تهديدات أردوغان تخفي سعيه لتسوية مع واشنطن

أردوغان لم يأمر باتخاذ الإجراءات الانتقامية تجاه الولايات المتحدة إلا بعد إجراء مفاوضات مع واشنطن قد تفضي إلى حل الأزمة التي أشعلتها قضية القس.
الأحد 2018/08/05
أسلوب ماكر

أحرجت انتقادات المعارضة التركية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اكتفى الجمعة في كلامه عن العلاقة مع واشنطن بالحديث عن اتفاقات بشأن مدينة منبج السورية دون الخوض في مسألة العقوبات الأميركية، ليخرج الرجل السبت بمظهر الرئيس المتوعد للولايات المتحدة على خلفية العقوبات التي سلطتها واشنطن على أنقرة. وقال متابعون إن أردوغان يبحث عن تسوية من وراء الستار.

أنقرة - طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، تجميد أصول وموجودات وزيري العدل والداخلية الأميركيين في تركيا ردا على العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة على خلفية توقيف قس أميركي.

وقال أردوغان، في خطاب ألقاه السبت في أنقرة ونقله التلفزيون، “صبرنا حتى مساء أمس واليوم أصدرت توجيهاتي سنجمد أصول وزيري العدل والداخلية الأميركيين في تركيا إذا وجدت”.

وقال إن واشنطن انخرطت في “لغة التهديدات والعقوبات السخيفة” زاعما أن الرئيس دونالد ترامب “تخدعه” الدوائر “التبشيرية، الصهيونية” في الولايات المتحدة. ورغم ظهوره في وضع المستميت في الدفاع عن حفظ ماء وجه أنقرة، إلا أن أردوغان سرعان ما أعلن بأن “القنوات الدبلوماسية تعمل بشكل مكثف للغاية”، مضيفا أنه يأمل أن “يعود (الجانب الأميركي) إلى طريق الصواب في أقرب وقت ممكن”.

وتم إلقاء القبض على برونسون في تركيا في أكتوبر 2016، وأودع لاحقا في ديسمبر من نفس العام في الحبس الاحتياطي على خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب.

وحولت محكمة تركية الحبس الاحتياطي الأسبوع الماضي إلى إقامة جبرية لبرونسون في منزله بإزمير بسبب مشكلات صحية يعانيها القس. والعلاقات بين أنقرة وواشنطن مشحونة بسبب الحرب في سوريا وقرار تركيا شراء نظام دفاع جوي روسي وصدور إدانة في نيويورك بحق الموظف السابق ببنك هالك التركي محمد هاكان أتيلا، لانتهاك العقوبات الأميركية على إيران، وبسبب الجهود لعرقلة تسليم مقاتلات طراز “إف 35” إلى تركيا.

وفي خطوة جديدة، حاول الرئيس التركي في نفس الخطاب أن ينفي عن نفسه تهمة السعي إلى مبادلة القس الأميركي بالداعية التركي فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، حيث قال إن “أنقرة ليست مهتمة في مبادلة برونسون بأي شخص”.

وكان أردوغان قد اقترح في السابق مبادلة برونسون بالداعية الإسلامي فتح الله غولن، لكن واشنطن تقول إنه لا يوجد أدلة كافية لتسليمه.

ورغم أن الرئيس التركي بدا وفق الملاحظين كعادته ملتحفا بعباءة السلطان العثماني المدافع عن أنفته مهما كان الطرف الذي ينازعه، إلا أنه استدرك في نفس الخطاب الذي ألقاه في ما بدا أنه تصعيد للأزمة بقوله “لا نريد أن نكون طرفا في لعبة يخسر فيها الجميع”. واعتبر أن “نقل الخلافات السياسية والقضائية إلى المجال الاقتصادي سيكون ضارا للطرفين”.  ووصل الصدع بين واشنطن وأنقرة إلى حد أن القطب العالمي فرض هذا الأسبوع عقوبات على بلد عضو في حلف شمال الأطلسي بسبب استمرار احتجاز القس الأميركي أندرو برانسون.

وشهد التوتر تصعيدا هذا الأسبوع بين الدولتين الحليفتين في حلف شمال الأطلسي بسبب توقيف القس برانسون الذي يشرف على كنيسة بروتستانتية صغيرة في إزمير.

من جهتها، فرضت واشنطن الأربعاء عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين أمام رفض أنقرة الإفراج عن القس.

وتطرق أردوغان، في خطاب السبت، لأول مرة إلى العقوبات الأميركية التي قال إنها “لا تتماشى مع التعاون الاستراتيجي”. وأضاف أن العقوبات الأميركية “تقلل إلى حد كبير من احترام تركيا”. وأضاف “أولئك الذين يعتقدون أنهم يستطيعون جعل تركيا تتراجع من خلال لغة التهديد وبعقوبات سخيفة لا يعرفون هذا البلد”.

ويؤكد مراقبون أن أردوغان لم يأمر باتخاذ ما أسماه بالإجراءات الانتقامية تجاه الولايات المتحدة إلا بعد إجراء مفاوضات مع قادة واشنطن قد تفضي إلى حل الأزمة التي أشعلتها قضية القس. ويرى مراقبون أن أردوغان تسلح بخطابه التهديديّ ربما عقب تلقيه تطمينات بالتهدئة مع أهم حليف استراتيجي في المنطقة، خاصة أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد صرح في وقت سابق بأن الولايات المتحدة لديها كل النية للعمل بشكل تعاوني مع تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي. وأعرب بومبيو عن أمله بإمكان التوصل لحل لقضية الأميركيين المعتقلين في تركيا خلال الأيام المقبلة، مؤكدا على “التصميم الكبير” لواشنطن خصوصا في ملف القس برانسون.

ويعتبر محللون أن تركيا فعلا لا تريد تصعيد الأزمة التي تسببت على أرض الواقع في تراجع سعر صرف الليرة مع تجاوز الدولار خمس ليرات للمرة الأولى.

وتعتبر هذه المواجهة هي إحدى أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين البلدين منذ احتلال تركيا للقسم الشمالي من جزيرة قبرص في العام 1974.

3