تنظيم سوق العمل أولوية عراقية ملحة لتحسين بيئة الأعمال

مساع لمواجهة البطالة المرتفعة وتطويق ظاهرة العمالة الوافدة غير الرسمية.
الخميس 2025/05/08
الدولة تُبنى بسواعد أبنائها

تفرض خطط تنمية الاقتصاد العراقي من بوابة المشاريع الاستثمارية الحكومية والخاصة على المسؤولين النظر بعمق إلى تنظيم سوق العمل باعتباره أولوية ملحة لتحسين بيئة الأعمال، بما يخدم أهداف تقليص نسب البطالة وتطويق العمالة الوافدة التي تعمل بطرق غير قانونية.

بغداد - كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية أن الحكومة تدرس إدخال تعديلات في نظام العمل لتتماشى مع حجم المشاريع الاستثمارية الجارية والقادمة والحراك الاقتصادي المستهدف خلال الفترة المقبلة، إضافةً إلى ضبط العمالة الأجنبية غير المسجلة.

وتسعى الحكومة إلى تحسين بيئة الأعمال بهدف جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتنمية القطاعات غير النفطية، ما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

وتبرز حاجة العراق بشكل ملح إلى مساعدة القطاع الخاص في عملية تمويل التنمية لتحقيق أهدافها في مواجهة التحديات المحلية والصدمات الخارجية، لاسيما مع تواتر المشكلات التي تنغص على المسؤولين تنفيذ الإصلاحات الموعودة.

ويكافح البلد الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة بحثا عن حلول تساعد في تحفيز أصحاب الأعمال على ضخ أموالهم في مشاريع تسهم في تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر وتدفع عجلة التنمية.

أحمدي الأسدي: حجم المشاريع الاستثمارية يتطلب نظام عمل محكم
أحمدي الأسدي: حجم المشاريع الاستثمارية يتطلب نظام عمل محكم

في المقابل ينطوي حال سوق العمل على مفارقة تتمثّل في كون البلد الذي يعاني ارتفاعا في نسبة البطالة في صفوف شبابه، يغصّ بأعداد متزايدة من الأيدي العاملة الهامشية الوافدة إليه بطرق غير نظامية.

وفي بلد تشكل فيه إيرادات النفط أكثر من 90 في المئة، وفي ظل النمو الديموغرافي المتسارع، تشكل البطالة صداعا للمسؤولين، وهي من بين الأعلى عربيا.

ويستوعب العراق مئات الآلاف من الأجانب غالبيتهم من سوريا ومصر وباكستان وبنغلادش دون تصاريح، وفقا لتقديرات رسمية نشرتها وكالة الأنباء العراقية قبل فترة. أمّا العمال الأجانب الذي يحملون تصاريح رسمية، فيُقدّر عددهم بما يزيد عن أربعين ألفا.

وتنشط العمالة الوافدة بشكل رسمي بمجالات مختلفة كالطب والهندسة والإنشاءات والأعمال الحرة المتمثلة في تربية الدواجن على سبيل المثال، وشركات محلية ومؤسسات للرعاية الصحية

ولذلك تسعى السلطات حيث يسود استقرار نسبي بعد عقود من الفوضى أثّرت على الاقتصاد وحياة العراقيين بشكل صارخ، إلى تنظيم توافد العمال الأجانب.

وأفاد وزير العمل أحمدي الأسدي خلال مقابلة مع بلومبيرغ الشرق أن حجم المشاريع الاستثمارية البالغ قيمتها حاليا 90 مليار دولار ومشاريع أخرى تهدف الحكومة لإطلاقها تتطلب قانون عمل يلبي الحجم الكبير للعمالة المطلوبة، وينظم عمل الأجانب.

وتطرّق في حديثه إلى السفارات والقنصليات الخارجية ووزارة الداخلية إلى وزارة النفط والتأشيرات الممنوحة عند الوصول في المطارات المحلية. وقال إن “صعوبة حصر للعمالة الأجنبية تأتي من تعدد الجهات المانحة لتأشيرات الدخول.”

وأضاف أن “جميعها لا تأخذ موافقة مسبقة من وزارة العمل كما أن هناك تهرباً كبيراً من تسجيل العمال في دائرة التقاعد والضمان.”

وأكد الوزير العراقي أنه “لا تتوفر بيانات دقيقة عن عدد العمالة الأجنبية داخل البلاد، لكن الاستطلاعات التقريبية تشير إلى أن هناك نحو 800 ألف عامل أجنبي في العراق، منهم 100 ألف فقط مسجلون في دائرة الضمان.”

