تهاوي السندات المصرية: الإخفاق في اجتذاب المستثمرين نذير خطر

القاهرة- جربت الحكومة المصرية الكثير من الأدوات لجذب المستثمرين والمهتمين الأجانب، غير أن حصيلة التفاعل مع خطواتها لا تزال متعثرة ولا تتناسب مع حجم الإغراءات والحوافز المقدمة، وهو ما يعد نذير خطر على الاقتصاد المصري الذي يواجه أزمات معقدة زادت نتيجة تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.
وهوت مبيعات سندات الخزانة المصرية الصادرة لأجل ثلاث سنوات إلى 1.09 مليون جنيه مصري (نحو 35,4 مليون دولار) بعد أن امتنعت الحكومة عن زيادة العائد الذي طالب به المستثمرون القلقون من احتمال انخفاض قيمة العملة قريبا.
وتلقى البنك المركزي المصري 26 طلبا قيمتها 5.77 مليار جنيه (الدولار = 31 جنيها) بمتوسط عائد محتمل نسبته 24.15 في المئة في مزاد أجري الاثنين، لكنه لم يقبل إلا واحدا فقط بعائد 21.7 في المئة.
ولم يتغير العائد المقبول عن عرض مماثل في 21 مارس الماضي حين بيعت سندات قيمتها 5.06 مليار جنيه، على الرغم من زيادة سعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة 200 نقطة أساس إلى 18.75 في المئة الخميس الماضي.
ويقول محللون إن المستثمرين توقفوا عن شراء السندات لأنهم يتوقعون أن تبدأ عوائد سندات الخزانة قريبا في الارتفاع لتتماشى مع الزيادة في أسعار الفائدة لليلة واحدة.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة للمساعدة في الحد من التضخم المتصاعد الذي قفز إلى حوالي 31.9 في المئة في فبراير الماضي.
وأكد المحلل الاقتصادي أحمد سمير لـ”العرب” أن البنك المركزي يضع في الحسبان حدا أدنى وأقصى للعائد من السندات وأذون الخزانة، وفقًا للمبالغ التي يحتاج إليها، فإذا كانت ثمة حاجة ماسة إلى السيولة يرفع العائد بشكل كبير، أما إذا كانت الاحتياجات إلى الأموال محدودة يقبل العطاءات ذات العائد غير المرتفع كثيرًا.
ولأجل جذب المستثمرين لشراء السندات الحكومية ينبغي رفع سعر الفائدة، وهو أمر مرتقب حدوثه بعد رفع سعر الفائدة على الإيداع والإقراض بالبنوك، أو خفض جديد للعملة المحلية، بحيث يكسر المستثمر مدة سندات سابقة والدخول في أخرى والاستفادة من الفارق الكبير بين سعر الجنيه والدولار.
وكشف سمير لـ”العرب” عن تقدم نحو 26 طلبًا في آخر عطاء ولم يتم قبولها جميعًا لأن العائد عليها جاء خارج الحدود التي وضعها البنك المركزي بشأن سعر الفائدة، والذي يُدرك متطلبات البلاد وحاجتها إلى السيولة ولولا ذلك لقبل كل العطاءات المقدمة.
30.9
جنيه مصري للدولار، بينما يتراوح سعره في السوق السوداء أو الموازية بين 36 و37 جنيها
وكشفت النشرة الشهرية للبنك المركزي عن ارتفاع استثمارات الأجانب في سندات وأذون الخزانة بنهاية يناير الماضي لتصل إلى نحو 315.2 مليار جنيه، تعادل 10.4 مليار دولار، مقابل نحو 199.2 مليار جنيه وتعادل 8.04 مليار دولار بنهاية ديسمبر السابق له، بزيادة 2.3 مليار دولار ونمو 35.6 في المئة بالعملة الأجنبية.
