تنامي النزعة الحمائية للتجارة يقوض نشاط الموانئ حول العالم

انخفاض أسعار الشحن يضعف موقف الشركات مع بدء التفاوض على العقود.
الأربعاء 2025/03/05
لا شيء واضحا في الأفق

تؤكد حالة التشاؤم بشأن احتمال تأثر حركة الشحن البحري جراء تنامي النزعة الحمائية للتجارة، والتي تغذيها الرسوم الجمركية الأميركية على العجز في حل المشاكل بين الدول وخاصة القوى العظمى، ما سيلقى بظلال قاتمة على نشاط الموانئ حول العالم.

لندن - تبحر صناعة الشحن البحري، التي تتعامل مع 80 في المئة من التجارة العالمية في مسار من عدم اليقين، مما سيؤثر على أحجام المناولة في الموانئ، التي ستتأثر بموجة جديدة من الرسوم الجمركية الأميركية وارتداداتها التي يتوقع خبراء أنها ستكون كارثية.

ويشكل قطاع الموانئ من الولايات المتحدة إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا مرتكزا أساسيا بين الدول، وهو لم يكن أبدا في منأى عن الأزمات العالمية، ولكن يبدو أنه سيكون في مرمى حرب قاسية هذه المرة مع تأجيج الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتوترات التجارية.

وتتزايد المخاوف من إمكانية تأثير تعطل عمليات شحن البضائع على سلاسل التوريد العالمية بسبب السياسة التي يتبعها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، مع المنافسين التاريخيين، وكذلك الجيران والحلفاء.

بوركهارد ليمبر: القيود ستؤثر على الموانئ التي تتميز بحركة شحن كبيرة
بوركهارد ليمبر: القيود ستؤثر على الموانئ التي تتميز بحركة شحن كبيرة

ودخلت الرسوم الجمركية الأميركية على كندا والمكسيك حيز التنفيذ الثلاثاء بعد تأجيلها لمدة شهر، ما وضع الأسواق العالمية على حافة الهاوية وأدى إلى ردود فعل انتقامية مكلفة من جانب حلفاء الولايات المتحدة في أميركا الشمالية.

وستخضع الواردات من البلدين لضريبة بنسبة 25 في المئة مع فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على منتجات الطاقة الكندية.

وبينما تضاعفت الرسوم البالغة 10 في المئة على الواردات الصينية في فبراير إلى 20 في المئة، ردت بكين الثلاثاء، بفرض رسوم تصل إلى 15 في المئة على مجموعة واسعة من الصادرات الزراعية الأميركية. كما وسعت قائمة الشركات الخاضعة للقيود إلى 20.

ويؤثر تحول أكبر مستورد في العالم بعيدا عن التجارة الحرة على سلاسل التوريد العالمية، حيث تدير تكاليف أعلى بسبب تغير المناخ وتوجيه السفن بعيدا عن قناة السويس لتجنب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وارتفعت واردات الحاويات الأميركية من كل شيء من الألعاب البلاستيكية إلى أجزاء الآلات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المشتريات المبكرة لتجنب التعريفات الجمركية.

لكن خبراء التجارة يحذرون من أن التراجع محتمل بمجرد بدء تطبيق ضرائب التوريد الجديدة، ورد الدول المستهدفة، وتحمل المتسوقين المنهكين من التضخم وطأة زيادات التكاليف المرتبطة بالتعريفات، ما قد يضغط على الطلب على الشحن والأسعار.

واعتبر الخبير الألماني في الشحن البحري بوركهارد ليمبر أن القيود التجارية بين الولايات المتحدة وبقية العالم، أثرت بشكل رئيسي على شركات الشحن العالمية.

وقال ليمبر، الذي يرأس معهد اقتصاد النقل البحري والخدمات اللوجستية في بريمن، لوكالة الأنباء الألمانية إنه “إذا خضعت منتجات الاتحاد الأوروبي بالفعل للرسوم، فإن هذا سيؤثر على الأقل على الموانئ التي تتميز بحركة شحن كبيرة إلى الولايات المتحدة.”

رولف هابن جانسن: العالم أصبح غير قابل للتنبؤ للغاية وهذا ليس جيدا للنمو
رولف هابن جانسن: العالم أصبح غير قابل للتنبؤ للغاية وهذا ليس جيدا للنمو

وأوضح أن تلك الموانئ قد تشهد انخفاضا في معدلات النمو أو خسائر في أحجام التداول، ولم يستبعد أن تتأثر الموانئ في أكبر اقتصاد أوروبي من هذه الحرب التجارية.

ومع ذلك، أشار إلى أنه من الصعب تحديد مدى الأضرار مسبقا، مؤكدا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان من الممكن أن يحل الإنتاج المحلي محل الواردات، وما إذا كان الطلب سينخفض بسبب ارتفاع الأسعار.