العراق يستوعب مئات الآلاف من الأجانب غالبيتهم من سوريا ومصر وباكستان وبنغلادش دون تصاريح

وتُظهر إحصائيات دولية وجود أكثر من ستة ملايين عراقي عاطلين عن العمل. ومع تدفق العمالة الأجنبية يتوقّع أن يتزايد العدد بشكل سريع مع ارتفاع الفاتورة المالية المترتّبة على ذلك.

وتقول لجنة العمل في البرلمان إن أكثر من 4 مليارات دولار تدفع سنويا للعمال الأجانب بالعملة الصعبة ويتم تسريبها إلى الخارج.

وخلصت نتائج أول مسح لتعداد سكان البلاد منذ 1987 نشرت أواخر العام الماضي أن العراق يضم 45 مليون نسمة نصفهم تقريبا من النساء وثلثهم تقلّ أعمارهم عن 15 عاما.

ويعد نظام العمل المعمول به حاليا خطوة إستراتيجية تهدف إلى تحديث الإطار القانوني والذي ينظم العلاقات بين أصحاب العمل والعمال ويضمن بيئة عمل عادلة ومستدامة، وخاصة بالنسبة إلى العراقيين الذين يعانون منذ سنوات من سوء إدارة السلطة لهذا الملف.

ويضمن قانون العمل العراقي 2025 مجموعة من التعديلات الجوهرية التي تهدف إلى تحديث التشريعات العمالية ومواكبة التطوّرات الاقتصادية والاجتماعية.

ومن بين أبرز هذه التعديلات تعزيز حقوق العاملين وتوفير حماية قانونية أقوى، مع التركيز على تفعيل آليات الرقابة والمتابعة لضمان تطبيق الأحكام بشكل عادل ومنصف.

800

ألف وافد يعملون في السوق المحلية، منهم 100 ألف فقط مسجلون في دائرة الضمان الاجتماعي

وأعلن الأسدي أن الوزارة تخطط للتعاقد مع شركة خاصة لإطلاق حملات تفتيش مفاجئة على القطاعات المختلفة لضبط العمالة غير المنظمة.

ومع بداية العام الجاري، ألزم صندوق الضمان الصحي جميع الوافدين والمقيمين الأجانب بالحصول على وثيقة التأمين الوطنية من الشركات المسجلة لدى ديوان التأمين والمتعاقدة مع هيئة الضمان الصحي.

وأكد وزير العمل أن “الحصول على التأمين للوافدين أحد أبرز الشروط للحصول على الفيزا العراقية،” حسبما أوردت وكالة الأنباء العراقية.

وتعهد الأسدي بتطبيق قانون العمل الساري الذي يتضمن تشغيل عمالة محلية في القطاع الخاص مكافئة لعدد العمال الأجانب، خاصةً أن العمالة الأجنبية تفاقم أيضاً من مشكلة توفر العملة الصعبة حيث يقوم العمال بتحويلها إلى أسرهم في الخارج.

ونوّه أن رأسمال صندوق الإقراض ارتفع من 262 مليار دينار (مليارا دولار) إلى 1.2 تريليون دينار (8 مليارات دولار)، ما ساهم في توفير بيئة مشجعة على إطلاق المشاريع الخاصة، والتي تساهم في توفير فرص عمل.

وانخفض معدل البطالة من 16.5 في المئة بنهاية 2022 إلى 13.5 في المئة العام الماضي وفق الأسدي الذي اعتبرها نسبة انخفاض جيدة، ووعد باستمرار العمل لتوليد فرص عمل وتقليل البطالة بنسبة أكبر.

وبما أن تنظيم سوق العمل أحد الركائز الأساسية لإصلاح الاقتصاد لتعزيز بيئة الأعمال، حيث يُسهم في تحسين الإنتاجية، تقليل البطالة، وزيادة جاذبية السوق للاستثمار المحلي والدولي، فقد أعلنت بغداد مطلع 2025 برنامجا لضبط القطاع.

وأطلقت وزارة التخطيط مشروعا لإنشاء مرصد سوق العمل بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يهدف إلى توفير بيانات دقيقة وشاملة حول القوى العاملة واحتياجات المهارات وخصائص سوق العمل، ما يُسهم في رسم سياسات اقتصادية وتنموية فعّالة.

11