تنامي النزعة الحمائية للتجارة يكبل تعافي الاقتصاد العالمي

يجمع الخبراء على أن ثمة مزيجا من المخاطر المتزايدة التي تكبل تعافي الاقتصاد العالمي خلال المرحلة المقبلة، من خلال تجدد الحمائية التجارية التي تعرقل النمو، ناهيك عن التوترات الجيوسياسية ومشاكل الديون المتفاقمة لدول العالم نتيجة تراكم الأزمات.
باريس - يواجه الاقتصاد العالمي مفترق طرق صعبا يتراوح من التوترات التجارية إلى الحروب ومشاكل الديون التي قد تهدد مرونته الملحوظة في السنوات الماضية والتي بدأت تظهر في أعقاب وباء كوفيد.
وقبل أسابيع فقط من تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في يناير المقبل، أشاد نادي الاقتصادات الغنية ومقره باريس بتجربة العالم الأخيرة في النمو المستقر وتراجع التضخم، في حين حذر من أن هناك مخاطر ملحوظة تتربص في الأفق.
وذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أحدث توقعاتها أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 3.2 في المئة هذا العام و3.3 في المئة العامين المقبلين حيث يساعد التضخم المنخفض ونمو الوظائف وخفض الفائدة في تعويض التشديد المالي في بعض الدول.
وكانت أحدث توقعاتها متوافقة إلى حد كبير مع آخر مراجعة لها يرجع تاريخها إلى سبتمبر عندما توقعت نموا بنسبة 3.2 في المئة هذا العام والعام المقبل ولم تكن لديها حينها توقعات لعام 2026.
وترى المنظمة أن التجارة العالمية بعد تعثرها العام الماضي بدأت تنتعش ومن المقرر أن يصل نمو الأحجام إلى 3.6 في المئة العام المقبل رغم العدد المتزايد من التدابير لتقييد تدفق الواردات.
وهذا التقييم هو الأول من قبل مؤسسة اقتصادية دولية كبرى توضح بالتفصيل آفاق النمو العالمي منذ فوز ترامب في انتخابات الخامس من نوفمبر على منصة تشمل تعهداتها بزيادة الحواجز مع الشركاء التجاريين الرئيسيين.
وكتب كبير خبراء الاقتصاد في المنظمة ألفارو بيريرا في تقرير نشر الأربعاء، أن “الأداء العام القوي يخفي اختلافات كبيرة عبر المناطق والبلدان، وتحيط به مخاطر سلبية وعدم يقين مهمة”.
وأضاف “هناك مخاطر متزايدة تتعلق بتصاعد التوترات التجارية والحمائية، والتصعيد المحتمل للصراعات الجيوسياسية، والسياسات المالية الصعبة في بعض البلدان”.
وفي ظل وضع قاتم تتوخى الشركات وصناعة الشحن الحذر مع زيادة الظروف غير المواتية عالميا، خاصة وأنه لا مفر من مواصلة جهود الدول في حلحلة القضايا التي يمكن أن تعيق نمو المبادلات وأنشطة المناطق الحرة، بما في ذلك مسارات الشرق الأوسط.
وفي أكتوبر دعت نجوزي إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية التي أعيد انتخابها مؤخرا على رأس هذا الهيكل، العالم إلى ضرورة اليقظة بشأن التطورات التي يشهدها والتي قد تؤثر بشكل غير مباشر على تكاليف الطاقة العالمية وطرق الشحن.
وتوقعت أن تسجل التجارة العالمية للسلع زيادة بنسبة 2.7 في المئة هذا العام بارتفاع طفيف عن التقدير السابق لها والبالغ 2.6 في المئة، ما يشير إلى أنها في طريقها إلى التعافي التدريجي رغم المخاطر السلبية المستمرة.
ورجحت منظمة التجارة استنادا إلى خبرائها أن يزيد حجم التجارة العالمية للسلع بنسبة 3 في المئة خلال عام 2025، وحذرت من أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة وعدم اليقين المتزايد بشأن السياسة الاقتصادية لا يزالان يشكلان مخاطر سلبية كبيرة.
