تهديدات نصرالله تضع لبنان في مطب مع قبرص والاتحاد الأوروبي

حزب الله يعزل لبنان عن أصدقائه التاريخيين.
الجمعة 2024/06/21
نصرالله يتخذ من لبنان رهينة

شكلت تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لقبرص، إحراجا كبيرا للبنان، أمام أحد أصدقائه التاريخيين الذي لطالما دعمه في وقت الحروب والأزمات، وتربطه معه مصالح كبيرة.

بيروت- تواجه العلاقات اللبنانية – القبرصية مطبا خطيرا على خلفية التهديدات التي وجهها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لنيقوسيا، وسط مخاوف لبنانية من تضرر العلاقات الثنائية، والمصالح التي تجمع لبنان بالبلد الأوروبي.

وتقول أوساط سياسية لبنانية إن حزب الله يزج بلبنان في صراعات مع دول لطالما وقفت مع لبنان، وأنه لم يترك للبلد صديق، محذرة من أن تلك التهديدات قد تخلق تداعيات خطيرة ليس فقط على العلاقة مع نيقوسيا بل ومع الاتحاد الأوروبي ككل.

وأعرب بيتر ستانو، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن دعم الاتحاد الأوروبى لقبرص في مواجهة تهديدات حزب الله لها.

ونقلت صحيفة “قبرص ميل” الخميس عن ستانو قوله “قبرص دولة عضو بالاتحاد الأوروبى، وهذا يعنى أن الاتحاد الأوروبي هو قبرص، وقبرص هي الاتحاد الأوروبي”. وأضاف ستانو هذا يعني أن “أي تهديد لواحد من أعضائنا، هو تهديد للاتحاد الأوروبي”.

بيتر ستانو: أي تهديد لأحد أعضائنا، هو تهديد للاتحاد الأوروبي
بيتر ستانو: أي تهديد لأحد أعضائنا، هو تهديد للاتحاد الأوروبي

ولفت إلى الاتحاد الأوروبي “يشارك في الاتصالات والأنشطة مع العديد من الشركاء في المنطقة بهدف المساهمة في خفض التصعيد على نحو ضروري” للتوتر القائم”.

وتابع أن هناك حوارا مستمرا مع الحكومة اللبنانية، و”مع أطراف أخرى، إلى جانب شركائنا فى المنطقة والمجتمع الدولي”. وأوضح المسؤول الأوروبي “إن الهدف الوحيد للاتصالات هو منع حدوث أي تصعيد آخر، حيث إنه لن يستفيد أحد من تصعيد آخر محتمل بين حزب الله وإسرائيل فى هذه الحالة الخاصة”.

وحذر نصر الله في كلمة ألقاها الأربعاء خلال تأبين طالب عبدالله، وهو قيادي بارز في صفوف الحزب قضى الأسبوع الماضي بنيران إسرائيلية، الحكومة القبرصية من مغبة فتح المجال لإسرائيل لاستهداف الحزب.

وقال نصرالله إن “فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الاسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية أصبحت جزءا من الحرب وستتعامل معها المقاومة على أنها جزء من الحرب”.

وتأتي تحذيرات نصرالله مع تصاعد التوتر بين الحزب اللبناني الموالي لإيران وبين إسرائيل، وسط قلق متنام من إمكانية حدوث مواجهة شاملة بين الطرفين.

ويقول متابعون إن تحذيرات الأمين العام لحزب الله هي رد على تقارير تتحدث عن مناورات عسكرية أجرتها إسرائيل في قبرص، تحاكي هجوما في الجبهة الشمالية.

وأكدت قبرص الخميس أنها “لن تسمح لأي دولة باستخدام أراضيها لتنفيذ عمليات عسكرية، وأنها ليست متورطة في أي صراعات”.

وقال المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس لإذاعة قبرص العامة: “إن تصريحات الأمين العام لحزب الله غير سارة”، وإن نيقوسيا “ستتخذ الإجراء المناسب من خلال القنوات الديبلوماسية”.

ونقلت صحيفة “قبرص ميل” الناطقة بالإنكليزية تصريحات المتحدث، الذي أضاف “قبرص ليست متورطة ولن تتورط في أي حرب أو صراعات، وبالتالي فإن التصريحات التي أدلى بها زعيم الحزب لا تتوافق مع الواقع”.

وكرر ليتيمبيوتيس ما قاله الرئيس نيكوس خريستودوليديس الأربعاء، بأن قبرص “جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة”، وأصر على أن الجزيرة “ركيزة للسلام والاستقرار في المنطقة”، مضيفا أيضا أن علاقاتها مع لبنان “ممتازة”.

كونستانتينوس ليتيمبيوتيس: تصريحات الأمين العام لحزب الله غير سارة
كونستانتينوس ليتيمبيوتيس: تصريحات الأمين العام لحزب الله غير سارة

ولفت المتحدث إلى أن الحكومة لن تسمح لأي دولة بتنفيذ عمليات عسكرية على الجزيرة، لكنه أشار إلى “خصوصية” وجود القواعد البريطانية في قبرص، التي قال إنها “تتمتع بوضع مختلف”.

