تنافس دولي على مكامن ثروة الليثيوم في أفغانستان

تتزايد الترجيحات في أن تركز الدول الكبرى وخاصة الصين والهند والولايات المتحدة على أفغانستان للاستفادة من احتياطاتها الهائلة من الليثيوم والتي تشكل ثروة بالنسبة إلى خطط تلك الحكومات في ترسيخ التحول التكنولوجي وبناء اقتصادات عديمة الكربون.
كابول - تحمل الاحتياطيات الكبيرة من الليثيوم والتي تحويها الأراضي الأفغانية بشارات لمتطلبات الطاقة العالمية غير التقليدية وهو ما قد يولد تنافسا بين الدول التي تريد الاستثمار في هذا المعدن النفيس.
ولطالما كانت أفغانستان دولة تعتمد بشكل مفرط على المساعدات الخارجية، ولكن إمكانية تعدين الليثيوم تستطيع أن تحول اقتصادها إلى مستقر وموجه نحو التجارة.
ويوصف الليثيوم بأنه نفط القرن الحادي والعشرين، ويُعتقد أن الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، المعروفة بـ"مثلث الليثيوم" لديها أكبر احتياطيات من هذا المعدن في العالم.
ولكن نظرا إلى أن تكلفة النقل من أميركا الجنوبية إلى الدول الآسيوية المتعطشة للطاقة غير مجدية اقتصاديا، فإن آمال الدول الكبرى معلقة على الهدوء في أفغانستان لتتمكن من الاستفادة من مكامن تلك الثروة، التي يمكن أن تنافس تلك الموجودة في "مثلث الليثيوم".
ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية عن إليف نور أوغلو رئيسة قسم الاقتصاد بالجامعة التركية الألمانية قولها إن "الليثيوم أصبح وبشكل سريع منتجا استراتيجيا مثل النفط".
وعلى غرار النفط، يمكن استخدام الليثيوم سلاحا واستعماله في العديد من المجالات في المستقبل، كإنتاج المركبات الكهربائية والهجينة والآلات والروبوتات كما يستخدم في البطاريات لتشغيل الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة.
وكشفت فاينانشيال تايمز أن مجموعة من ممثلي صناعة التعدين في الصين قدمت إلى أفغانستان مؤخرا لإجراء زيارة ميدانية والحصول على حقوق التعدين، في الوقت الذي تواجه فيه كابول أزمة مالية وإنسانية حادة.
ويرى خبراء صينيون أن الشكوك فيما يتعلق بالسياسات والأمن والاقتصاد والبنية التحتية السيئة تعد أهم الصعوبات أمام صناعة التعدين في أفغانستان.
كما يعتقد محللون أن أي تعدين وإنتاج سيكون مرهونا بالضمانات الأمنية التي ستقدمها طالبان للاستثمارات الصينية.

وتقول كلوديا تشيا المحللة في معهد دراسات جنوب آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية إن طالبان قد تفكر في توفير أفراد أمن للمشاريع الصينية، على غرار ما فعلته باكستان لمشروع الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني.
وشاركت الشركات الصينية بالفعل في العديد من المشاريع الكبرى بأفغانستان بما في ذلك مشروع منجم أيناك للنحاس ثاني أكبر منجم للنحاس في العالم، ولكن بسبب الفوضى، تقدم مشروع استخراج خام النحاس ببطء، وتوقف في النهاية.
وكشف تقرير للمفتش العام الأميركي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان عن تفشي التعدين غير القانوني بالبلاد ما كلفها خسائر بنحو 300 مليون دولار على مدى العقدين الماضيين. وتظهر التقديرات أن أفغانستان بها أكثر من ألفي موقع للتعدين كانت تدر الأموال لأمراء الحرب.
وفي دراسة استقصائية أجريت عام 2010، قدر الباحثون في الجيش الأميركي قيمة الليثيوم الموجود في أفغانستان والمنتشر في مناطق غزني وهيرات ونمروز بمبلغ قدره 3 تريليونات دولار.
وذكرت بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة أن التحكم في مخزونات الليثيوم غير المستغلة والعناصر الأرضية النادرة في أفغانستان من شأنه أن يمنح بكين ميزة إضافية في منافستها على الموارد مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار المركز إلى أنه في 2019 استوردت الولايات المتحدة 80 في المئة من معادنها الأرضية النادرة من الصين، بينما حصل الاتحاد الأوروبي على 98 في المئة من المعادن من الصين أيضاً.
