تنامي الرفض الشعبي في العراق للوجود الإيراني يقابله خضوع سياسي

بغداد - شهدت مدينة الناصرية من محافظة ذي قار في جنوب العراق تحركات احتجاجية رفضا لافتتاح ملحقية للسفارة الإيرانية، في مؤشر يعكس تنامي الغضب الشعبي في العراق من الوجود الإيراني.
وأتى التحرك الذي قاده العشرات من النشطاء على إثر أنباء تفيد بوصول وفد من السفارة الإيرانية إلى ذي قار لافتتاح ملحقية لها في مقر غرفة تجارة الناصرية.
وتزامن الحراك مع دعوات شعبية تطالب بطرد السفير الإيراني إيرج مسجدي، على خلفية التدخلات الإيرانية في تشكيل الحكومة العراقية، وأيضا التجاوزات والانتهاكات الأخيرة لسيادة العراق بعد تبني الحرس الثوري الإيراني الأحد الماضي هجومًا باثني عشر صاروخا بالستيا استهدف مواقع مدنية في أربيل شمال البلاد.

ريبير أحمد: الصواريخ التي استخدمتها إيران لا تستعمل إلا في حالات الحرب
وقد ذهب الحرس الثوري إلى حد التهديد بتكرار الاستهداف متى اعتبر أن هناك تهديدا في البلد الجار لأمن إيران القومي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن أحد الناشطين المشاركين في التحرك الاحتجاجي الذي جرى أمام غرفة تجارة الناصرية قوله إن “رفض افتتاح الملحقية الإيرانية يأتي اعتراضا على التدخل الإيراني السافر في الشؤون العراقية وارتكابها ما ينتهك سيادة البلاد”، مشيرا إلى أن “التدخل الإيراني تجلى في الآونة الأخيرة بإعلان إيران عن تبني قصف أربيل ومحاولاتها المشبوهة لتشكيل حكومة عراقية موالية لها”.
وأشار الناشط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إلى أن “الغضب الشعبي آخذ في التصاعد ضد التدخلات الإيرانية، فسفاراتها وقنصلياتها باتت بؤرا للتدخل المشبوه ومواقع انطلاق لتنفيذ أجندات الحرس الثوري الإيراني”، مشددا على أن “هذه الخروقات وغيرها تجعلنا نقف بالضد من قرار افتتاح الملحقية”.
واعتبر أن “افتتاح الملحقية يمكن أن يشكل موطئ قدم لانطلاق عمليات إيرانية مباشرة لاستهداف انتفاضة تشرين في الناصرية”.
وسبق أن تعرضت قنصليات لإيران إلى الحرق خلال احتجاجات أكتوبر 2019، حيث عمد المحتجون إلى حرق قنصلية النجف، مع إضرام النار في صور لرموز وقادة إيران، واتهم المحتجون في الناصرية وغيرها من المدن العراقية المنتفضة حينها طهران بمحاولة قمع الحراك غير المسبوق عبر أذرعها الميليشياوية المنتشرة في البلاد.
ويرى مراقبون أن التحرك الاحتجاجي الأخير الذي شهدته الناصرية هو دليل على حالة الغضب المتصاعدة ضد النفوذ الإيراني، واستباحته لأراضي العراق، مثلما جرى في أربيل مؤخرا.
ويشير المراقبون إلى أن الموقف الضعيف للزعامات والقيادات السياسية حيال التمادي الإيراني يؤجج الشعور بالغضب لدى الشارع العراقي.
وانقسمت مواقف القوى السياسية في العراق حيال الاعتداء الأخير الذي تعرضت له أربيل، بين شق ساند الرواية الإيرانية دون أي تدقيق أو بحث وتمثله القوى المعروف عنها ولاؤها المطلق لإيران، وشق أبدى مواقف أقل ما يقال عنها “خجولة” على غرار موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي اقتصر على الحديث عن تشكيل لجنة للنظر في المزاعم الإيرانية بشأن المواقع المستهدفة التي قال الحرس الثوري إنها تعود إلى مراكز إسرائيلية، ليتبين لاحقا ومن خلال التحقيقات الأولية أنها تعود إلى تاجر كردي.
وعرض وزير داخلية إقليم كردستان ريبير أحمد أمام البرلمان العراقي الخميس النتائج الأولية للتحقيق في الاستهداف الإيراني، وقال أحمد إن الصواريخ التي استخدمتها إيران لضرب عاصمة الإقليم شمال العراق ذكية وعابرة للحدود ولا تستخدم إلا في حالات الحرب.
وشدد أحمد على أن “قصف أربيل تجاوز على السيادة العراقية وخرق للاتفاقيات ومعاهدات حسن الجوار”. وذكر أن “الموقع المستهدف خلال القصف الإيراني هو موقع مدني لإقامة مستثمر كردي عراقي معروف على مستوى العراق”، مشيرا إلى أن إقليم كردستان منفتح ومتعاون مع الجميع ومستعد لأي لجنة تأتي وتحقق وتكشف مواقع القصف في أربيل.
وأضاف “طالبنا البرلمان العراقي بتشكيل لجنة للتحقيق بشأن القصف تشارك فيها أطراف عراقية وأممية”.
وشكل حضور وزير الداخلية في الإقليم وتقديمه لإفادته حرجا كبيرا للقوى السياسية في البرلمان العراقي الذي يتجه لاستدعاء السفير الإيراني مسجدي.
الحرس الثوري الإيراني يهدد بتكرار الاستهداف متى اعتبر أن هناك تهديدا لأمن إيران القومي
ويرى مراقبون أن تعاطي القوى السياسية في العراق مع الاستهداف الإيراني يشكل بالنسبة إلى الشارع العراقي خيبة أمل كبيرة في إمكانية تحقيق أي إصلاح أو استعادة سيادة العراق في ظل استمرار هذه القوى في قيادة دفة هذا البلد.
ويعتقد المراقبون أن تكرار سيناريو حراك 2019 بات أمرا واردا وبشدة، في ظل عجز القوى السياسية عن استيعاب حجم الغضب العراقي من التدخل الإيراني، لافتين إلى أن قبول التيار الصدري الفائز في الانتخابات التشريعية لصفقة محاصصة جديدة مع قوى الإطار التنسيقي قد يكون شرارة اندلاع هذا الحراك.
وتمارس طهران ضغوطا على التيار الصدري للدخول في تحالف مع الإطار التنسيقي الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لها، تنتج عنه حكومة محاصصة سبق وأن انتفض ضدها العراقيون.
وأعرب السفير الإيراني لدى بغداد مؤخرا عن تفاؤله بفكّ عقد تشكيل الحكومة في العراق، وقال إن هناك “مؤشرات على رغبة الأطراف في الوصول إلى توافق”. وأضاف أن طهران تدعم التوافق بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، واصفا الحوارات بينهما بـ”الإيجابية”.
واعتبر مسجدي أن “البون بين القوى الشيعية لا ينبغي أن يستمر”، معربا عن أمله “في الوصول إلى توافق سواء في موضوع الكتلة الأكبر أو اختيار رئيس الوزراء، وكذلك التوافق مع الأطراف الكردية والسنية”.