تهجير الصحافيين يحكم على الإعلام اليمني بالموت البطيء

نتيجة الكم الهائل من التحديات المتمثلة في اعتداءات الحوثيين والوضع الاقتصادي قرر بعض الصحافيين الرحيل عن اليمن من أجل محاولة تغطية أخباره من الخارج.
الخميس 2021/07/01
العمل الصحافي في اليمن مغامرة قد تودي بالحياة

اضطر الكثير من الصحافيين اليمنيين إلى الخروج من منطقة إلى أخرى نتيجة استهدافهم من مختلف أطراف الصراع، فالمنفى أصبح الخيار الوحيد القابل للحياة بالنسبة إليهم، لكن هذا الخيار لا يتأتى من دون أن يجلب معه تحديات خاصة انعكس أثرها على الإعلام اليمني.

صنعاء- وثّق الصحافيون اليمنيون المسار الدراماتيكي الذي اتخذته الأحداث في بلدهم على امتداد العقد الماضي، وخضوع أجزاء مختلفة من البلاد لسيطرة جماعات مختلفة تحاول كل منها توسيع رقعة نفوذها، لكنهم وسط هذا الصراع مستهدفون من قبل كافة الأطراف.

ويشكل شهر مارس 2018 نقطة مريرة في مسيرة صحيفة “أخبار اليوم” اليمنية المستقلة. فبعد ثلاثة أسابيع من إشعال النيران في مكاتبها بعدن على يد مجموعة من الأشخاص المجهولين، اختُطف سبعة من موظفيها لمدة شهر، وقد أجبرت تلك الاعتداءات الصحيفة على الانتقال إلى مدينة مأرب.

وبعد مضي ثلاث سنوات على تلك الأحداث، أصبحت الضائقة المالية هي أكبر هذه الصحيفة، وفقا لما ذكره سيف الحيدري، رئيس مؤسسة الشموع، المنظمة الأم للصحيفة، بحسب تقرير نشرته لجنة حماية الصحافيين من إعداد الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جستن شيلاد. ولا تستطيع الصحيفة بيع عدد كاف من الاشتراكات يبقيها واقفة على قدميها.

ويقول الحيدري إن الحوثيين استولوا على مكتب الصحيفة في صنعاء غربي البلاد عام 2014. وأضاف أن كثيرا من الصحافيين العاملين فيها تركوا العمل بالمهنة كليا. وتابع “يمكنك أن تصف العمل كصحافي في اليمن بأنه مغامرة. وقد تكون حياة المرء هي الثمن” لخوضها.

وقد اعتدى الحوثيون على الصحافيين في المناطق الخاضعة لهم واعتقلوهم وهددوهم وقتلوا العديد منهم بقذائف الهاون ونيران الصواريخ.

وحكم الحوثيون على أربعة صحافيين بالإعدام واحتجزوهم لنحو ست سنوات في ظروف مزرية. وعمدت الحكومة اليمنية أيضا إلى مضايقة الصحافيين واعتقالهم. واحتجز المجلس الانتقالي الجنوبي صحافيين لمدة أشهر في بعض الأحيان. وفي حضرموت شرقي اليمن، تقوم السلطات المحلية بقمع الصحافة من خلال الاعتقالات والمطالبات الصريحة بفرض الرقابة.

وقد بعثت لجنة حماية الصحافيين برسالة بالبريد الإلكتروني إلى محمد عبدالسلام المتحدث الرسمي باسم أنصار الله إلا أنها لم تستلم أي رد.

وذكر عبدالباسط القايدي المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية بأن انتهاكات حرية الصحافة وقعت في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة ولكنه لم يقر بأن الحكومة هي من ارتكب تلك الانتهاكات.

وأكد المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح أن الصحافيين ووسائل الإعلام يعملون بحرية في عدن نافيا التقارير التي تحدثت عن قيام المجلس باعتقال صحافيين وتهديدهم، مضيفا بأن تلك التقارير ليست سوى جزء من “حملة سياسية واسعة” تستهدف المجلس.

الحوثيون اعتدوا على الصحافيين في المناطق الخاضعة لهم واعتقلوهم وهددوهم وقتلوا العديد منهم
الحوثيون اعتدوا على الصحافيين في المناطق الخاضعة لهم واعتقلوهم وهددوهم وقتلوا العديد منهم

وذكر صحافيون في اليمن أنه عدا عن الهجمات التي تستحوذ على العناوين الرئيسية للصحف، هناك الوضع الاقتصادي والإنساني المتدهور الذي يجعل الجانب اللوجيستي اليومي للتغطية وتسجيل القصص أمرا عسيرا، كما أن تحقيق المعادلة الاقتصادية البسيطة لكسب القوت كصحافي أو البقاء على قيد الحياة كمؤسسة إعلامية هو أشبه بالمستحيل.

