تنظيم القاعدة يستغل الأزمة بين الانتقالي والإخوان لخلط الأوراق في جنوب اليمن

حمل الهجوم العنيف الذي شنه مسلحون من تنظيم القاعدة على قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين، رسائل متعددة موجهة أساسا إلى مجلس القيادة الرئاسي بشأن خطورة الاقتراب من مراكز نفوذه في الجنوب.
عدن - يسعى تنظيم القاعدة إلى استغلال انشغال السلطة الشرعية في اليمن بالصراعات الجارية بين مكوناتها، لخلط الأوراق في سياق الدفاع عن مواطن وجوده في المحافظات الجنوبية ولاسيما في محافظة أبين التي تشكل مركز ثقل له في اليمن.
ولا يخفي التنظيم الجهادي قلقه من التحولات التي يشهدها اليمن، منذ تسلم مجلس القيادة الرئاسي لمهامه في أبريل الماضي، وازدادت هواجسه مع التطورات الميدانية في شبوة وأبين، حينما بسطت قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس الماضي سيطرتها على أنحاء واسعة من المحافظتين.
ويقول مراقبون إن الهجوم الذي شنته عناصر من القاعدة على موقع أمني للقوات الموالية للحكومة اليمنية الثلاثاء، والذي يعد الأعنف، يعكس أن الأخير انتقل إلى مرحلة جديدة في الدفاع عن مواطن وجوده في جنوب البلاد، وسط ترجيحات بأن يكثف التنظيم خلال الفترة المقبلة من هجماته الخاطفة على الألوية الجنوبية.
ويوضح المراقبون أن التنظيم أراد من الهجوم الدموي الذي شنه توجيه رسالة تحذيرية إلى القوات الجنوبية من مغبة الاحتكاك بـ”عش الدبابير”، لكن المرجح أن هذا الهجوم سيقود إلى نتائج عكسية، حيث من المتوقع أن تكثف تلك القوات من حملاتها لاستئصال التنظيم في الجنوب.
نحو عشرين من قوات الحزام الأمني لقوا حتفهم في هجوم شنه مسلحون من القاعدة بمحافظة أبين، قبل مقتل المهاجمين الثمانية
وأعلن متحدث عسكري باسم المجلس الانتقالي الجنوبي أن نحو عشرين من قوات الحزام الأمني لقوا حتفهم في هجوم شنه مسلحون من القاعدة بمحافظة أبين، قبل مقتل المهاجمين الثمانية.
وقال المتحدث محمد النقيب إن المسلحين استخدموا قذائف صاروخية وأسلحة خفيفة ومتوسطة ومركبات عسكرية لمهاجمة نقطة تفتيش أمنية في مديرية أحور بالمحافظة.
وذكر مصدر أمني أن من بين القتلى قائد الكتيبة الأولى باللواء الأول لمكافحة الإرهاب، ياسر أبوشايع. وقال المصدر إنه تم نشر المزيد من القوات في أرجاء المديرية عقب الهجوم الذي اندلعت على إثره اشتباكات عنيفة بمختلف الأسلحة بين الجانبين.
وكانت قوات “الحزام الأمني”، التي تدربها الإمارات العربية المتحدة العضو في التحالف العربي الداعم للشرعية والذي تقوده المملكة العربية السعودية، قد أعلنت في وقت سابق أنّ هجوم تنظيم القاعدة وقع “في إطار حملة عسكرية ضخمة أطلقتها القوات الجنوبية قبل أيام لمكافحة الإرهاب الذي انتشر في مناطق أبين ومديرياتها”.
وذكرت في بيان أنّ “قوات الحزام تمكّنت من أسر عدد من عناصر التنظيم”.
والسبت الماضي، بث تنظيم القاعدة رسالة مسجّلة يناشد فيها موظف في الأمم المتحدة مختطف في اليمن منذ أكثر من ستة أشهر تلبية مطالب الجماعة لإنقاذ حياته، دون أن يعلن تفاصيل عن المطالب التي تقدم بها التنظيم.
ويشير المراقبون إلى أن الهجوم الأخير يعكس مدى الخطورة التي يمثلها التنظيم، على جهود مجلس القيادة الرئاسي لضبط الأوضاع الأمنية في المناطق الجنوبية.
وقوات “الحزام الأمني” التي استهدفها التنظيم تتمركز في ثلاث محافظات جنوبية هي عدن ولحج وأبين. واضطلعت هذه القوات بدور مهم في طرد عناصر القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
الهجوم الأخير يعكس مدى الخطورة التي يمثلها التنظيم، على جهود مجلس القيادة الرئاسي لضبط الأوضاع الأمنية في المناطق الجنوبية
وانضوت هذه القوات لاحقا تحت سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس في عام 2017، ويبقى عدد المنضوين في إطار وحدات “الحزام الأمني” غير معروف، ولكن تقدر مصادر محلية أعدادهم بعشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين والمدربين.
