تنسيقية "تقدم" تتفكك استعدادا لمرحلة سياسية جديدة بالسودان

أزاح قرار حل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية تقدم عبئا ثقيلا عن قوى كانت تتهم من قبل الجيش بالموالاة لقوات الدعم السريع، ووسع القرار أمامها مجال الحركة السياسية.
الخرطوم - أثار إعلان تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) عن حل نفسها، جدلا سياسيا واسعا، حيث تقرر انقسامها إلى فريقين، أحدهما يدعم تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش، والآخر يشدد على عدم الانحياز لأي من طرفي الصراع في السودان.
وألقت تنسيقية “تقدم” بحجر كبير في المياه السياسية بالسودان مع تراجع حضور القوى المدنية التي عمل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وخلفه الحركة الإسلامية، على تكريس وضعها في خانة المؤيدة سياسيا لقائد قوت الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وعقدت تنسيقية “تقدم” اجتماعاً برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك لمناقشة فكرة إقامة حكومة موازية، وأجاز الاجتماع التقرير الذي أعدته الآلية السياسية، وخلص إلى وجود موقفين متباينين حول هذه القضية.
وتوصل الاجتماع في النهاية إلى فك الارتباط بين أصحاب الموقفين، ليعمل كل طرف منهما تحت منصة منفصلة سياسياً وتنظيمياً، ولكل منهما لافتة جديدة ومختلفة، وسيعمل كل طرف بما يراه مناسباً ومتوافقاً مع رؤيته حول الحرب وسبل وقفها وتحقيق السلام الشامل، وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي المستدام.
ومن المتوقع أن تعلن كل مجموعة أمام الرأي العام ترتيباتها السياسية والتنظيمية والاسم الجديد الذي سوف تعمل به بصورة منفصلة الفترة المقبلة.
وتعبر الخطوة عن انزواء التكتل المدني الواسع الذي مارس ضغوطا لوقف الحرب، وتعزيز قناعات شعبية ذهبت إلى استحالة توحيد القوى المدنية، لكن يمكن أن تحمل الخطوة مكاسب سياسية للقوى الرافضة للحكومة الموازية التي تشكل جزءا كبيرا من القوى التي انضوت تحت لافتة “تقدم”، حيث تتحلل من ضغوط ألقيت عليها دائما من قبل الجيش، وأنها تسير في ركب قوات الدعم السريع، والآن أمامها مساحة من الحركة يمكن بمقتضاها إعادة تشكيل صورتها وحضورها السياسي.
وقد تكسب القوى المدنية التي شكلت عصب قوى الحرية والتغيير وعلى رأس السلطة المدنية قبل الانقلاب عليها في أكتوبر 2021، قطاعات شعبية ترفض تواجد العسكريين في الحكم السلطة مستقبلا، وتقوض ارتياح تنظيمات إسلامية وقوى سياسية محسوبة على الجيش ممثلة في “الكتلة الديمقراطية”، حيث تزاحمها حال الحديث عن خارطة طريق يسعى الجيش للحصول على دعم خارجي لتمريرها.
وبالتالي لن يكون هناك مبرر لإقصاء قوى مدنية عن المشهد السياسي، حيث تمثل طيفا واسعا في السودان، وتضم لجان المقاومة وتجمع المهنيين، وهما من المكونات التي حافظت على حضور قوي منذ إزاحة نظام الرئيس عمر البشير، ولعبت دورا مهما في مقاومة الانقلاب على السلطة وصولا لمشاركتها في الاتفاق الإطاري قبل اندلاع الحرب.
ومن هنا يشير الانقسام داخل “تقدم” إلى وجود فرصة لتحويله لخطوة تكتيكية تستفيد منها الأحزاب المدنية شريطة قدرتها أن تكون فاعلة في التطورات السياسية المقبلة. وطالب قائد الجيش السوداني خلاله خطابه الأخير تنسيقية “تقدم” بالتبرؤ من الدعم السريع، مشددا على عدم عودة حزب المؤتمر الوطني المنحل إلى السلطة.
وبعث بكري الجاك المتحدث باسم “تقدم” بإشارات إيجابية، فسرت على أنها رغبة في أن تصبح القوى المدنية جزء من الحراك السياسي المقبل، حيث ثمن خطاب البرهان بشأن الدعوة إلى مصالحة وطنية، ورآه معبرا لتراجعه عن الحل العسكري الشامل، وقائلا: “وهو ما ظللنا ندعو له.”