وأقفلت السفارة القبرصية الخميس أبوابها في لبنان “حتى إشعار آخر، كما أفيد عن تعليق قبرص منح تأشيرات السفر للبنانيين”، فيما بدا رد عملي على كلام نصرالله.

وكانت السفارة القبرصية أعلنت في بيان مساء الأربعاء، أن القنصلية لن تستقبل أي طلبات تأشيرة أو تصديقات في 20 يونيو 2024. ولفتت إلى أنه يمكن استلام جوازات السفر والتصديقات من خلال إظهار الإيصال الصادر عن القنصلية عند تقديم طلب التأشيرة. وفي محاولة لاحتواء التوتر المستجد، قالت وزارة الخارجية اللبنانية وشؤون المغتربين، إن العلاقات اللبنانية – القبرصية تستند إلى تاريخ حافل من التعاون الدبلوماسي وأن التواصل والتشاور الثنائي قائمين وبوتيرة مستمرة ودائمة على أعلى المستويات بين البلدين بهدف التباحث في القضايا ذات المصالح المشتركة.

واعتبرت الخارجية أن “قرار إقفال السفارة القبرصية أبوابها ليوم واحد لا علاقة له بكلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بل كان محددا مسبقا لأسباب إدارية تتعلق برفع سعر التأشيرة، وهي ستعاود العمل بدءا من الغد”.

وأثارت تصريحات نصرالله ردود فعل مستنكرة من الجانب اللبناني، وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إن “قبرص كانت ملجأ للبنانيين على مدى عقود أيام المحن”، فيما صرح النائب إلياس حنكش “نحن رهائن لميليشيا مسلّحة تأخذ البلد إلى حيث تريد”.

وأضاف حنكش عبر “هنا لبنان” “مَن مِن مجلس النواب قرّر السلم والحرب ونصرالله لم يترك لنا صديقا واحدا أقله في العالم، واليوم يهاجم قبرص التي لجأ إليها اللبنانيون في زمن الحرب والتي نستعين بها وبطائراتها كلما اندلع حريق في لبنان والتي فيها جالية لبنانية كبيرة تعمل هناك”.

وتساءل “ما هذا التصرف غير المسؤول الذي يزجّ لبنان في أزمة إضافية ونحن أساسا في معزل عن أصدقائه التاريخيين نتيجة سياسة خارجية ممنهجة عوجاء عرّضت لبنان واللبنانيين ومصالحهم مع دول الخليج واليوم نتوجّه صوب أوروبا من دون أن ننسى أن قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي والناتو فلا يمكن لأحد مسؤول أن يتصرف بهكذا طريقة”.

ويرى مراقبون أن حزب الله يلعب بالنار وأن مثل تلك التصريحات غير المسؤولة ستضعه ولبنان ككل في مواجهة مع دول لطالما اعتبرت قريبة من البلد.

يذكر أن قبرص كان لها دور أساسي في إقناع الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم للبنان بقيمة مليار يورو (1.07 مليار دولار) لإنعاش اقتصاده المتعثر وقوات الأمن.

تحذيرات نصرالله تأتي مع تصاعد التوتر بين الحزب اللبناني الموالي لإيران وبين إسرائيل، وسط قلق متنام من إمكانية حدوث مواجهة شاملة بين الطرفين

ويشير المراقبون إلى أن تهديدات نصرالله ستجعل من قبرص وأيضا الاتحاد يعيدون النظر في سياساتهم المتسامحة نسبيا معه. وقال وزير العدل القبرصي ماريوس هارتسيوتيس إن الإجراءات التي تتخذها وزارته بشأن مسائل مثل الإرهاب “يتم تقييمها وتحديثها يوميا”. وأضاف هارتسيوتيس “من الواضح والمفهوم أن التصريحات التي أدلى بها نصرالله يتم تقييمها أيضا ويتم تحديث الإجراءات المتخذة يوميا، وفقا للمعلومات المتاحة لدينا”.

من جانبه قال السفير القبرصي لدى إسرائيل، كورنيليوس كورنيليو، “عندما يهدد مثل هذا الشخص (الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله) سنرد بالطبع”، لافتا إلى أن بلاده “تعمل بتنسيق وثيق مع إسرائيل”.

وعندما سئل كورنيليو عما إذا كان متفاجئا من تهديدات نصرالله أجاب “نعم ولا. العلاقات بين إسرائيل وقبرص لم تكن أبدا بهذه القوة وكل شيء على السطح”.

وأضاف في تصريحات لموقع “واينت” “نحاول أن نلعب دورا متواضعا فيما يتعلق بنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل. وأنا متأكد من أن كل هذا غير مرحب به من قبل حزب الله”.

2