تهمة الإرهاب تلاحق أباطرة السوق في مصر

القاهرة - قررت الحكومة المصرية بالتوافق مع مجلس النواب تصعيد المواجهة مع أباطرة السوق من كبار التجار والمحتكرين إلى الحد الأقصى، بعد أن تسببوا في حالة من الغليان في الشارع، ووجد النظام المصري نفسه مضطرا إلى اتخاذ إجراءات صارمة تكرّس هيبة الدولة وتحول دون تحول الأزمة إلى احتقان شعبي.
ويناقش البرلمان مقترحا يقضي بإدراج المتهمين باحتكار السلع ورفع أسعارها “ضمن المتورطين في جرائم إرهاب”، باعتبارهم يرتكبون فعلا يضر بالأمن القومي ويؤجج غضب الشارع، وتقف الحكومة أحيانا عاجزة عن ضبط إيقاع السوق.
وتزامن المقترح مع إعلان الحكومة أنها تعمل على إعداد تشريع صارم لمواجهة الاحتكار وإخفاء السلع وتعمّد رفع أسعارها بشكل غير مبرر، وهو ما يفرض على أجهزة الدولة التدخل بقوة لإعادة ضبط الأمور.
وتعتقد أوساط مصرية تحدثت معها “العرب” أن تحرك الحكومة والبرلمان معا يعكس حجم الضغوط الشعبية، ما اضطر الدولة لتفعيل أدواتها وإظهار صرامة مع من يوصفون بـ“أباطرة السوق” في ظل التحديات الواقعة على الحدود مع قطاع غزة، ما يجعل الدولة لا تتهاون الآن في سد الثغرات الداخلية سريعا.
ويبدو أن تصعيد مجلس النواب في مسألة ضبط السوق جاء بالتنسيق مع دوائر حكومية، لتكون الجهة التشريعية صاحبة القول الفصل في إعداد قانون يُرهب المتورطين في تهديد الأمن القومي من خلال تعمد إثارة الشارع ضد النظام في مرحلة حرجة.
ويواجه الكثير من المواطنين صعوبات معيشية مزدوجة، على صعيد ارتفاع أسعار السلع الحيوية مثل السكر والأرز، واختفائها أحيانا بلا مبرر، وبدت أدوات الحكومة غير فعالة وربما عاجزة عن التعامل مع ضبط الأسعار واختفاء المواد.
وشكلت الحكومة لجنة دائمة بمشاركة وزارات ومؤسسات أمنية ورقابية (لأول مرة) معنية برقابة السوق وأسعار السلع واقتراح التوصيات التي يجب تطبيقها لإعادة ضبط الأمور، ومن صلاحيات اللجنة اتخاذ ما يلزم دون سقف.
وأعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي عن إصدار قرار من الحكومة بتحديد سعر السلع الغذائية الأساسية لفترة زمنية محددة، ووضع هامش ربح للإستراتيجية منها، واستحداث نظام إلكتروني لمتابعة تداول السلع ومعرفة أماكن تواجدها وتوريدها إلى حين وصولها إلى أيدي المستهلكين.
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الحكومة تستشعر خطرا من ترك الشارع يئن من الغلاء واختفاء السلع، بالتزامن مع التحديات الخارجية، ويصعب فصل تحركاتها الأخيرة عن استعداد أجهزة الدولة التدخل بحسم لردم الهوة مع المواطن.
وإذا أقر البرلمان تشريعا يقضي بمعاملة أباطرة السوق كمن يهددون الأمن القومي والمحاكمة بتهمة الإرهاب، لن تصطدم الخطوة بتحفظ مجتمعي، طالما أن الحلول الروتينية عجزت عن إنهاء الأزمة، والحكومة متهمة طوال الوقت بالتخاذل.
