تهدئة على مضض بين رئيس الوزراء العراقي وأقطاب الإطار التنسيقي

استدارة كاملة في موقف عصائب أهل الحق من التعديل الحكومي.
الاثنين 2024/09/23
استرخاء ظاهري لا يحجب التوترات الداخلية

ارتباط التهدئة بين رئيس الوزراء العراقي وأقطاب الإطار التنسيقي الساعين لإقالة حكومته بالوساطة الإيرانية يجعل تلك التهدئة ظرفية إلى أبعد حدّ، إذ أنّ المشاكل والخلافات القائمة داخل الإطار كبيرة ومعقّدة ومرشحة للتفاقم كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية وتجدّدت على هامشها صراعات الإخوة الأعداء على السلطة والنفوذ.

بغداد- تتجه علاقة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بقادة بارزين في الإطار التنسيقي الشيعي نحو تجاوز عاصفة الخلافات التي فجّرتها قضية التجسس على سياسيين وبرلمانية من قبل مسؤولين كبار من الدائرة القريبة من السوداني، والدخول على مضض في مرحلة تهدئة من شأنها أن تبعد، ولو ظرفيا، شبح السقوط عن الحكومة.

وأعادت جهود وساطة قام بها كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني خلال زيارتيهما مؤخرا إلى العراق فتح قنوات التواصل بين السوداني وقادة الإطار الغاضبين منه والذين طالب بعضهم باستقالة حكومته.

وزار رئيس الوزراء كلا من قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، وهادي العامري زعيم ميليشيا بدر اللذين اقتربا مؤخرا من موقف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون الذي بات يقود جهود إقالة الحكومة قبل استكمال ولايتها بعد أن كان الطرف الرئيسي في تشكيلها عن طريق الإطار التنسيقي الذي تعود فكرة إنشائه للمالكي نفسه.

واستند القياديون الثلاثة في غضبهم من السوداني إلى كون نواب ومسؤولين في أحزابهم وفصائلهم استهدفوا بعملية التجسس، وأصبحوا بناء على ذلك يشكلون مع قيادة الحشد الشعبي ممثلة بفالح الفياض وعبدالعزيز المحمداوي “أبو فدك” معسكرا مضادا للسوداني، في مقابل أقلية من قيادات الأطار التنسيقي مساندة له يمثّلها حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة.

ويقول مطلّعون على الشأن السياسي العراقي إنّ قضية التجسّس لم تكن سوى ذريعة للراغبين في قطع مسار صعود السوداني ومنعه من تشكيل مركز قوة منافسة لهم خصوصا إذا تمكّن من خلال الانتخابات القادمة من الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة.

قيس الخزعلي: ندعم رئيس الحكومة في أي تعديل يراه مناسبا
قيس الخزعلي: ندعم رئيس الحكومة في أي تعديل يراه مناسبا

وشاع قبل تفجّر الخلافات بين السوداني وأبرز قيادات الإطار التنسيقي تذمّر هؤلاء من تفرّد رئيس الحكومة بالقرار واتخاذه قرارات دون التشاور معهم وضد إرادتهم وتوجّهاتهم.

وقالت مصادر سياسية إنّ زيارات السوداني إلى قادة الإطار الثلاثة أفضت إلى توافق بشأن وقف التصعيد بشأن قضية التجسس وترك مهمة حسمها والفصل فيها للقضاء، وذلك بعد أن حمّل رئيس الوزراء جهات داخل جهاز المخابرات مسؤولية العملية نافيا أي صلة له بها ومتعهّدا بعدم تكرارها.

ومن جهتها نقلت وسائل إعلام محلية عن سلام الجزائري عضو المكتب السياسي لحركة صادقون المرتبطة بميليشيا الخزعلي قوله إنّ “قادة الإطار أوكلوا ملف التجسس إلى القضاء والأخير مستمر بالتحقيقات وإجراء الاستدعاءات وإلقاء القبض على المتورطين في هذا الفعل”، مضيفا في حديثه لوكالة شفق نيوز أنه “لا توجد أي مساومة أو مجاملة في هذا الموضوع لأنه خطير ويصل إلى التنصت على بيت المرجعية وعلى شخصيات وعوائل”.

