تنامي الطلب يغذي زخم نشاط صناعة العسل في الأردن

تربية النحل أمام فرصة للازدهار وتضع البلد على مشارف الاكتفاء الذاتي.
الاثنين 2023/07/10
ثروة غذائية لا تقدر بثمن

تسود حالة من التفاؤل بين مربي النحل في الأردن مع ازدهار أعمالهم التي تشهد ثورة واسعة في ظل الطلب المتنامي على العسل، والذي ظهر بشكل غير مسبوق في أعقاب الأزمة الصحية، الأمر الذي يجعل البلد على مشارف تحقيق الاكتفاء الذاتي.

إربد (الأردن) - تحقق أنواع العسل الأردنية، المصنوعة من مصادر مختلفة من النباتات والأزهار، نجاحا كبيرا، خصوصا بعد جائحة كوفيد التي أعطت دفعا قويا للآلاف من مربي النحل المحليين لتلبية الطلب المتزايد.

ويقول معتصم حماد المتقاعد من الأمن العام والذي تحولت تربية النحل لديه قبل 12 عاما من هواية إلى مصدر رزق، لوكالة فرانس برس إن “فترة كورونا بالذات كانت إيجابية جدا”.

محمد ربابعة: ما بعد الوباء كان من الفترات التي شهدت تسويقا جيدا للعسل
محمد ربابعة: ما بعد الوباء كان من الفترات التي شهدت تسويقا جيدا للعسل

ويوضح النحال الذي ارتدى لباسا واقيا أبيض خلال تفقده مشروعه الذي يضم نحو 80 خلية إنتاج في منطقة هام غرب محافظة إربد، على بعد نحو 90 كيلومترا شمالي العاصمة عمّان، أن “الناس أصبحوا يعرفون قيمته بشكل أكبر”.

وأوضح أن المستهلكين باتوا يتجهون إلى العسل البلدي المضمون، ولذلك “أصبحت هناك زيادة مطردة” في الطلب.

ويصل إنتاج حماد إلى نحو 400 كيلوغرام من العسل سنويا، بينما ينتج كذلك ما بين 30 و40 خلية نحل للبيع.

وارتفع الطلب على العسل خصوصا لغناه بمضادات الأكسدة ومزاياه الصحية، إذ تُنسب إليه القدرة على رفع المناعة ومساعدة الجسم على محاربة أعراض العدوى التي تسببها البكتيريا أو الفطريات أو الفايروسات.

ويقول رئيس نقابة النحّالين الأردنيين محمد ربابعة لوكالة فرانس برس، إن “الطلب زاد بشكل واضح على العسل المحلي” إثر الجائحة، مؤكدا أنها “واحدة من الفترات التي شهدت تسويقا جيدا للعسل”.

ويشير إلى “التركيز على العسل والعكبر”، وهو “من أقوى المضادات الحيوية” و”يقضي على البكتيريا والميكروبات والفايروسات”.

ويؤكد أن “الذين جربوا منتجات النحل كان هناك فرق كبير جدا في وضعهم الصحي مقارنة بالأشخاص الذين لم يستهلكوا العسل أو العكبر خلال فترة كورونا”.

وتظهر بعض التقديرات أن الأردن ينتج حوالي 19 نوعا مختلفا من العسل، بينها السدر، والحمضيات، والكينا، والقيقب الذي يتّسم بطعم مر.

وفي الأردن موسمان رئيسيان للإنتاج، الأول من بداية أبريل حتى منتصف مايو، والثاني بين شهري يونيو وأغسطس، بحسب طبيعة منطقة الإنتاج.

تربية النحل.. هواية ممتعة
تربية النحل.. هواية ممتعة

ويستفيد إنتاج العسل الأردني من التنوع النباتي الكبير في الأردن وتنوع طبيعته الجغرافية. ويقول ربابعة “لدينا نحو 2500 نبات زهري (…) وتنوع حتى على مستوى مساحات ضيقة”، مشيرا إلى أن “المتر الواحد قد يكون فيه 6 إلى 7 أنواع من النبات”.

