تنامي الدعوات المطالبة بحل أزمة التأشيرات بين فرنسا والمغرب

الرباط - انضم برلمانيون فرنسيون الأحد إلى الرئيس السابق فرانسوا هولاند وغيره من السياسيين في الدعوة إلى تجاوز أزمة التأشيرات بين المغرب وفرنسا والتي وترت العلاقات بين البلدين منذ أكثر من عام، بينما أبدى الرئيس الحالي امانويل ماكرون تقاربا مع الجزائر بسبب حاجة بلاده لبديل للغاز الروسي وسط أزمة طاقة تلوح في أفق أوروبا.
وكانت مصادر دبلوماسية قد أشارت في وقت سابق إلى أن ماكرون يرتكب خطأ بمجازفته بتوتير الأجواء مع المغرب أحد أهم الشركاء الاقتصاديين والشريك الاستراتيجي في مكافحة الهجرة والإرهاب، محذرين من ذهابه أبعد في التقارب مع الجزائر على حساب الشريك المغربي.
قال نائب رئيس مجلس الشيوخ فانسان دولاهاي "ينبغي إيجاد حلول للخروج من هذا الوضع بسرعة".
وأضاف السناتور عن الضاحية الباريسية أيسون خلال زيارة قام بها برلمانيون ونظمتها لجنة الصداقة الفرنسية المغربية "يجب أن نحاول إيجاد طرق مقبولة للجميع".
وفي سبتمبر 2021 ، قررت باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر والمغرب إلى النصف للضغط على الحكومات التي تعتبرها غير متعاونة لاستعادة مواطنيها المطرودين من فرنسا.
وكانت الحكومة المغربية قد وصفت الإجراء بأنه "غير مبرر"، فيما اعتبرته الأوساط الفكرية "اخرقا"، بينما أثار هذا التشدد استياء على مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات لاذعة في وسائل الإعلام، وأضعف العلاقات بين الرباط وباريس.
وتشهد العلاقات الفرنسية المغربية على خلفية هذه الأزمة فتورا تجلى لاحقا في إعلان الرباط تعيين محمد بنعشبون مديرا لصندوق محمد السادس للاستثمار ليصبح منصب السفير المغربي في باريس شاغرا، في قرار جاء بعد أن غادرت هلين لوغال السفيرة الفرنسية لدى المملكة منصبها قبل أسابيع ليبقى منصبها شاغرا.
ويبقى الموقف الفرنسي من ملف النزاع في الصحراء المغربية أقل وزنا ووضوحا مقارنة بمواقف دول أوروبية وازنة مثل اسبانيا وبلجيكا والسويد، فيما أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤخرا أن بلاده تنظر لعلاقاتها الخارجية بمنظار مغربية الصحراء.
وتوقفت الزيارات الرسمية بين فرنسا والمغرب منذ فترة في مؤشر على أزمة صامتة بين الشريكين، تجلت أيضا في غياب اتصالات بين قائدي البلدين.
لكن مصادر قالت إن قنوات الاتصال لا تزال مفتوحة بانتظار تعيين سفرين جديدين في العاصمتين ليحلا مكان السفيرين السابقين.
وذكرت مصادر مطلعة أن ماكرون والملك محمد السادس أجريا اتصالا هاتفيا في الأول من نوفمبر حول زيارة دولة مخطط لها منذ فترة طويلة للرئيس الفرنسي، بحلول نهاية العام أو بداية عام 2023، إلا أنه لم يتم تأكيد الاتصال أونفيه رسميا.
وقال صلاح بوردي رئيس اللجنة خلال مؤتمر صحافي "التقينا رجال ونساء مغاربة أصيبوا بالخيبة"، موضحا أن "سياسة التأشيرات هذه ألحقت ضررا بالغا لأنها شملت قسما كبيرا من المغاربة الناطقين بالفرنسية والأكثر قربا إلى بلدنا".
وكررت الحكومة الفرنسية التي قدمت مؤخرا مشروع قانونها المتعلق باللجوء والهجرة، هدفها المتمثل في تنفيذ جميع التزاماتها بمغادرة الأراضي الفرنسية.
وقال السناتور ميشيل داغبرت "يجب فصل مسألة التأشيرات عن قضية الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية" داعيا كذلك إلى "خطوة في الاتجاه الصحيح من قبل المغرب".
وتتزايد الدعوات من الجانبين المغربي والفرنسي للحد من "حرب التأشيرات" هذه والتي لا تشكل حجر العثرة الوحيد بين الرباط وباريس.
وتعتبر فرنسا متساهلة جدا حيال مسألة الأراضي المتنازع عليها في الصحراء المغربية التي تمثل "قضية وطنية" بالنسبة للمملكة التي أثار غضبها تقارب باريس الأخير مع الجزائر الذي تجسد بشكل خاص بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة الجزائرية في أغسطس الماضي.
ولا تستبعد مصادر أن تكون الجزائر الحاضنة والداعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية قد استخدمت ورقة الغاز للضغط على فرنسا، استنادا إلى أنها فعلت ذلك مع اسبانيا حين أعادت مراجعة عقود الغاز معها دون غيرها ردا على إعلان الحكومة الاسبانية دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية سبيلا واقعيا وقابلا للتطبيق لحل النزاع في الصحراء وهو المقترح الذي طرحته المملكة منذ العام 2007.
ويشعر ساسة فرنسيون بأن سياسة الرئيس الحالي ارتجالية في بعض ملفات الشراكة ومحكومة بمنطق المصالح لا بمنطق التوازن في العلاقات، وهو ما يفسر إلى حد ما تعالي أصوات وازنة سياسيا تنادي بضرورة حل مشكلة التأشيرات.
ففي أكتوبر الماضي دعا أوليفييه بيخت الوزير الفرنسي المكلف بالتجارة الخارجية إلى "تجاوز التوترات" بين بلاده والمملكة التي فاقمتها القيود المفروضة على تأشيرات شنغن الصادرة للمغاربة.
وقال خلال زيارة سابقة للمغرب "لقد مررنا بفترة توتر في السنوات الأخيرة، يجب أن نكتب صفحة جديدة"، مشددا على ضرورة "التغلب على هذه التوترات لبناء مشاريع مشتركة".
وفي الفترة ذاتها دعا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى تجاوز ما وصفه بـ"سوء الفهم" بين بلاده والرباط في قضية التأشيرات، مشددا على ضرورة أن "تتحسن العلاقات بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة".
وقال خلال زيارة للرباط بمناسبة مشاركته في ندوة دولية حول الفساد "فرنسا في حاجة إلى المنطقة المغاربية، وفرنسا لديها علاقات قوية مع دول المنطقة مثل المغرب".