تهريب المواشي يجبر الرعاة في العراق على هجر المهنة

بغداد - في قرية نائية بالطرف الجنوبي من مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى شرقي العراق، يقف سعد العبيدي وهو راعي أغنام يمارس هذه المهنة منذ أكثر من نصف قرن، وهو يردد، “رحل العصر الذهبي للمهنة لم يبق سوى بقايا متناثرة من قطعان الأغنام في الأرياف”.
وقال العبيدي ( 65 عاما) لوكالة أنباء شينخوا “إن مهنة رعي الأغنام تعد أقدم المهن في ديالى، وهي تعود إلى حقب زمنية بعيدة وكانت تمثل مصدر رزق لمعظم سكان القرى الذين يعتمدون في حياتهم على الزراعة ورعي الماشية سواء من الأغنام أو الأبقار وبشكل أقل الماعز”، لافتا إلى أن هذه المهنة بدأت تشهد رحيلا سريعا لروادها الأمر الذي يهدد باندثارها.
وأضاف أنه قبل عقدين، كان لديه 300 رأس من الأغنام واليوم لم يبق منها سوى 36 رأسا، لافتا إلى أن المهنة تعاني من تحديات عدة، من بينها تدفق الأغنام المهربة من دول الجوار وبيعها في أسواق ديالى بأسعار بخسة، وإغراق الأسواق باللحوم المستوردة.
وتتميز محافظة ديالى بأنها ذات طبيعة زراعية وفيها أراض منبسطة واسعة، ولذلك تعد بيئة خصبة لتربية الأغنام والماشية بكل أنواعها.
أما عدي خميس (27 عاما)، وهو شاب يرعي الأغنام منذ سبع سنوات، فقال إن “لديه 50 رأسا من الأغنام وبعض الأبقار يرعى بها قرب منطقة خان بني سعد (20 كم) جنوب غرب بعقوبة”، وبيّن أنه “عمل غير مقنع بالنسبة لي لأن الجدوى الاقتصادية منه غير كافية، وأنا شاب في مقتبل العمر، وأحلم بعمل أفضل ومستقبل أكثر استقرارا لعائلتي، ولو حصلت على فرصة عمل أفضل سأغادر هذه المهنة على الفور”.
وأوضح أن “أغلب أقرانه ممن كانت لديهم قطعان من المواشي، قاموا ببيعها والتحقوا بوظائف حكومية وخصوصا في القوات الأمنية، وهم اليوم يحصلون على رواتب جيدة تؤمن مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم”.
وأشار خميس إلى أن القرية التي يقطنها كان فيها 50 شخصا يمارسون مهنة الرعي، ولم يتبق منهم اليوم سوى ستة رعاة فقط، لافتا إلى أن “مهنة الرعي من المهن الصعبة والتي تحتاج إلى القوة الجسدية لأننا نقطع يوميا العشرات من الكيلومترات خلال رحلة الرعي، ومع تقدم العمر فإن هذه المهنة لن تكون صالحة لي بعد سنوات من الآن”.
ومن جانبه، أكد رعد مغامس رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، أن “أكثر من 40 في المئة من مربي المواشي في ديالى، قد تركوا المهنة بالفعل وتوجهوا لممارسة أعمال أخرى أو وظائف حكومية”.
وأضاف أن هناك عوامل متعددة تقف وراء ابتعاد مربي الأغنام عن هذه المهنة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ولعل في مقدمة هذه الأسباب ضعف الدعم الحكومي لهذه الشريحة المهمة التي تدعم اقتصاد المحافظة وتوفر اللحوم والألبان ومشتقاتها للسوق المحلية.
وتابع مغامس أن الأمراض والآفات والاضطرابات الأمنية التي عاشتها المحافظة طيلة السنوات الماضية ونزوح الكثير من العوائل التي تمارس مهنة الرعي عن قراها، أسهمت هي الأخرى في إضعاف قطاع تربية المواشي.
وشهدت محافظة ديالى بعد 2005 اضطرابات أمنية دامية أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأسر عن مناطق سكنها وحصول اختلال في البيئة الزراعية استمرت لسنوات، ما أثر على كل المهن في تلك المناطق ومنها مهنة رعي الأغنام وتربية الماشية.
واعتبر غالب حسن (35 عاما)، وهو تاجر مواش، أن ديالى تعد من المحافظات التي تميزت لعقود بوفرة قطعان الأغنام والماشية، وهناك سوق كبيرة لبيع وشراء المواشي بالقرب من مدينة بعقوبة لا تزال قائمة حتى اليوم، إلا أنها فقدت الكثير من زبائنها سواء من الباعة أو المشترين، لافتا إلى أن الاستيراد غير المبرمج للحوم وتهريب المواشي عبر الحدود مع دول الجوار تقف وراء تدهور سوق المواشي وتربيتها في المحافظة. وأضاف أن الأغنام والماشية العراقية تتميز بجودة لحومها وغزارة إنتاجها من الحليب والأصواف، وهي قادرة على تلبية حاجة السوق المحلية بشكل كامل، ولكن قطاع تربية المواشي بحاجة إلى الدعم الحكومي سواء بتوفير الأعلاف والأدوية للمربين وبأسعار مدعومة أو من خلال السيطرة على الاستيراد والتهريب.
وأشار حسن إلى أن تربية المواشي وتجارتها يمكن أن توفرا فرص عمل للكثير من العاطلين فيما لو تم تنشيط هذا القطاع ودعم العاملين فيه.
ويبلغ عدد سكان محافظة ديالى شرقي العراق نحو مليون و250 ألف نسمة ويعمل معظم سكانها في قطاع الزراعة، فضلا عن مهنة الرعي وتربية المواشي التي أصبحت مهددة بالاندثار.