ويؤكد هذا الأستاذ المتخصص بالموارد الطبيعية والبيئة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، أن “هذا التنوع يميّز العسل الأردني، والقيمة العلاجية والغذائية لهذا العسل يُتوقع أن تكون أفضل” من باقي الأنواع.

ويشير إلى “عسل القيقب الذي يُقطف من مناطق حرجية في الأردن (مثل عجلون شمالا، والسلط غربا)، وفيه خاصية أنه مر”.

ويوضح “قمنا بدراسة هذا العسل مع أنواع أخرى وتبين أنه يحتوي على مركبات فينولية ومضادات أكسدة عالية جدا مقارنة بأنواع أخرى، ما يدل على أنه له قيمة أعلى”.

محمد الخطيب: المستهلكون يطلبون حاجتهم من العسل قبل سنة من إنتاجه
محمد الخطيب: المستهلكون يطلبون حاجتهم من العسل قبل سنة من إنتاجه

ويقول ربابعة إن الإحصاءات الرسمية “تقول إن لدينا قرابة 1400 نحال فقط ينتجون ما بين مئتين وثلاثمئة طن سنويا”.

لكنه يشير إلى أن عدد النحالين يصل إلى أربعة آلاف، “وهذا يرفع كمية العسل المنتجة إلى ما يقارب 700 إلى 800 طن سنويا”.

ويوضح أن معظم النحالين غير مسجلين رسميا، ولا توجد إحصاءات رسمية لإنتاجهم الذي يوفر نحو 70 في المئة من الحاجة السنوية للبلاد، بينما تستورد البلاد ما يصل إلى ألف طن.

ويتابع “نحن قريبون جدا من الاكتفاء الذاتي، ولذلك يجب وقف الاستيراد”.

وبحسب الإحصائيات الرسمية، استورد الأردن عام 2014 نحو 600 طن من العسل، وارتفعت كمية الاستيراد خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ويقول أستاذ اللغة الفرنسية وعميد كلية اللغات الأجنبية في جامعة آل البيت محمد الخطيب لوكالة فرانس برس إن الجائحة “ساعدتني ومنحتني الوقت الكافي لأتعلم عن النحل وأرعاه بشكل جيد”.

ويبتسم الأستاذ الجامعي، الذي يعمل في التدريس منذ 23 عاما، مرتديا لباسا أبيض واقيا ويحمل مدخن النحل، بينما يتفقد نحو 15 خلية وضعها في حديقة منزله، ويؤكد أن “الناس يبحثون عن عسل موثوق، وكل المحيطين يطلبون حاجتهم من العسل قبل سنة من إنتاجه”.

800

طن ينتجها أكثر من 4 آلاف نحال، وهي كمية تغطي 70 في المئة من الحاجة السنوية للبلاد

وبدأ الخطيب مشروعه قبل أربع سنوات بثلاث خلايا فقط لتلبية حاجته المنزلية من العسل، ولديه الآن 15 خلية أنتجت العام الماضي 110 كيلوغرامات.

ويباع الكيلوغرام الواحد من العسل الأردني بحسب نوعه بمعدل 15 دينارا (21 دولارا) إلى 30 دينارا، ناهيك عن بيع العكبر وشمع العسل.

ويقول ربابعة إن تربية النحل “قطاع إنتاجي مجد”، موضحا أن “في أسوأ الحالات، من سنتين إلى ثلاث سنوات، يُسترد رأس المال”.

ويشير إلى أن الدخل السنوي لقطاع مربي النحل يصل إلى نحو 20 مليون دينار (28 مليون دولار)، لكن “القيمة غير المباشرة لتلقيح المحاصيل تفوق مئة مليون دولار”.

ويؤكد أن الفائدة الاقتصادية لتربية النحل “لا تنحصر فقط في العسل، فهو ينتج أيضا حبوب اللقاح وغذاء الملكات، والشمع، والعكبر، وسم النحل الذي يدخل في الكثير من المركبات العلاجية”.

ويرى ربابعة أن تنظيم قطاع تربية النحل سيقود إلى مضاعفة الإنتاج، فـ”70 ألف خلية مؤهلة لأن تصبح مئة ألف خلية في سنة واحدة وربما أكثر”، ما يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي.

10