وألقت السلطات الأمنية العراقية أواخر أغسطس الماضي القبض على عناصر شبكة تنصت وتزوير يقودها المقرّب من السوداني محمد جوحي وتضم موظفين وضباطا.

وعلى الفور توجّهت اتهامات قوى وشخصيات سياسية رأسا نحو رئيس الوزراء، حيث اتّهم النائب بمجلس النواب مصطفى سند المقرّب من ميليشيا كتائب حزب الله العراق أسرة السوداني بالسيطرة على جهاز المخابرات.

وأورد في تعليق له عبر حسابه في منصّة إكس أسماء ثلاثة مسؤولين كبار في الجهاز يشتركون مع رئيس الوزراء في الإسم العائلي، وهم بحسب النائب “حيدر السوداني مدير مديرية الإنصات، ويرجع إلى أحمد السوداني سكرتير رئيس الجهاز (منصب شاغر) الذي يرجع إلى عبدالكريم السوداني سكرتير القائد”.

وجاء ذلك بعد أنّ وجّه سند اتهامات لجهاز المخابرات بالوقوف وراء عملية التجسّس على النواب والمسؤولين من داخل مكتب السوداني والتي قال إنّها لم تكن لتجري إلاّ باستخدام تقنيات يملكها الجهاز وتحديدا مديرية الإنصات التي يديرها حيدر ليث السوداني.

وتوعد النائب بإقامة دعاوى بحق شخصيات من عائلة السوداني تتولى مناصب أمنية حساسة في حال تأكدت لديه الشكوك بتورطهم في قضايا التجسس والابتزاز التي طالت عددا من الشخصيات.

وانضم إلى النائب سند النائب حسين مؤنس رئيس حركة حقوق الممثلة لميليشيا كتائب حزب الله الذي اعتبر عملية التجسس على المسؤولين انتهاكا خطرا لسيادة القانون.

ووصف في تصريحات صحافية القضية بالفضيحة مطالبا بأن “يكون للبرلمان والجهات المعنية دور وصوت واضح فيها”، ومشيرا إلى أن “مجلس النواب ينتظر إجراءات القضاء وهناك نواب قدموا العديد من الشكاوى بحق المتهم محمد جوحي”. وتابع أنّه “خلال الأيام القادمة سيُعلن عن نتائج التحقيق، ولن نتهاون بأي شكل من الأشكال مع المجرمين للإفلات من العقاب”.

وجوحي المشار إليه في كلام مؤنس هو نائب المدير العام في الدائرة الإدارية لمكتب رئيس الوزراء والمتهم بقيادة شبكة للتجسس والابتزاز وانتحال صفة جهات ومؤسسات إعلامية، وقد تمّ إلقاء القبض عليه على ذمّة القضية.

وأبدت مصادر سياسية تفاؤلا حذرا بخطوات التهدئة بين السوداني وأقطاب المعسكر المضادّ له، متوقّعة أن التهدئة ظرفية نظرا لارتباطها بزيارتي بزشكيان وقاآني الأخيرة إلى بغداد.

وقالت نفس المصادر إنّ شخصيات مثل المالكي والعامري والخزعلي لم تكن لترفض طلب طهران منها التهدئة مع السوداني، دون أن يعني ذلك عدم عودتها لاحقا للضغط عليه ومنع استقرار حكومته.

أحمد الموسوي: التعديل الحكومي أصبح من دون أي قيمة حقيقية
أحمد الموسوي: التعديل الحكومي أصبح من دون أي قيمة حقيقية

وتولي القيادة الإيرانية في الوقت الحالي أهمية لاستقرار الحكومة العراقية لتوظيفها في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الولايات المتّحدة.