ويتهم معارضون الحكومة بأنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، لأن لديها من الأدوات والأجهزة الرقابية ما يكفي لفرض سيطرتها كاملة على السوق، لكنها انشغلت بالشق التنموي ومحاولة إنقاذ الاقتصاد من عثراته السنوات الماضية، حتى تراكمت أزمة الغلاء وما صاحبها من توابع شعبية، وأصبحت أكثر تعقيدا.
وأقال وزير التموين والتجارة الداخلية، كجهة مسؤولة مباشرة عن ضبط الأسعار وتوافرها، رئيس جهاز حماية المستهلك من منصبه، وعيّن بدلا منه ضابطا كبيرا، لكن الشارع لم يشعر بتحسن في ملفي خفض الأسعار وتوافر السلع، ما دفع الحكومة إلى تغيير عملية المواجهة من مطاردة للمحتكرين للتلويح بمعاملتهم كالإرهابيين.
النظام المصري يجد نفسه مضطرا إلى اتخاذ إجراءات صارمة تكرّس هيبة الدولة وتحول دون تحول الأزمة إلى احتقان شعبي
ويعني إقرار تشريع بإدراج المحتكرين ضمن قوائم الإرهاب أن الجهاز الأمني في مصر سيكون مسؤولا عن تحقيق التوازن في الأسعار، وهي مهمة ليست هينة في توقيت بالغ الحساسية.
ويراهن مؤيدون للتعامل بقسوة أمنية على أهمية توظيف تهمة الإرهاب لأباطرة السوق، لأنها وسيلة مهمة لردع كل من تسوّل له نفسه التلاعب بالمواطنين لتحقيق مكاسب مادية أو خدمة قوى معارضة لا تريد للأمن والاستقرار أن يستمرا في مصر.
وقال اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ إن مقترح وضع قوائم للمحتكرين ومحاسبتهم بتهمة تهديد الأمن القومي “سيتم إقراره بالفعل، وهناك تنسيق حكومي – برلماني لحصار المتورطين في تأليب الشارع ومحاكمتهم جنائيا، لأنهم يخدمون أعداء الدولة بشكل غير مباشر”.
وأضاف المقرحي في تصريحات لـ“العرب” أن التهديدات القائمة على الحدود المصرية سرّعت وتيرة إظهار أنواع جديدة من القبضة الحديدية ضد من تسببوا في انفلات السوق، وما يحدث هو محاولة لفرض الاستقرار الداخلي بالقوة الجبرية للتفرغ لمواجهة التهديدات الأمنية الخارجية، ولم يعد هناك بديل عن إطلاق يد الجهاز الأمني لضبط السوق.
ونزل الملايين من المصريين إلى لجان الانتخابات الرئاسية التي انتهت الثلاثاء ومنتظر أن تسفر عن فوز كاسح للسيسي (مؤشرات شبه نهائية)، لكن النظام على يقين أن صبر المواطنين على ظروفهم المعيشية الصعبة سيبدأ في التراجع إذا تركوا فريسة لأباطرة السوق للتحكم في أسعار ما يحتاجونه من مستلزمات حياتية.
وتشعر دوائر حكومية أن الأضرار التي يسببها المحتكرون قد تطال الرئيس السيسي شخصيا، وهو صاحب مشروع زيادة برامج الحماية الاجتماعية المقدمة للبسطاء لإنقاذهم من الغلاء، لكن مهما بلغت قيمة الدعم الحكومي لم تعد ذات قيمة أمام اتساع الفجوة بين قفزات الأسعار ومساعدات السلطة للفقراء.
ويعوّل الشارع المصري على حزم الأجهزة الأمنية لتعويض الترهل في الجهاز الإداري المحلي الذي كان يلعب في السابق دورا على مستوى الرقابة والمتابعة.
ترتبط قدرة الحكومة على مواجهة ما يحدث من ارتفاع في أسعار بعض السلع بالكف عن تعليق شماعة الغلاء على أزمات خارجية، لأن ذلك الخطاب يحمل تبرئة للمحتكرين الذين اعتادوا استغلال الأحداث الخارجية لنهب جيوب المصريين.