني أن “مخافر سورية تتعاون مع بعض المهربين” وأن تنفيذ قواعد الاشتباك الجديدة كانت ثقيلة على المهربين.
وقال مدير الإعلام العسكري الأردني العقيد الركن مصطفى الحياري خلال مؤتمر صحافي الخميس إن “رسالة الملك عبدالله الثاني القائد الأعلى للقوات المسلحة واضحة لجميع المرتبات بتحمير العيون”.
وتابع أن الملك عبدالله الثاني “أكد ضرورة التعامل بكل حزم وشدة مع من تسول له نفسه بأن يمس أمن الأردن”، مشددا على أن “كل من تسول له نفسه بأنه يستطيع أن يسيء للمملكة سيواجه الموت ببنادق رجال لا يعرفون النوم والراحة”.
وأكد مدير الإعلام العسكري أن “القوات المسلحة الأردنية تقوم بالتصدي لعمليات تهريب المخدرات بالنيابة عن دول المنطقة والعالم بأسره”، مضيفا أن “المخدرات لا تعرف الحدود وتهدم الأسر والأخلاق وتهدد الأمن المجتمعي العالمي”.

مصطفى الحياري: كل من تسول له نفسه الإساءة للمملكة سيواجه الموت
وأشار إلى أن “رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي كان قد أوعز بتغيير قواعد الاشتباك”، مؤكدا أنها “انطلقت من القواعد الأردنية المستندة إلى الرسالة الوطنية بالحفاظ على سلامة الوطن وكرامته”.
وأضاف أنه “منذ بدء سريان قواعد الاشتباك الجديدة، بالتعامل الحازم مع المهربين، لم يروا إلا العيون الحمراء التي تقضي على كل من تسول له نفسه إدخال السموم لأبنائنا”.
ولأول مرة منذ بداية الحرب السورية قبل عشر سنوات، اتهم الجيش الأردني صراحة جهات نظامية سورية بالتعاون مع المهربين، في معطى يقول مراقبون إنه ستكون له تداعيات سياسية.
ويشير هؤلاء إلى أن الأردن يمكن أن يخفف من مساعيه لإعادة تعويم نظام الأسد الذي يراهن بدوره على دور أردني أكبر في ذلك.
ومن شأن هذه الضغوط الأردنية أن تجبر النظام السوري على التحرك بأكثر صرامة في مواجهة تهريب المخدرات عبر الأردن والتي تقول مصادر أردنية إن الميليشيات الموالية لإيران في الجنوب السوري تستغلها لتوفير عائدات تغطي نفقات عملياتها العسكرية بعد انحسار التمويل من إيران المأزومة اقتصاديا.
ويقود العاهل الأردني منذ فترة مساعي دبلوماسية حثيثة مع كل من الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية من أجل إعادة استيعاب سوريا محليا تمهيدا لإعادة تدويل الأسد دوليا وهي خطوة تلقى ترحيبا من عدد من الدول العربية بينما تعارضها قطر.
وتمتد الحدود بين جنوب سوريا وشمال الأردن على طول 360 كلم تقريبا، والمعبر الرسمي الوحيد بين الجانبين حاليا هو معبر جابر نصيب الذي أعيد فتحه بشكل كامل أمام حركة العبور في سبتمبر بعد القيود التي فرضها الجانب الأردني بسبب انتشار وباء كوفيد. وأغلق هذا المعبر ومعبر الرمثا الجمرك خلال الحرب، ولا يزال الأخير مغلقا. أما عمليات التهريب عبر الحدود فتتم إجمالا عبر معابر غير قانونية.
وشدّد الأردن الذي يستضيف نحو 1.6 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الأزمة في سوريا في مارس 2011، خلال السنوات الماضية الإجراءات عند حدوده مع سوريا التي تمتد لأكثر من 300 كلم وأوقف وسجن العشرات من المقاتلين، وعدد كبير منهم من المتطرفين، لمحاولتهم التسلل إلى الأراضي السورية للقتال هناك. كما تم توقيف العشرات من تجار المخدرات.