ويقول الصحافيون الذين قُيض لهم أن يجدوا قدرا يسيرا من الاستقرار، بعد إكراههم على الخروج من منطقة إلى أخرى على يد القوات المتحاربة، إنهم لم يعودوا قادرين على فعل أي شيء أكثر مما فعلوه حيال صراعهم من أجل البقاء في بلد تعصف به الأزمات المالية والإنسانية. فالمنفى أصبح الخيار الوحيد القابل للحياة بالنسبة إلى كثير من الصحافيين، لكن هذا الخيار لا يتأتى من دون أن يجلب معه جملة تحديات خاصة به.

ولكن لا يزال لدى بعض الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام اليمنية الموجودة في الخارج، يعملون على الأرض، ويتعين عليهم سلوك الطرق المغلقة والتنقل بين جبهات القتال وغير ذلك من أجل تغطية الأخبار.

وهناك تحديات مرتبطة بالصعوبات المحيطة بتنفيذ العمل الميداني في اليمن، من قبيل الصعوبات في تحريك الطواقم في الميدان، وإرسال المواد والتقارير، وأحيانا صعوبات ناشئة عن انقطاع التيار الكهربائي في اليمن.

ونتيجة لهذا الكم الهائل من التحديات، اتخذ بعض الصحافيين ونشطاء حرية الصحافة القرار الصعب المتمثل في الرحيل عن اليمن من أجل محاولة تغطية أخباره من الخارج. ومن ضمن هؤلاء نبيل الأسيدي الذي ساعد في إدارة نقابة الصحافيين اليمنيين من البلد الذي استقر به، سويسرا.

وقال الأسيدي، الذي كان يعيش قبلها في صنعاء، إن اجتماعاته اليومية بالصحافيين والمثقفين والسياسيين لفتت انتباه الحوثيين عقب اجتياحهم للمدينة. وقال إنه أوقف تلك الاجتماعات تحت ضغوط الحوثيين، ولكن التهديدات استمرت.

ويعتقد الأسيدي أن علاقته بالنقابة المرتبطة بالحكومة اليمنية، وأن عمله السابق مع وزارة الإعلام السعودية ومنصبه السابق كمدير لمكتب صحيفة عكاظ باليمن كلها جعلت منه هدفا للحوثيين.

وجاءت قوة من الحوثيين إلى منزله في 23 أبريل 2015، ويعتقد الأسيدي أنها جاءت بنية قتله، لكنه لم يكن متواجدا في البيت حيث هرب إثر تحذير صديق له بأن المسلحين اختطفوا زميلا له وأنهم في طريقهم إلى منزله. “استطعت الإفلات من قبضتهم قبل وصول المسلحين إلى بيتي بنصف ساعة فقط”.

وأضاف أنه أمضى الشهور العديدة التي أعقبت ذلك متنقلا من مدينة يمنية إلى أخرى قبل هربه إلى السعودية في أكتوبر 2015، ثم إلى سويسرا لاحقا.

الوضع الاقتصادي والإنساني المتدهور يجعل الجانب اللوجيستي اليومي للتغطية وتسجيل القصص أمرا عسيرا

وشكلت إسطنبول أيضا ملاذا للصحافيين اليمنيين في المنفى. ومن هؤلاء يوسف عجلان، الذي اعتقل من قبل الحوثيين وأبلغ لجنة حماية الصحافيين عن تعرضه لتعذيب وحشي على أيديهم لمدة تزيد عن السنة.

وذكر يوسف أنه يقيم الآن في إسطنبول ويعمل مع قناة شباب اليمن الخاصة بعد مغادرته البلاد عام 2018. وأضاف أن “هناك ثلاث قنوات يمنية بالتحديد تعمل من إسطنبول وتوفر العمل لكثير من الصحافيين والعاملين في الإعلام”.

ومن المفارقة أن تبرز تركيا كفضاء يوفر حرية وسلامة نسبيين للصحافيين اليمنيين. فقد واظب هذا البلد على احتلال مكانته في قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين في السنوات الأخيرة، حسب دراسات لجنة حماية الصحافيين. كما أن هجمات السلطات التركية تطال الصحافيين خارج البلاد.

ولا يزال الصحافيون الأجانب في تركيا يواجهون خطر الاستهداف بالقتل، فيما تقوم السلطات التركية أحيانا بتوجيه القنوات بشأن تعديل تغطيتها بحسب العلاقات مع القوى الإقليمية كما حدث هذه السنة مع القنوات المصرية التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، وفقا لما ذكرته وكالة أسوشيتد برس.

18