ويرتبط ميناء بريمرهافن بحركة شحن قوية بالولايات المتحدة، كما هو الحال مع مينائي هامبورغ وفيلهلمسهافن.

ووفق إحصائيات شركة بريمنبورتس المشغلة لموانئ بريمن وبريمرهافن، كانت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكثر أهمية لموانئ الشركة في حركة الحاويات، بحصة بلغت حوالي 17 في المئة عام 2023.

وفي هامبورغ بلغت حصة الولايات المتحدة في نشاط حركة الحاويات نحو 8.8 في المئة في عام 2024، وذلك بحسب أرقام شركة هامبورغ هافن ماركتينج. ولم تتوفر أيّ بيانات عن فيلهلمسهافن.

والمشكلة في ألمانيا ليست الوحيدة، فأغلب الموانئ النشطة ستكون في دائرة الضوء، وخاصة تلك المنتشرة في شرق آسيا والشرق الأوسط، ما يجعل القطاع يقيم مدى الأضرار الممكنة في حال تقلصت التجارة العالمية نتيجة سياسات ترامب المثيرة للجدل.

وهذه هي الخلفية التي ستكون لمؤتمر الشحن البحري وسلسلة التوريد أس آند بي غلوبال تي.بي.أم هذا الأسبوع في لونج بيتش بكاليفورنيا، وهو حدث سنوي يمثل بداية موسم التفاوض على عقود الشحن البحري بالحاويات.

وتشمل قائمة الحضور هذا العام شركات ثقيلة الوزن في هذه الصناعة مثل شركات نقل الحاويات أم.أس.سي وميرسك وهاباغ – لويد، ومتعاملين بارزين مثل سلسلة والمارات، وشركات لوجستية كبرى بما في ذلك دي.أس.في ودي.أتش.أل.

405

موانئ عالمية مصنفة قد تتأثر من حيث النشاط ومناولة الحاويات واستقبال سفن الشحن

وستواجه هذه الشركات التأثيرات المتتالية للحمائية المتزايدة، والتي قد تقلل من التجارة الدولية مع إضعاف الموقف التفاوضي لأصحاب سفن الحاويات الضخمة الذين حققوا أرباحًا قوية وكانوا لسنوات اليد العليا في التسعير.

وقبل الاجتماعات، قال الرئيس التنفيذي لشركة هاباغ – لويد رولف هابن جانسن للصحفيين “أصبح العالم غير قابل للتنبؤ للغاية.”

وأضاف إن “فرض تعريفات جمركية أعلى ورسوم إضافية ليس جيدًا للاقتصاد العالمي”، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن يضغط على نمو الصناعة والمستهلكين الذين يدعمونها.

وكان سعر مؤشر دروري العالمي للحاويات الفورية للحاوية بطول 40 قدما 2629 دولارا اعتبارا من الخميس الماضي، وهو أقل بنسبة 75 في المئة من ذروة الوباء البالغة 10.37 ألف دولار في سبتمبر 2021 وأدنى مستوى منذ مايو 2024.

ويضع المؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات الذي يصدره البنك الدولي تصنيفات سنوية لقرابة 405 موانئ عالمية حسب الكفاءة مع التركيز على مدة بقاء سفن الحاويات في الميناء.

وقال محللو جيفريز في مذكرة حديثة “أصبح المشهد الجيوسياسي بالطبع أكثر تعقيدا ما قد يؤدي إلى تقلبات جامحة في أسعار الشحن في أيّ اتجاه، لكن حالتنا الأساسية هي الاعتدال طوال عام 2025.”

وفي خطوة أخرى أثارت ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم، اقترح الممثل التجاري للولايات المتحدة في 21 فبراير رسوما باهظة على السفن صينية الصنع التي تدخل الموانئ الأميركية بموجب خطة مدعومة من النقابات لتحفيز بناء السفن في الولايات المتحدة.

وبموجب الاقتراح، فإن السفن المملوكة لشركات النقل البحري الصينية، بما في ذلك شركة كوسكو المملوكة للدولة ستدفع رسوم دخول الميناء تصل إلى مليون دولار لكل سفينة. وقد تصل الرسوم على شركات أخرى تستخدم سفنًا صينية الصنع إلى 1.5 مليون دولار.

وقد يستفيد من هذا التغيير مشغلو السفن في تايوان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، يحذّر الخبراء من أنه سيكون له تأثير كبير على شركات نقل الحاويات وقد يترجم إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية من الألعاب والملابس إلى الغذاء والوقود.

وقال خبير شحن الحاويات لارس جينسن على موقع لينكدإن إن “العبء الاقتصادي على المصدرين والمستوردين الأميركيين سيكون هائلا”. وأكد أن الإجراءات الأميركية على مدى الأسابيع الأربعة الماضية غير مسبوقة من حيث النطاق والحجم.

10