2.7
في المئة نمو التجارة العالمية هذا العام على أن تصل إلى 3 في المئة خلال 2025
ورغم التأثير المحتمل للرئيس الأميركي المستقبلي على الشؤون العالمية، فإن المنظمة لا تذكره مرة واحدة بالاسم طوال 267 صفحة من تقريرها، وتقتصر تعليقاتها على مخاطر التداعيات المترتبة على التعريفات الجمركية المحتملة.
وحذر بيريرا من أن “ارتفاع التوترات التجارية والمزيد من التحركات نحو الحماية قد يعطلان سلاسل التوريد، ويرفعان أسعار المستهلك، ويؤثران سلبا على النمو.”
وتابع “وبالمثل، فإن تصعيد التوترات والصراعات الجيوسياسية يهددان بتعطيل أسواق التجارة والطاقة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة.”
وتستمر هذه الملاحظات في تسليط الضوء على كيف أن القرارات التي يتخذها الساسة ومحافظو البنوك المركزية قد تكون ذات عواقب وخيمة بشكل خاص في الوقت الحاضر.
ويرى بيريرا أن السياسة لها دور رئيسي تلعبه في المرحلة الحالية لإدارة المخاطر وإطلاق العنان لآفاق النمو الأقوى والأكثر مرونة والمستدام وهذا يتطلب عملا متضافرا بشأن السياسات النقدية والمالية والبنيوية.
وفي حين أن وصفة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للبنوك المركزية في العالم المتقدم هي الاستمرار في التيسير، فإن مسؤوليها يوصون أيضا بوتيرة “حذرة” لتجنب تعطيل توقعات التضخم أو الأسواق المالية.
من المرجح أن يتباطأ النمو في الولايات المتحدة من 2.8 في المئة هذا العام إلى 2.4 في المئة العام المقبل
وفي الوقت نفسه، تعتقد المنظمة أن الحكومات يجب أن “تنتهز هذه اللحظة المناسبة” لإصلاح المالية العامة المتدهورة.
وتتوقع أن تستمر جميع الدول الأعضاء الأكثر مديونية في مجموعة السبع، وهي إيطاليا واليابان، في زيادة الاقتراض كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنسبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ككل، ستصل هذه النسبة إلى 117 في المئة بحلول نهاية عام 2026، بزيادة تسع نقاط مئوية عن ما قبل الوباء، وفقا للتوقعات.
ويؤكد خبراء المنظمة أن اتفاق الميزانية الحكومية الذي يقلل من حالة عدم اليقين السياسي قد يطمئن الأسواق بسرعة. وإذا لم يتم اعتماد الميزانية فإن حالة عدم اليقين السياسي ستؤثر على التعافي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن التضخم والنمو الاقتصادي الأضعف من المتوقع قد يؤديان إلى خفض عائدات الضرائب.
ونظرا لأن سوق العمل المتباطئة تتسبب في تباطؤ إنفاق المستهلك، فمن المرجح أن يتباطأ النمو في الولايات المتحدة من 2.8 في المئة هذا العام إلى 2.4 في المئة العام المقبل و2.1 في المئة خلال العام التالي، وهو ما يزال أسرع من بقية دول مجموعة السبع.
وفي الوقت نفسه، في منطقة اليورو، من المتوقع أن يستفيد الاستثمار من تخفيف البنك المركزي للسياسات النقدية، كما أن أسواق العمل المتشددة ستدعم الإنفاق الاستهلاكي، مما يدفع النمو إلى الارتفاع من 0.8 في المئة هذا العام إلى 1.3 في المئة عام 2025.
وفي الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من المتوقع أن يتباطأ النمو من 4.9 في المئة هذا العام إلى 4.7 في المئة في عام 2025 و4.4 في المئة خلال 2026 رغم التيسير النقدي والمالي، حيث يظل إنفاق المستهلكين بطيئا.