وقال سعيد ميرزاد مستشار بهيئة المسح الجيولوجي الأميركية والذي كان رئيسا لهيئة المسح الجيولوجي الأفغانية منذ 1979 لمجلة ساينس في 2010 "إذا تمتعت أفغانستان ببضع سنوات من الهدوء، للسماح بتنمية مواردها المعدنية، فقد تصبح واحدة من أغنى البلدان في المنطقة في غضون عقد من الزمن".
واكتشف خبراء التعدين السوفييت موارد الليثيوم بأفغانستان لأول مرة في ثمانينات القرن الماضي، لكنهم أبقوا الأمر سراً تحت حراسة مشددة حتى 2004 عندما عثر جيولوجيون أميركيون على مخططات وبيانات قديمة في مكتبة هيئة المسح الجيولوجي الأفغانية في كابول.
وبعد ذلك بدأت الهيئة الأميركية سلسلة مسوحات جوية للموارد المعدنية في أفغانستان باستخدام معدات متقدمة لقياس الجاذبية وتوفير صورة ثلاثية الأبعاد للرواسب المعدنية تحت سطح الأرض.
وفي 2009، بعدما تم نقل أعضاء فريق عمل البنتاغون الذي أنشأ برامج تطوير الأعمال في العراق إلى أفغانستان، جلبوا معهم خبراء التعدين للتحقق من صحة نتائج المسوحات، وقاموا باطلاع الرئيس السابق حامد كرزاي ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس على النتائج.
ووفقا للنشرة الإخبارية الصادرة عن الهيئة فإنه إلى جانب استخدامه في البطاريات، يُستخدم الليثيوم أيضا في التكنولوجيا النووية.
ونظرا لكونه مقاوما للحرارة يتم خلطه مع الألمنيوم والنحاس لتقليل الوزن في المكونات الهيكلية لجسم الطائرة. كما أنه يستخدم في بعض الأدوية النفسية وطب الأسنان.
واستنادا إلى أبحاث مكثفة للمعادن خلصت الهيئة الأميركية إلى أن أفغانستان قد تحتوي على 60 مليون طن متري من النحاس، و2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة مثل اللانثانوم والسيريوم والنيوديميوم، إلى جانب الألومنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق.
300 مليون دولار فقدتها أفغانستان بسبب التعدين غير القانوني خلال عقدين من الزمن
وأظهر تحليل أوّلي لموقع في مقاطعة غزنة إمكانية وجود رواسب الليثيوم بكميات كبيرة مثل تلك الموجودة في بوليفيا، التي لديها 21 مليون طن من الاحتياطيات، وهي الأكبر في العالم حتى الآن.
ويتوقع أن منطقة خانشين في مقاطعة ريج بإقليم هلمند تحتوي ما بين 1.1 و1.4 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة.
وتعتبر أصول الليثيوم بالغة الأهمية ليس فقط للصين، ولكن أيضا لاقتصاد رئيسي آخر هو الهند التي أنفقت 3 مليارات دولار على شكل مساعدات في أفغانستان لإظهار حسن النية من بوابة المساعدات وقبول حكم طالبان.
وتستهدف الهند 450 غيغاواط من الطاقة المتجددة المركبة بحلول 2030. ففي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده ستصل إلى "صفر انبعاثات" بحلول 2070 ما يعني أنها ستوازن ذلك بما يتم امتصاصه من الليثيوم الأفغاني.
وتطمح الهند أيضا إلى أن تصبح ثاني أكبر مصنع للهواتف المحمولة في العالم. وبموجب سياستها للإلكترونيات التي تم الكشف عنها في 2019 تخطط لإنتاج مليار هاتف محمول، منها 600 مليون قطعة للتصدير.
ومع ذلك، فإن كل هذه الأهداف مرتبطة بتوفر الليثيوم الذي تعتمد الهند حاليا على تأمينه من الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي.
ويعتقد المراقبون أن الصناعات المتنقلة وغير التقليدية في الهند ستحصل على دعم كبير من خلال التواصل الدبلوماسي مع طالبان وتطبيع العلاقات مع باكستان للسعي للوصول بسهولة إلى الموارد المعدنية الغنية في أفغانستان.