تنشيط الأحزاب المصرية.. خطوة للإصلاح أم تنفيس للاحتقان

إعادة النظر في تهميش الأحزاب تتوقف على نوايا الحكومة في قضايا الحريات.
الأربعاء 2022/03/23
انفتاح أم مراوغة؟

تنظر دوائر سياسية مصرية إلى “الانفتاح” الحكومي على الأحزاب السياسية المعارضة على أنه خطوة حقيقة للإصلاح يفرضها تبدل المزاج العام في البلاد، إلا أن دوائر أخرى ترى في الخطوة مجرد وسيلة لامتصاص الاحتقان سرعان ما تتلاشى بمجرد بلوغ هدفها.

القاهرة - بدأت الأحزاب المصرية التي أصابها الركود الفترة الماضية تشهد نشاطا سياسيا غير معتاد، وبدت نتيجة انتخابات حزب الوفد الليبرالي مؤخرا مؤشرا على احتمال حدوث تغيرات في المشهد العام، برضاء الحكومة أو لا، وإيجاد مساحة للتنفيس تتناسب مع حالة التململ في بعض الأوساط المجتمعية.

وتلقّف متابعون ما جرى في انتخابات رئاسة حزب الوفد وسقوط وكيل أول مجلس الشيوخ، وإخفاق مرشح الحكومة في انتخابات نقابة المهندسين، على أنه بداية لتغيير سياسي محتمل في مصر.

وتعزز الاستنتاج مع إرسال دوائر حكومية أخيرا إشارات إلى أحزاب عدة، تفيد بأن المستقبل يحمل نوعا من الانفتاح السياسي وممارسة أدوارها بقدر كبير من الحرية.

طلعت خليل: لمسنا لهجة مختلفة لم تكن حاضرة السنوات الماضية

وعقد المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) الأحد، جلسة حوار مع عدد من ممثلي الأحزاب من توجهات سياسية مختلفة، واستمع إلى رؤى قياداتها بشأن التعامل مع جملة من القضايا السياسية والحقوقية، وقدم الأعضاء جملة من التطمينات حول التعامل الإيجابي مع المعوقات التي تعترض عمل الأحزاب في الشارع.

وأكدت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان السفيرة مشيرة خطاب، أن هناك هدفا أساسيا يتفق عليه الجميع يتمثل في “إنقاذ حقوق الإنسان في مصر وعلينا أن نؤمن بالتعددية واحترام الرأي والرأي الآخر، كضمان للاستقرار والتنمية، ونؤمن بضرورة أن يكون لكل حزب المساحة الكافية لتنفيذ برامجه من خلال تواجده مع الجماهير”.

ودعت خطاب خلال الجلسة التي نظمتها لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس، وعُقدت لأول مرة منذ سنوات، الأحزاب السياسية إلى التواصل المستمر ووجود آلية للتشاور والخروج بتوصيات تستهدف مواجهة التحديات التي تواجه الأحزاب، وأن “ما جرى مؤخرا من انتخابات في حزب الوفد ونقابة المهندسين يؤكد أن مصر تتغير للأفضل والحراك الديمقراطي قائم”.

وعبر اجتماع المجلس القومي لحقوق الإنسان عن وجود إدراك حكومي بأهمية مجاراة التطورات على مستوى المجتمع المدني، وإعادة النظر في رؤى سابقة عولت على تحييد الأحزاب والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية وإبعادها عن التفاعل مع قضايا اجتماعية وسياسية بذريعة الاستقرار الداخلي، وأثبتت الأيام أن هذا التوجه لم يجد نفعا مع تزايد الاحتقان بسبب الأوضاع الاقتصادية وزيادة أسعار السلع والخدمات.

وتعد خطوة المجلس ترجمة مباشرة لتلميحات متكررة حول انفراجة سياسية يمكن حدوثها، لكنها لم تنعكس على أرض الواقع، وظهرت الحكومة مترددة في تدشينها.

ويبدو أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المرتبكة حاليا قد تجعل هناك حاجة ملحة للاعتماد على كيانات حزبية رسمية لتهدئة الشارع، لأنها في النهاية تشكل جزءا من النظام السياسي العام، باستثناء عدد قليل من الأحزاب التي لها تحفظات عليه.

وأكد القيادي بحزب المحافظين (معارض) طلعت خليل، وهو أحد ممثلي الأحزاب ممن حضروا الاجتماع الأخير، أنه لمس لهجة مختلفة من جانب مجلس حقوق الإنسان لم تكن حاضرة السنوات الماضية، وأضحى الحديث عن تفعيل دور الأحزاب أمرا مقبولا مع تقديم المزيد من الوعود لإحداث انفراجة على مستوى ممارسة العمل الحزبي بحرية دون التضييق على كوادر القوى السياسية.