قال عضو “تقدم” والأمين العام للحزب الوطني الاتحادي محمد الهادي محمود إن وقف الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي من الأهداف المتفق عليها داخل التنسيقية، ولا خلاف عليها بين جميع الأجسام، غير أن بعض المكونات كسرت هذا الاتفاق بالاتجاه نحو تشكيل حكومة موازية، بما يتعارض مع المؤتمر التأسيسي الذي أوصى بتشكيل جبهة عريضة تعبر عن الثورة وأهدافها وتعمل على وقف الحرب ثم تنتقل لعقد مؤتمر موسع سمته التنسيقية “المائدة المستديرة” للتباحث حول خارطة الطري التي يمكن السير عليها عقب وقف الحرب.
وأضاف الهادي محمود في تصريح لـ”العرب” أن القصف الذي تعرضت له قيادات في “تقدم” من الحركات المسلحة المنضوية داخل التنسيقية بجانب مشكلات تغيير العملة وحظر إصدار الجوازات للسياسيين دفع نحو اتخاذ مواقف متشددة لتشكيل حكومة موازية لتوفر الحماية للمدنيين وتدير شؤونهم، لكن ذلك لم يحظ بتوافق باعتبار أن الخطوة تمهد لتقسيم السودان، بينما الهدف الرئيس هو الحفاظ على وحدة البلاد، وتم الاتفاق على فك الارتباط بهدوء.
وأشار إلى أن الخطوة المقبلة تشمل تحديد الأجسام الرافضة للحكومة الموازية وهي أغلب القوى المنضوية في “تقدم” والبحث عن تشكيل جبهة مدنية عريضة ثم الاشتباك مع التطورات السياسية، لأن السودان مقبل على مرحلة تقترب فيها الحرب من النهاية مع مساعي ظهرت لإحلال السلام في منطقة البحر الأحمر.
واعترضت غالبية مكونات “تقدم” على تشكيل حكومة موازية، أبرزها حزب الأمة القومي، والتحالف الوطني السوداني، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث القومي، والمؤتمر السوداني، والحزب القومي، والوطني الاتحادي الموحد، وتيار الوسط للتغيير، وحزب التواصل، والحزب الناصري، وحركة حق، والوطني الاتحادي، ولجان المقاومة، والمهنيين والنقابات، والمجتمع المدني، والفئات النوعية، وعبد الله حمدوك، والتيار الثوري الديمقراطي، والجبهة الشعبية المتحدة.
وأبرز الداعين لتشكيل حكومة، أعضاء مجلس السيادة السابقين، وهم: الهادي إدريس، والطاهر حجر، ويقودان حركتين مسلحتين موقعتين على اتفاق جوبا للسلام، ومحمد حسن التعايشي، علاوة على رئيس حركة العدل والمساواة (المنشقة) سليمان صندل.
وأكد المحلل السياسي السوداني عبدالمنعم أبوإدريس أن ما حدث داخل “تقدم” نتاج الحرب في السودان بعد أن قسمت المجتمع إثنيا ومناطقيا وأن المجموعة التي اختارت تشكيل حكومة موازية من مكونات مجتمعات دارفور، وستكون منحازة بالكامل لأحد طرفي الحرب، ورؤيتها أن المدنيين في مناطق الدعم السريع محرمون من الخدمات وإصدار الأوراق الثبوتية، وقد لا يجدون من يتضامن معهم.
وأوضح أبوإدريس في تصريح لـ”العرب” أن من رفضوا تكوين الحكومة وقرروا فك الارتباط سوف ترفع عن كاهلهم حمولة الاتهامات بموالاة الدعم السريع، ويمكن أن يفتح الباب لتقارب بينهم وبين الجيش، ويتوقف تأثير ذلك على ما سيفعلونه الأيام المقبلة.
وذكر أن المشترك بين القوى المدنية المعارضة لتشكيل الحكومة الموازية وأخرى تدعم الجيش هو أن كل طرف تتوقف مكاسبه على قدرته على إجراء حوار مع القوى السودانية كافة، ويظل الخلاف حول آلية الحوار وصياغته وهوية المشاركين فيه.