تهدئة هشة بين بغداد وأربيل تهددها ضغوط القوى الموالية لإيران

مسرور بارزاني يأمل في أن يدوم الاتفاق والتفاهم مع الحكومة الاتحادية بشأن الرواتب والحقوق المالية لإقليم كردستان.
الجمعة 2024/04/12
راية واحدة وتوجهان مختلفان

بغداد - نجحت جهود سريعة قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال الفترة القريبة الماضية، في خفض التوتّر بين الحكومة الاتّحادية التي يقودها، والحزب الديمقراطي الكردستاني الفاعل الرئيسي في حكومة إقليم كردستان العراق.

لكنّ ما أسفرت عنه تلك الجهود من نتائج يظل بحسب متابعين للشأن العراقي إنجازا ظرفيا مهدّدا بالانتكاس والتراجع نتيجة وجود قوى سياسية ذات نفوذ في حكومة السوداني، معنية باستدامة الضغط على سلطات الإقليم، وذلك استجابة لمنظور إيران التي تواليها تلك القوى والتي ترى في قيادات الحزب الديمقراطي من أفراد أسرة بارزاني حلفاء للولايات المتّحدة وداعمين لنفوذها في العراق.

ومثّل قرار حكومة السوداني بالتعجيل في صرف رواتب موظفي إقليم كردستان دون التقيّد بالضوابط التي أقرّتها المحكمة الاتّحادية ومن ضمنها عدم إرسال المبالغ المخصصة للرواتب إلى حكومة الإقليم وتحويلها إلى مستحقيها عن طريق مجموعة من المصارف العراقية، أساسا للتهدئة بين بغداد وأربيل التي تعاملت بإيجابية مع القرار وغيرت من خطابها تجاه الحكومة الاتّحادية.

وشرعت حكومة إقليم كردستان في التسويق لحل مشكلة الرواتب كإنجاز كبير لها. وشكر رئيسها مسرور بارزاني “الوطنيين من أبناء كردستان” على صبرهم ودعمهم ومساندتهم لحكومته “في تخطي الوضع الاقتصادي العصيب”.

ضياء الشريفي: الديمقراطي الكردستاني مرر ألاعيبه السياسية على بغداد
ضياء الشريفي: الديمقراطي الكردستاني مرر ألاعيبه السياسية على بغداد

وعبّر في كلمة أدلى بها بمناسبة عيد الفطر عن أمله في “أن يدوم الاتفاق والتفاهم الذي جرى التوصل إليه مع الجهات ذات العلاقة في الحكومة الاتحادية بشأن الرواتب والحقوق المالية لإقليم كردستان، وأن ينتهي بموجبه أي خلط بين مسألة الرواتب، كونها حقا شرعيا ودستوريا للمواطنين، وبين أي مشاكل أو خلافات سياسية، لضمان حصول الموظفين على رواتبهم بشكل منتظم شهريا من خلال الجهات المعنية في حكومة الإقليم”.

كما عبّر عن الأمل في أن يكون ما تمّ التوصّل إليه مع بغداد “بداية لحل المشاكل العالقة الأخرى وكافة القضايا الخلافية المتبقية من خلال التفاهم والاحتكام إلى الدستور”.

وفي مقابل ذلك لم تغيّر أحزاب وتكتلات شيعية عراقية من خطابها تجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني وواصلت شنّ الحملة الإعلامية ضدّه موجهة الاتهام له بالتلاعب بقضية الرواتب لابتزاز السلطات الاتّحادية.

وقال عائد الهلالي عضو تحالف الفتح، الوعاء السياسي والبرلماني لميليشيات الحشد الشعبي، إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يبتعد عن مبادئ قياداته التاريخية المؤسسة له من محمود الحفيد إلى مصطفى بارزاني وإنّ عليه إعادة النظر في سياسته.

كما نقلت وسائل إعلام تابعة للحشد عن المحلل السياسي ضياء الشريفي قوله إن مقاطعة الحزب الديمقراطي للعملية الانتخابية هي وسيلة ضغط لفتح أنبوب الأموال.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد أعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقرّرة في إقليم كردستان خلال شهر يونيو القادم وذلك احتجاجا على تدخّل المحكمة الاتحادية في قانونها وفي عدد الدوائر التي ستجري فيها وفي تحديد الهيئة التي ستشرف عليها.