وتؤكد عمان أن 85 في المئة من المخدرات التي تضبط معدة للتهريب إلى خارج الأردن، خصوصا جنوبا إلى السعودية. ويقول الأردن إن هدف المهربين هو نقل المخدرات إلى دول الخليج عبر أراضيه، مضيفا أن الجنوب السوري يتعرض لإغراءات الميليشيات لتهريب المخدرات.
وأعرب مسؤولون أردنيون عن قلقهم المتزايد من تصاعد محاولات تهريب المخدرات من سوريا خلال العام الماضي، بما في ذلك كميات كبيرة عثر عليها مخبأة في شاحنات سورية تمر من خلال معبرها الحدودي الرئيسي إلى منطقة الخليج.
وكان الجيش الأردني أعلن في العام الماضي أنه أسقط طائرة مسيرة تحمل كمية كبيرة من المخدرات عبر الحدود.
كذلك، قال مسؤولون أردنيون إن حزب الله اللبناني وفصائل مسلحة لها نفوذ في جنوب سوريا يقفان وراء تهريب أحد أشهر المخدرات المحظورة وهو المنشط المعروف باسم الكبتاغون.
وفي موازاة ذلك، أكد خبراء مخدرات تابعون للأمم المتحدة أن سوريا، التي تشهد حربا أهلية منذ عشر سنوات، أصبحت موقع الإنتاج الرئيسي في المنطقة للمخدرات المتجهة إلى الأردن والعراق والخليج وأوروبا.
وضبطت القوات المسلحة نحو 1.4 مليون حبة كبتاغون في 2020، وأحبطت تهريب أكثر من 15 مليون حبة مخدرة كبتاغون عام 2021، كما أحبطت نحو 5.5 مليون حبة كبتاغون في الأسبوعين الأولين فقط من عام 2022.
وأحبطت القوات المسلحة خلال عامي 2020 و2021 محاولة تهريب نحو 27.5 ألف كف حشيش، وتهريب نحو 6643 كف حشيش خلال النصف الأول من شهر يناير 2022.
الجيش الأردني يعلن أن "مخافر سورية تتعاون مع بعض المهربين" وأن تنفيذ قواعد الاشتباك الجديدة كانت ثقيلة على المهربين
وضبطت القوات المسلحة أيضا العامين الماضيين 167 قطعة سلاح مُعدّة للتهريب، وضبطت في 2020 نحو 340 نوعا من الذخائر، لترتفع إلى 3236 نوعا خلال 2021.
وبحسب تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز نشرته العام الماضي، فإن الكثير من إنتاج وتوزيع المخدّرات السورية يتم تحت إشراف “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، ومن بين اللاعبين الرئيسيين رجال أعمال تربطهم صلات وثيقة بالحكومة، إضافة إلى جماعة حزب الله اللبناني، وآخرين من عائلة الأسد.
ويعد حزب الله المتهم الأول في التهريب إلى الأردن، حيث يعتبر المملكة طريقا رئيسيا لمرور المخدرات إلى دول الخليج خاصة باتجاه المملكة العربية السعودية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية عامر ملحم إن عملية تهريب المخدرات التي يقف خلفها حزب الله اللبناني من سوريا ليست جديدة، والأردن يعي تماما من يقف خلفها.
ويرى ملحم أن الأردن أمامه حل آخر بجانب الخيار العسكري لحماية الحدود، وهو إجراء اتصالات مع الجانب السوري لإيجاد حلول لهذه المشكلة خاصة وأن علاقاته مع دمشق شهدت تحسنا جيدا في الفترة الأخيرة.
لكنّ محللين يعتقدون أن الحديث إلى الجانب السوري لن يفيد عمّان بشيء خصوصا لانشغال دمشق بأمور أخرى وتحكم حزب الله والميليشيات الإيرانية في جزء كبير من الأماكن هناك.
ويشير هؤلاء إلى أن الحل قد يكون بقرار دولي يردع حزب الله اللبناني في ظل وجود أرضية جاهزة لذلك نظرا إلى الأزمات التي يتسبب بها الحزب سواء في داخل لبنان أو خارجه.