وتعاني مصر من أزمة عملة دفعت الجنيه لفقدان أكثر من 50 في المئة من قيمته، ولجأت على إثرها لتنفيذ برنامج إصلاح هيكلي مدته 46 شهرًا مع صندوق النقد الدولي، في خطوة عززت ثقة الأسواق الدولية، لكن مؤخرًا عادت الضغوط على السيولة الأجنبية من جديد، ما دفع الحكومة لتسريع خطط الخصخصة.
ولم يتغير السعر الرسمي للجنيه إلا قليلا في الأسابيع الماضية وتوقف عند 30.9 للدولار، بينما يتراوح سعره في السوق السوداء أو الموازية بين 36 و37 جنيها.
وقال خبير السياسات الاقتصادية محي الدين عبدالسلام لـ”العرب” إن تراجع بيع السندات يرجع إلى زيادة معدلات الفائدة التي يقدمها البنك الفيدرالي الأميركي، ما يؤدي إلى هروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة مثل مصر فتتراجع طلبات المستثمرين الذين يرغبون في أن تكون زيادة الفائدة على السندات المصرية بنسبة 28 في المئة.
ويجد هذا الأمر صعوبة كبيرة في التنفيذ من جانب البنك المركزي المصري الذي يخشى من تأثيرات ذلك على مساعي القاهرة حيال عملية جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويرى البنك المركزي أنه قدم كل ما في وسعه للمستثمرين الساعين لشراء سندات الخزانة، وإقدامه على زيادة معدلات فائدتها أسوة بقرارات لجنة السياسة النقدية الأخيرة برفع معدلات الفائدة على الودائع البنكية 200 نقطة أساس سوف يقود إلى حالة من الركود، في وقت تسعى فيه الحكومة لزيادة معدل الإنتاج المحلي وتقليل الفجوة بين الاستيراد والتصدير مستفيدة من تراجع قيمة الجنيه مع تزايد احتمال انخفاضه.
وأشار عبدالسلام لـ”العرب” إلى أن السياسات الاقتصادية تعوّل بشكل أكبر على تحسين بيئة الاستثمار وإنجاح خطط الطروحات لتخفيف الضغط عن الجنيه، وتتوسع في إجراءات تمكين القطاع الخاص في مشروعات الصناعة والزراعة دون أن تستسلم لطلبات زيادة فائدة عوائد سندات الخزانة التي قد تكون قابلة لأن تتزايد معدلاتها بشكل مستمر كلما ارتفعت قيمة الفائدة لدى البنك الفيدرالي الأميركي.
وأذون الخزانة هي نوع من أنواع السندات الحكومية، وهي وثيقة إثبات للدين وضمان لحقوق الدائن، تصدرها الحكومة لجمع الأموال من أجل دعم الإنفاق الحكومي وسداد الالتزامات، وهي ديون قصيرة الأجل لا يزيد أجل استحقاقها على عام واحد.
ويبيع البنك المركزي المصري أذون خزانة نيابة عن وزارة المالية ويتم تداولها بين البنوك والمؤسسات المالية، والتي تعدّ اللاعب الرئيسي في سوق أدوات الدين.
وتعتمد القاهرة على السيولة المالية التي توفرها أدوات الدين لتدبير احتياجاتها الإنفاقية العاجلة، وتقدر الفجوة بين الإيرادات والمصروفات بنحو 558 مليار جنيه في موازنة العام المالي الجاري 2022 – 2023.
وأعلنت الحكومة أنها ستواجه العجز الكلي المتوقع في موازنة هذا العام من خلال إصدار أذون وسندات بقيمة تتجاوز 1.5 تريليون جنيه، علاوة على قروض من مصادر خارجية قيمتها 12.6 مليار جنيه.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن الدول التي تواجه عجزا مزمنا في الموازنة وتضطر إلى عرض فائدة مرتفعة على ديونها تدخل في دائرة مفرغة، حيث ستتزايد عليها الأعباء المالية، ويدفعها ذلك إلى اقتراض المزيد من الأموال لسداد الالتزامات، وهو ما ينطبق على الحالة المصرية، والتي يمكن أن تدخل مرحلة الخطر لاحقا.