تواجد أميركي في الساحل يتحدى القوى الإقليمية والإرث الفرنسي

الولايات المتحدة لا تريد أن ترث الدور الفرنسي بامتداداته التاريخية منذ عهد الاستعمار، ولكنها تستثمر فشل فرنسا في دعم المنطقة أمنيّا لمكافحة الإرهاب.
الثلاثاء 2024/01/23
واشنطن تدخل المنطقة تحت يافطة الدعم الاقتصادي ومواجهة الإرهاب

أبيدجان – تشير الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في منطقة الساحل، والتي تستمر أسبوعا كاملا، إلى أن الولايات المتحدة مهتمة بالتمركز في المنطقة وتأكيد دعم دولها في مواجهة الجهاديين، وهو ما يمثل خطوة تتضمن تحديا للقوى الإقليمية مثل روسيا والصين والإرث الفرنسي في المنطقة.

ويطرح الدخول الأميركي إلى منطقة الساحل تحديات أمام الدول المجاورة التي تحتاج إلى الكثير من الاستعدادات للتعامل مع الوضع الجديد، خاصة أن الوجود الأميركي يختلف كليا عما كانت تقوم به فرنسا من تمركز عسكري محدود فيما تخطط واشنطن لإستراتيجية شاملة تجمع بين الاستقرار الأمني والدعم الاقتصادي.

ولا تريد الولايات المتحدة أن ترث الدور الفرنسي بامتداداته التاريخية منذ عهد الاستعمار، ولكنها تستثمر فشل فرنسا في دعم المنطقة أمنيّا بعجزها عن مواجهة الإرهاب واضطرارها إلى الانسحاب وترك المهمة لجيوش دول المنطقة.

كما تستثمر واشنطن فشل فرنسا في تقديم الدعم الاقتصادي لدول القارة، وخاصة منها التي تعيش على وقع الاضطرابات الأمنية والعرقية، حيث لم يساعد نفوذها التاريخي على بناء نماذج اقتصادية وسياسية ناجحة.

واشنطن تستثمر فشل فرنسا في تقديم الدعم الاقتصادي لدول القارة، وخاصة منها التي تعيش على وقع الاضطرابات الأمنية والعرقية

ورغم أن واشنطن تدخل منطقة الساحل بمسمى مواجهة التطرف الإسلامي فإنها عمليا تقوم بذلك وهي تعلم أنها في مواجهة قوى عالمية صاعدة سبقتها إلى المنطقة مثل روسيا والصين وتركيا التي استفادت بدورها من ارتباك الدور الفرنسي.

ولا يتعلق الأمر بالقوى الخارجية فقط وإنما يشمل دول الإقليم مثل الجزائر التي تحاول توظيف اتفاق مصالحة بين الفرقاء الماليين، رعته عام 2015، في الضغط على مالي أو النيجر للتأثير في تسويات سياسية داخلية تؤمّن حدودها.

كما أن التمركز الأميركي على الحدود الجنوبية للجزائر سيمنعها من ممارسة التأثير متعدد الاتجاهات بفتح قنوات تواصل مع كل من فاغنر وفرنسا ودول الساحل والصحراء لتبدو في وضع من يمسك بخيوط اللعبة، ويُصعّب عليها أيضا توظيف ورقة الأزواد.

وجاء الاهتمام الأميركي بالوضع في الساحل والصحراء ليجبر الجزائر على التكيف مع المقاربة التي تحملها واشنطن إلى المنطقة، والتي بدأتها بدعوة التخفيف من حدة القطيعة والتوتر القائمة بينها وبين المغرب، والانخراط في مسار سياسي يدعم جهود المبعوث الأممي ويجنب المنطقة التصعيد بين الطرفين، بحسب الرؤية التي طرحها نائب وزير الخارجية الأميركي المكلف بشؤون شمال أفريقيا جوشوا هاريس، خلال زيارته للمنطقة.

ولم تتأخر الجزائر في إعادة سفيرها إلى باماكو بعد الأزمة التي نشبت بينها وبين قيادة المجلس العسكري في مالي، كما استقبلت وزير خارجية النيجر بكاري سنغاري، الأمر الذي يوحي بأن دبلوماسيتها تنظر إلى ما هو أبعد من الخلاف الآني بين الطرفين، وتستعد لأجندة أوسع وأشمل بقيادة الولايات المتحدة.

هذا إلى جانب فك الارتباط التدريجي بينها وبين مجموعة فاغنر الروسية التي استفادت من العلاقات الجيدة بين البلدين، لتتغلغل في المنطقة، وتتحول إلى داعم لأنظمة سياسية عابرة في كل من مالي والنيجر، جهرت مبكرا برفضها للدور التقليدي الجزائري.