ولا يزال لتنظيم القاعدة وجود قوي في شبه الجزيرة العربية على الرغم من الحملة المكثفة التي يشنها منذ عشر سنوات كل من الجيش الأميركي والتحالف العربي، مستغلا في ذلك حالة الفوضى التي تعيشها البلاد والتعاطف القبلي ووجود مساحات شاسعة خالية في جنوب اليمن.
ويقول المراقبون إن تنظيم القاعدة استفاد أيضا من طريقة تعاطي سلطة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي خلال السنوات الماضية، حيث لم تسع هذه السلطة إلى تحجيمه، وقد غضت الطرف عن نشاطاته وتحركات عناصره في الجنوب.
ويوضح المراقبون أن التغيير الذي جرى على مستوى السلطة في أبريل والذي جاء نتاج مفاوضات يمنية – يمنية جرت برعاية مجلس التعاون الخليجي، أفقد التنظيم الشعور بالأمان، وهو ما برز في ردود فعله على تشكيل المجلس الرئاسي.
ويلفت هؤلاء إلى أن التنظيم وجد في الأزمة المتصاعدة هذه الأيام بين المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مكون أساسي في مجلس القيادي وحزب تجمع الوطني للإصلاح، الذي يشكل الواجهة السياسية لجماعة الإخوان، فرصة لتوجيه ضربات للألوية الجنوبية التي تسعى إلى فرض سيطرتها الكاملة على الجنوب.
ولطالما كانت العلاقة متوترة بين المجلس الانتقالي وحزب الإصلاح الذي كان يسيطر على السلطة خلال السنوات الماضية، لكن هذا التوتر برز بشكل أكبر على إثر خطوات اتخذها مجلس القيادة ورأى فيها حزب الإصلاح محاولة لقصقصة نفوذه سواء فيما يتعلق بالتغييرات الوزارية والقضائية التي تمت، أو في العمليات العسكرية التي جرت في شبوة وأبين والتي انتهت بتقهقر قوات موالية للحزب الإخواني.
وفي محاولة للرد على تلك الخطوات، أطلق حزب الإصلاح مؤخرا حملة تشكك في شرعية مجلس القيادة الرئاسي وفي رئيسه رشاد العليمي، وذهب الحزب الإخواني حد محاولة إعادة إنتاج نظام الرئيس هادي.
ولقيت حملة الإصلاح انتقادات دولية، وشدد سفراء دول الاتحاد الأوروبي، على أهمية وحدة مجلس القيادة الرئاسي والإصلاحات.
تنظيم القاعدة انتقل إلى مرحلة جديدة في الدفاع عن مواطن وجوده في جنوب البلاد، وسط ترجيحات بأن يكثف التنظيم خلال الفترة المقبلة من هجماته الخاطفة على الألوية الجنوبية
جاء ذلك في بيان صادر عن بعثة الاتحاد في اليمن، بعد مباحثات أجرتها مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي في العاصمة السعودية الرياض.
ونقل البيان أن “السفراء أكدوا على الدعم القوي للاتحاد الأوروبي للرئيس العليمي”. ودعوا “الأطراف اليمنية إلى العمل مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بشكل بنّاء، لتوسيع وتمديد الهدنة وتحويلها إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة”.
ويخشى المجتمع الدولي من أن تقود الخلافات بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح إلى إضعاف مجلس القيادة، الأمر الذي يعيق مسار السلام بين السلطة الشرعية والمتمردين الحوثيين.
وفي وقتٍ سابق الاثنين، استقبل العليمي في الرياض رئيس البعثة الأوروبية غابرييل مونويرا فينيالس وسفراء وممثلين عن 17 دولة أوروبية.
وذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “سبأ”، أن العليمي بحث مع البعثة الأوروبية مستجدات الأوضاع اليمنية وجهود إحلال السلام، وجدّد تمسك حكومته بخيار السلام العادل والشامل وفق المرجعيات الثلاث.
ويُقصد بالمرجعيات الثلاث، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني.
ووضع العليمي السفراء الأوروبيين أمام مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، بما في ذلك “الإصلاحات المؤسسية والخدمية التي يقودها المجلس والحكومة بدعم من الأشقّاء في السعودية والإمارات”.
ومنذ أكثر من سبع سنوات يشهد اليمن حربا مستمرة أحد طرفيها القوات الموالية للحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية.
وتقاتل هذه القوات مسلحي جماعة الحوثي المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات من بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر 2014.
وحتى نهاية 2021، أودت الحرب بحياة 377 ألف يمني وكبدت الاقتصاد خسائر بنحو 126 مليار دولار، وبات معظم السكان يعتمدون على المساعدات في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.