وينظر إلى المحكمة التي تمثّل أعلى سلطة قضائية في العراق، على نطاق واسع، باعتبارها أداة بيد الأحزاب والفصائل الشيعية القوية في العراق لمواجهة خصومها السياسيين ولاستدامة سيطرتها على دواليب الحكم في البلد.

ومن هذا المنطلق اعتبرت قراراتها الأخيرة بشأن انتخابات إقليم كردستان ورواتب موظّفيه تنفيذا لمساعي حلفاء إيران في العراق لتحجيم تجربة الحكم الذاتي في الإقليم والحدّ من السلطات التي تتمتّع بها حكومته.

قرار حكومة السوداني بالتعجيل في صرف رواتب موظفي الإقليم دون التقيّد بالضوابط التي أقرّتها المحكمة الاتّحادية مثّل أساسا للتهدئة بين بغداد وأربيل

ومن ذات الزاوية نظر قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني لتلك القرارات معتبرين أنّها تستهدف حزبهم بشكل مباشر باعتباره القائد الرئيس لسلطات الإقليم، وأعلنوا تبعا لذلك مقاطعة الانتخابات.

ويدخل ضَمانُ حسن سير انتخابات الإقليم ضمن مسؤوليات السوداني باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية في عموم العراق. وقالت مصادر سياسية إنّ إثناء قيادات أسرة بارزاني عن قرار المقاطعة كان ضمن جهود رئيس الوزراء ومن أهداف استقباله قبل أيام لرئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني.

ولم يصدر ما يشير إلى أي تقدّم في ذلك الاتّجاه ما جعل المصادر تقول إنّ ما تمّ التوصّل إليه خلال زيارة بارزاني لبغداد لا يرتقي إلى مستوى المصالحة بين حكومة السوداني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعتبر شريكا في تشكيلها باعتباره جزءا من تحالف إدارة الدولة، وأنّ نتائج الزيارة لا تتعدّى كونها مجرّد تهدئة تكتيكية سعى إليها رئيس الوزراء العراقي قُبيل زيارته منتصف الشهر الجاري إلى الولايات المتّحدة حيث يتوقّع أن تفتح إدارة الرئيس جو بايدن خلالها ملف العلاقة بين الحكومة الاتّحادية وإقليم كردستان الذي تعتبر واشنطن المساس بتجربته في الحكم الذاتي من الخطوط الحمراء المحرّم على بغداد تجاوزها.

وتتوقّع المصادر أن تعود العلاقة بين بغداد وأربيل إلى مربّع التأزيم بعد عودة السوداني من واشنطن، وربما تبلغ في الفترة القادمة درجة أشد من التوتّر عندما تقترب ولاية السوداني على رأس الحكومة من نهايتها، ويكون رئيس الوزراء حينها أشدّ حاجة إلى دعم الأحزاب والفصائل الشيعية له لاستكمال ولايته والحصول على ولاية جديدة إثر الانتخابات القادمة المقررة لسنة 2025.

وهاجم الهلالي الحزب الديمقراطي الكردستاني قائلا إن “قمع الحريات وتكميم الأفواه اللذين يمارسهما ضد أبناء شعبه يمثلان ابتعادا عن الديمقراطية وعن نهج مؤسسي الحزب”.

وتابع متحدّثا لموقع المعلومة الإخباري المقرّب من أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي “لولا سياسة الحزب المتبعة لما نشأت أحزاب معارضة أخرى فضلا عن الانشقاقات والخلافات مع شريكه حزب الاتحاد الوطني”، معتبرا أنّ “القوى الأخرى قادرة على تشكيل ثقل كبير ليصبح الديمقراطي الكردستاني في موقف الأضعف”.

وقال الشريفي من جهته إنّه “لا يمكن للحزب الديمقراطي أن ينسحب من الانتخابات، كونه أحد الأحزاب المسيطرة على الإقليم”، مشيرا إلى أنه “يحاول كسب نقاط مهمة من خلال قرار المقاطعة”.

وأضاف أنّ “علاقات الديمقراطي الخارجية تحتم عليه البقاء في السلطة وتوسيع نفوذه لا تحجيمه ليمارس دوره المطلوب منه من تلك العلاقات”، متهما الحزب بممارسة “ألاعيب سياسية على حكومة بغداد. وهو ما لم تنتبه إليه الحكومة”، وفق تعبيره.

3