وفيما تركز الجزائر تدخلها في دول جنوب الصحراء على تأمين حدودها يقيم المغرب علاقات متوازنة ومتعددة مع دول المنطقة ستسهل تعامله مع الوجود الأميركي.

pp

وأكد محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في المغرب، أن “زيارة بلينكن إلى هذه الدول تؤكد عزم الولايات على التواجد داخل منطقة غرب أفريقيا لما تمثله للأمن القومي من أهمية وتؤكد حاجة واشنطن إلى إشراك الحكومات الأفريقية على أساس المصالح الأميركية – الأفريقية المشتركة، وهنا يبرز دور المغرب الذي تربطه علاقات ومصالح مزدوجة وقوية بين واشنطن ودول غرب أفريقيا بشكل خاص”.

وأوضح لكريني في تصريح لـ”العرب” أن “المغرب تربطه علاقات مهمة بأميركا تهدف إلى التعاون لمواجهة مختلف التحديات المشتركة، من بينها ما يجري في منطقة الساحل والصحراء، وتأتي زيارة بلينكن في ظل التنافس الكبير حول المنقطة التي تزخر بثروات مهمة. كما تهدف الزيارة إلى مراقبة القواعد العسكرية المتواجدة في العديد من الدول الأفريقية”.

ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية أن المغرب تربطه علاقات متينة مع مختلف المناطق في القارة الأفريقية، وذلك في إطار جنوب – جنوب (رابح – رابح)، وكذلك مع الولايات المتحدة.

ويعتبر التعاون الإستراتيجي بين المغرب وواشنطن عاملا مساعدا في تقوية الحضور الأميركي بغرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، من خلال التنسيق الأمني والسياسي داخل أفريقيا ومنطقة الساحل بشكل خاص، وانخراط الرباط في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب.

ويستهل بلينكن جولته بزيارة الرأس الأخضر قبل التوجّه إلى كوت ديفوار ونيجيريا وأنغولا، في أول زيارة يقوم بها إلى أفريقيا جنوب الصحراء خلال عشرة أشهر، مبتعدا عن الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة التي تستنزف وقته مؤخرا.

وبينما يشعر كثيرون في أفريقيا بعدم الارتياح حيال الاهتمام البالغ الذي توليه الولايات المتحدة للشرق الأوسط وأوكرانيا وعدم إيفاء الرئيس جو بايدن بوعده بزيارة القارة عام 2023، سيسعى بلينكن لإظهار وجه أكثر وديّة للولايات المتحدة خلال الجولة.

كما تأتي زيارة بلينكن بعد مرور أيام على زيارة كوت ديفوار التي قام بها وزير خارجية الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة أبرز خصم لها على الأمد الطويل والتي وسّعت نفوذها في أفريقيا خلال العقدين الماضيين.

oo

وفي آخر زيارة قام بها إلى المنطقة في مارس 2023، بات بلينكن أرفع مسؤول أميركي على الإطلاق يزور النيجر، في محاولة للتعبير عن الدعم لرئيسها المنتخب محمد بازوم. لكن بعد أربعة أشهر أطاح الجيش النيجري ببازوم وأجرى رئيس الوزراء المعيّن من قادة الانقلاب علي محمد الأمين زين زيارة إلى موسكو الأسبوع الماضي سعيا لتعزيز التعاون.

وتتعاون مجموعة المرتزقة الروسية النافذة فاغنر مع مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، ويشتبه أيضا في أنها تتعاون مع بوركينا فاسو. وحذّرت الولايات المتحدة النيجر من السير على خطى هذه الدول الثلاث.

ولعبت النيجر دورا رئيسيا في جهود واشنطن للتصدي للجهاديين الذين أثاروا اضطرابات في منطقة الساحل إذ تشيّد الولايات المتحدة قاعدة بقيمة 100 مليون دولار في مدينة أغاديس الصحراوية لتشغّل منها أسطولا من المسيّرات.

وما زالت القاعدة قائمة والقوات الأميركية متواجدة في النيجر لكن واشنطن تبحث عن خيارات في بلدان أكثر استقرارا في المنطقة. وأكد قائد سلاح الجو الأميركي لأوروبا وأفريقيا الجنرال جيمس هيكر أواخر العام الماضي أنه يتم بحث “عدة مواقع” أخرى في غرب أفريقيا لإنشاء قاعدة جديدة للمسيّرات.

وأكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في أن بلينكن سينظر في مسألة مساعدة الدول “على تعزيز مجتمعاتها لمنع تمدد التهديد الإرهابي الذي شهدناه في الساحل”.

وأعلنت إدارة بايدن العام الماضي عن خطة لعشر سنوات لدعم الاستقرار ومنع النزاعات في بنين وغانا وغينيا وكوت ديفوار وتوغو. وتدعو الخطة إلى تركيز المساعدات الأميركية على التشجيع على التماسك الاجتماعي والاستجابة الحكومية، في تخل واضح عما وصفته بـ”النهج الأمني بشكل مبالغ فيه” في الساحل.

1