وتلقت حكومة السوداني دفعة دعم قوية من خلال زيارة الرئيس بزشكيان مؤخرا إلى العراق حيث كانت له لقاءات ومباحثات مع أبرز قادة الإطار التنسيقي قالت مصادر سياسية إنّه تم التطرّق خلالها إلى الخلافات بين بعض هؤلاء القادة ورئيس الوزراء، وإن الرئيس الإيراني حثّهم على التهدئة وخفض الضغوط على السوداني.

ومع ذلك احتاجت الحكومة لسلطة قائد فيلق القدس على الميليشيات الشيعية للجمها وتخفيف ضغوطها، ومن هنا أهمية زيارة قاآني للعراق إثر زيارة بزشكيان.

وقال رسول راضي القيادي في ائتلاف دولة القانون إنّ قائد فيلق القدس “عقد لقاءات خاصة وفردية مع بعض الأطراف السياسية داخل الإطار التنسيقي وكذلك مع بعض الفصائل المسلحة التي هي خارج سيطرة الحكومة العراقية، وحثهم على التهدئة السياسية والعسكرية خلال هذه الفترة الحساسة التي يشهدها العراق وعموم المنطقة”.

وبدا تأثير الزيارة واضحا على خطاب بعض قادة الفصائل تجاه الحكومة، حيث ذكّر قيس الخزعلي بأنّ حكومة السوداني هي حكومة الإطار التنسيقي، مثنيا على طريقة معالجتها لعدد من الملفات والقضايا.

وقال في كلمة له بمناسبة المؤتمر الثاني لحركة “الصادقون” الممثل السياسي لميليشيا العصائب إنّ “الحكومة هي حكومة الإطار التنسيقي بالدرجة الأساس.. وإنّ رئيس الوزراء هو من قادة الإطار وجزء فعال من قراراته، لذا فإن نجاح الحكومة يصل إلى الإطار والخلل والتقصير كذلك، ويتحمل الإطار المسؤولية إذا لم يعالج الخلل أو التقصير. وباعتبارنا جزءا من الإطار، فإن واجبنا دعم كل الخطوات الصحيحة وكذلك الوقوف أمام أي قرار أو خطوة نراها غير صحيحة”.

كما شكر الخزعلي “الجهد الحكومي في مجال الخدمات وكذلك موقف رئيس مجلس الوزراء الوطني في موضوع خروج قوات التحالف الدولي”، وأثنى على “الموقف الوطني والإسلامي والإنساني للعراق الذي عكسه رئيس مجلس الوزراء في دعم القضية الفلسطينية”.

وتمثّلت أكبر استدارة في خطاب ميليشيا الخزعلي من السوداني في الموقف من التعديل الوزاري الذي أشار إليه رئيس الوزراء قبل أيام، حيث سبق لممثلين عن العصائب أن قللوا من شأن ذلك التعديل.

وقال النائب عن كتلة الصادقون أحمد الموسوي قبل أيام إن التعديلات الوزارية التي يعتزم رئيس الحكومة محمد السوداني إجراءها لا قيمة لها.

وذكر في تصريحات صحافية أن “التعديل الوزاري كان مجرد رد فعل من رئيس الوزراء على الانتقادات التي تعرض لها من قبل القوى السياسية”، وكانت من المفترض أن “تتم في وقت مبكر لتحسين أداء الحكومة وتلبية متطلبات المرحلة”، إذ أن “بعض الوزراء كانوا يستحقون التغيير منذ فترة طويلة”.

ووصف التعديلات المرتقبة بـ”الفارغة ولا تحمل أي قيمة حقيقية في الوقت الحالي”. لكن الخزعلي نسف هذا الموقف الصادر عن عضو في كتلته من أساسه قائلا إنه “يدعم رئيس الوزراء في إجراء التعديل الوزاري الذي يراه مناسبا”.

 

اقرأ أيضا:

         • لأكثر من 10 أشهر: المصالح تبقي منصب رئيس البرلمان العراقي شاغرا

3