ناجي الشهابي: المزاج العام فرض رفع الوصاية عن الأحزاب السياسية

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن قيادات الأحزاب استشعروا جدية في الاستجابة لمطالبهم على مستوى الإفراج عن المعتقلين احتياطيا، والتوسع في قرارات الإفراج عن المحسوبين في القضايا المرتبطة بالتعبير عن الرأي، ووعود بتسليط إعلامي على أدوار الأحزاب والرؤى التي تتقدم بها لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

وأوضح خليل أن الأحزاب طالبت بإدخال تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية وإلغاء القوائم المغلقة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، إجراء انتخابات المحليات، وأن تحظى الخطوات باهتمام رئيس الجمهورية، بما يسهم في تخفيف حدة الاحتقان الحالي ونزعه من خلال إتاحة حرية العمل السياسي.

وقالت مصادر حضرت جلسة الأحزاب مع مجلس حقوق الإنسان لـ”العرب” إن نقاشا مستفيضا حدث حول إعادة تقييم أدوار ما يسمى بـ”أحزاب الموالاة” التي تدور في فلك الحكومة ولم تستطع تحقيق إنجازات ملموسة، وكانت سببا في المزيد من فقدان ثقة المواطنين في الأحزاب عموما.

وكشفت المصادر ذاتها أن الاجتماع تطرق إلى فتح الفضاء العام أمام قوى وشخصيات سياسية للتعبير عن آرائها كنوع من التنفيس الذي يمكن أن يسهم في تقليل الاحتقان.

وسعت دوائر حكومية عديدة إلى قياس قدرة الأحزاب لسد الفراغ على الساحة السياسية، ما يشي برغبة أن يركن الإصلاح على تفعيل أدوار الأحزاب المدنية.

غير أن النتائج التي توصلت إليها لم تنسجم مع الحسابات السياسية، بسبب غياب كوادر شعبية في الشارع بعد تفريغه تماما من الشخصيات التي تملك رؤى معارضة لتوجهات الحكومة، ولذلك فالاستعانة بالأحزاب قد لا يحقق المرجو منه.وتشكل خطوة حزب الوفد بعد انتخاب رئيسه الجديد عبدالسند يمامة لاستعادة الأعضاء المفصولين لتطوير عمل الحزب وتحريره من الهيمنة الحكومية، مقدمة إيجابية يمكن أن تسير عليها أحزاب أخرى ترى ضرورة في الاحتفاظ بمسافة بعيدا عن الحكومة.

وحمل أول اجتماع للهيئة العليا لحزب الوفد الأحد، إشارة إلى أن الخلافات الداخلية سوف تختفي الفترة المقبلة، والأولوية ستكون لكيفية تصحيح أوضاع الحزب وإعادة تموضعه على الساحة بعد أن ارتمى في أحضان الحكومة السنوات الماضية.

ولفت رئيس حزب الجيل (معارض) ناجي الشهابي إلى أن حراك المجلس القومي يعود إلى الهزة التي أحدثتها انتخابات حزب الوفد ونقابة المهندسين، حيث برهنتا على أن المواطنين ضاقوا ذرعا بسياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، وليس كل ما تقرره يمكن أن ينفذ على الأرض، ويفرض عليها المزاج العام أن ترفع وصايتها السياسية عن قيادات الأحزاب والكوادر النقابية.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن اجتماع المجلس القومي مع الأحزاب كان من المفترض أن يكون مع الحكومة مباشرة للتباحث معها حول الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع حالة الأوضاع الداخلية وخطواتها نحو إتاحة حرية الحركة للأحزاب في الشارع.

ويقلل مراقبون من إمكانية حدوث تغيير كبير على مستوى أداء الأحزاب ، وأن الاجتماع يشير إلى أن المجلس القومي يحاول القيام بأدواره في إطار المسموح به، ولفت الأنظار إليه بعد إعادة تشكيله مؤخرا، لأنه لم يقدم المأمول منه.

ويشير المراقبون إلى أن المحك الرئيسي لاختبار نوايا الحكومة يكمن في توسيع هامش الحرية في وسائل الإعلام والممارسة السياسية، ومهما حاولت جهات قريبة منها امتصاص الغضب بطريقتها التقليدية لن تتمكن من الاستفادة من نشاط الأحزاب.

2